الفلسفة المنطقية لدى أندرسون

اقرأ في هذا المقال


كتب الفيلسوف جون أندرسون كتابًا مدرسيًا عن المنطق في أوائل عشرينيات القرن العشرين (JAA – Textbook on Logic)، والذي صدر عام 2010 ويخبرنا مصيره كثيرًا عن طموحاته الفلسفية.

منطق أندرسون:

وفقًا لكاتب سيرته الذاتية قدم أندرسون المخطوطة ليس للناشرين الأكاديميين الضيقين ولكن إلى ألفريد ريتشارد أوراج وهو محرر (The New Age)، الذي وصفه مؤرخ الفلسفة الاسكتلندية جورج ديفي بأنّه يخدم القراء المؤلفين التحرريين واليساريين غالبًا، وفي ظل حكم أوراج كانت المجلة مع ذلك وسيلة حداثية طليعية ذات تأثير كبير للنقد الأدبي والسياسي، وتصور أندرسون أنّ منطقه له أهداف ثقافية أوسع من مجرد تدوين أشكال التفكير، وعندما رفض أوراج العمل بسبب غرابة الأطوار المفترضة أصيب أندرسون بخيبة أمل شديدة.

يهتم منطق أندرسون بالتصريحات وليس بالأسئلة أو الأوامر أو الوصفات أو التحذيرات أو غير ذلك من أشكال التعبير، فالمنطق معني بشكل أساسي بالبيانات التي تثير قضية موضوعية، وهذه الأشكال الأخرى من الكلام تفعل ذلك بشكل غير مباشر فقط، وينطوي الخطاب على منطق مشترك للتأكيد والتضمين والتعريف.

إنّ الاختلافات الواضحة في الشكل المنطقي ترجع ببساطة إلى أنماط التعبير المختلفة، أي عبارة إذا كانت تقول أي شيء على الإطلاق يمكن إظهارها من خلال التحول إلى شكل منطقي لتأكيد بعض الحقائق: بمعنى وصف لشيء معين على أنّه من نوع معين وادعاء أنّ شيئًا ما هو الحال، وتم تعيين مجموعة من العبارات لطلاب أندرسون؛ ليتم تحويلها إلى أحد أشكال الاقتراح الأرسطية الأربعة والمعروفة تقليديًا على أنّها أشكال (A) و (E) و (I) و (O).

في أي مجال حتى يتم طرح الأسئلة أو القضايا في أحد أشكال الاقتراح الأربعة هذه فإنّها ستشوش حتماً وكلك تعتبر قواعد مضللة للتحقيق، ومن وجهة نظر أندرسون للمنطق التقليدي فإنّ الافتراض العام: “كل ما هو (A) هو (B)” تؤكد حقيقة بسيطة مفادها أنّ كل شيء كما هو (B)، وكون الشيء من نوع معين هو الحد الأدنى غير القابل للاختزال من حقيقة أو حالة، ولا يوجد تأكيد لبعض (الصلة العامة) فوق هذه الحقيقة.

كما أنّ الافتراض العام لا يؤكد أنّ بعض العلاقات الطبقية تثبت بين (A) و (B)، حيث إنّ تأكيد العلاقة الطبقية هو مجرد طريقة للقول أنّ بعض الافتراضات صحيحة، ولا يتعلق الأمر ببعض الكلية (A): أي إنّه يؤكد ببساطة لكل (A) على أنّه (B)، وعلى الرغم من أنّه لا يؤكد بشكل مباشر وجود (A) فإنّه بالتأكيد يفترضه مسبقًا، حيث إنّها بالفعل الفضيلة العظيمة لأندرسون لنسخته من المنطق التقليدي أنّها تبرز بشكل كامل الافتراضات الوجودية للقضية.

بالإضافة إلى ذلك يعتقد أندرسون أنّ ما يُنظر إليه غالبًا على أنّه حقائق منطقية عليا (على سبيل المثال بيانات الهوية) ليست حقائق على الإطلاق لأنّهم لا يقولون شيئًا، ولا توجد حقيقة تحليلية أي إذا كان الافتراض يقول أي شيء على الإطلاق فقد يكون خاطئًا، ويرفض أندرسون وجهة النظر القائلة بأنّ الحقائق الرياضية موجودة فقط داخل حساب التفاضل والتكامل، أي قابلة للاشتقاق من مجموعة معينة من الفرضيات المختارة.

القياس المنطقي بين الفيلسوفان أندرسون وميل:

ويرفض أندرسون وجهة نظر الفيلسوف جون ستيوارت ميل القائلة بأنّ البيانات العالمية هي تعميمات من التجربة، ولا يمكن اشتقاق الافتراضات العالمية عن طريق التعميم من تجارب معينة لأنّه ببساطة لا توجد مثل هذه التجارب المباشرة، وهذه الحقائق مشتقة من افتراضات عالمية أخرى ومختبر في التجربة، وعند مناقشة وظائف الموضوعات والمسندات والجماعية في الافتراضات والعلاقات المنطقية بين القضايا فإنّ المنطق يناقش بالفعل الكليات والأفراد والهوية والمكان والزمان والسببية.

وخلافًا لاستقرائي ميل ونظرًا لأنّ لدينا خبرة مباشرة بالعمومية والعلاقات فإنّ مثالًا واحدًا يكفي لتأسيس الافتراض العام (لنقل أنّ كل الزجاج هش)، وقد يتحدى التحقيق الإضافي مثل هذه التأكيدات لأنّ جميع معتقداتنا غير معصومة ولكن الشك بالجملة ليس خيارًا، والفجوة المنطقية بين التفاصيل والمسلمات التي يقترحها الاستدلال الاستقرائي هي فجوة لا يمكن لأي قدر من التفكير البشري أن يأمل في توسيعها، حيث كان هيوم محقًا في هذا ولكن بدلاً من تبني الشكوك كان عليه أن يستنتج كما فعل ويليام جيمس أنّ العمومية والعلاقات هي جزء من تجربتنا بقدر ما هي تفاصيل.

تعتبر صحة القياس المنطقي أساسية ويرفض أندرسون الاستقلال المطلق عن التفكير المنطقي لأشكال أخرى من التفكير مثل العلائقية والفرضية والمنفصلة، ويوضح القياس المنطقي بوضوح أنّ الموضوع في إحدى الافتراضات يمكن أن يعمل كمسند في قضية أخرى.

وإنّ الاختلاف بين الموضوع والمسند هو مجرد وظيفة واحدة: أي وظيفة مصطلح الموضوع وهي تحديد موقع المسند المراد وصفه، فلا توجد فئتان من الكيانات المشاركة هنا، وهذا يعني أنّه لا توجد مواقع أو تفاصيل أو مواد خالصة تمامًا كما لا توجد أوصاف أو مسلمات خالصة، ولا توجد فجوة منطقية يجب أن تمتد بين المصطلحات الأصلية والموضوع: أي يمكن لأي مصطلح أن يلعب دور خاص أو عام أو موضوع أو مسند.

بالنسبة لأندرسون فإنّ المنطق هو علم أكثر سمات الواقع عمومية، والمنطق ليس مجرد حساب مفيد يتبع من اختيار أولي للأولويات، ومنطق أندرسون ليس مجرد نسخة واحدة من حساب التفاضل والتكامل الأصلي من بين آخرين، ووجهة نظره هي أنّ المنطق يصف البنية العامة للحقائق والعلاقات بينها، وإنّه يوفر شروط الإمكانية لكل خطاب ولكنه لا يتعلق بأشكال اللغة ولا حول كيانات الحالة الخاصة مثل الكليات، كما إنّها تدور حول السمات الأكثر عمومية للحقائق.

تقوم هذه النظرة الافتراضية للواقع على فرضية أنّ الأشياء داخل المكان والزمان معقدة بشكل لا يمكن اختزاله، وكل موقف له جوانب خاصة وعامة يمثلها الموضوع والوظائف الأصلية داخل الاقتراح، ويمكن أن يكون كل مسند موضوع اقتراح آخر، وأبسط وحدة هي كائن هناك وبالتالي حالة الأمور التي يتم فيها تمييز معين بطريقة معينة، ولكن لا الخاص ولا العام يمكن أن يوجد بشكل مستقل، فلا نصل أبدًا إلى عناصر بسيطة تمامًا في أي مجال.

وقد أشار البحث عن مثل هذه البساطة التي حث عليها الفلاسفة راسل ومور وفيتجنشتاين الأوائل إلى وجود عنصر عقلاني متبقي في تفكيرهم، ومن ناحية أخرى ضد المعارضين المثاليين لهؤلاء الواقعيين الأوائل أصر أندرسون بالطبع على أنّه لا يمكن تكوين كيانات كليًا أو جزئيًا من خلال علاقاتهم.

وصف ماكي أندرسون بأنه آخر علماء المنطق الأرسطي ولاحظ بعض النتائج المحرجة لمفهومه عن المنطق: أي مشكلة الافتراضات الخاطئة، وعدم وجود طريقة للتعامل مع القضايا الفردية، وعدم القدرة على التعامل مع القياس الكمي المتعدد، وصعوبة التعبير عن الافتراضات العلائقية في شكل مسند ذاتي وقياسي، فبالنسبة لماكي فإنّ أي منطق يتعامل مع الافتراضات الخاطئة وعلاقات التناقض والتضارب والحجج المسلية والتزوير والتخفيضات إلى العبث، فإنّه يجب أن يكون شيئًا أكثر من سرد للقضايا كما هو موجود.

ميّز أندرسون بين منطق السمة الجوهرية للمثالية الذي أدانه راسل من منطقه الذاتي-المسند، ومع ذلك يبدو أنّ منطقه الأرسطي للتجربة اليومية يبدو غير مريح مع البحث الأوسع عن المنطق الذي يمكن أن يلتقط بشكل أكثر ملاءمة أشكالًا من التفكير عبر مجموعة متنوعة من المجالات، وقد ظهر المنطق الأنطولوجي مثل أندرسون ليبدو ساذجًا واقعيًا وأرسطوًا، ويصعب التمسك به في تاريخ فلسفة القرن العشرين.

لم يقتصر الأمر على أنّ إعادة الوصف غير البديهية والنسبية إلى اختيار الأوائل لفلسفة القرن العشرين التي تجاهلت إصرار أندرسون على أنّ المنطق ليس حسابًا، واستمرت التطورات التقنية في منطق المصطلحات الشكلية والمتوترة والعلائقية دون الرجوع إلى شكل أندرسون من المنطق.

المصدر: John Anderson (1893-1962)John AndersonAnderson, John (1954) ‘Politics and Morals,’ Australasian Journal of Philosophy 32: 213-22.Anderson, John (1958) ‘Realism’ The Australian Highway (Journal of the Workers Educational Association, Australia): Sept. pp 53 -56.Anderson, John (1959)‘The Illusion of the Epoch’ Australasian Journal of Philosophy 37: 156-67.


شارك المقالة: