الفلسفة الواقعية المنهجية لدى أندرسون

اقرأ في هذا المقال


من وجهة نظر الفيلسوف جون أندرسون فإنّ الحركة الواقعية التي بدأها الفيلسوفان راسل ومور قد انتهت بالفشل لأنّها حاولت التغلب على الفلسفة الهيجلية من خلال العودة إلى اليقين ما قبل المثالية، ونتيجة لذلك تُركت الواقعية بدون مدرسة يمكن من خلالها تحدي مدارس المثالية والبراغماتية الناشئة حديثًا، كما كان نظام فكر هيجل الشامل مثالاً للواقعية الجديدة والمنهجية لمحاكاتها.

فلسفة أندرسون والهيجلية:

باختصار تعتمد محاولة هيجل لصياغة تسلسل وجهات نظره على وجهة نظر واقعية للقضية التي تتعارض مع نظريته الكاملة عن وجهات النظر أو المقولات ومدى ملاءمتها المتغيرة للواقع ككل، فهيجل يتقدم عن غير قصد فيما يتعلق بالقضية، ولكنه عالق بالمحاولة الوهمية لتأسيس حقيقة شاملة (ذلك حيث يمكن أن يكون الافتراض الحقيقي صحيحًا)، وبدلاً من مهمة إنشاء افتراضات حقيقية.

كما يبدو أنّ الفيلسوف براندوم قدم نفس النقد لهيجل في خدمة مشروعه التعبيري المختلف للغاية، ولكن بالنسبة لأندرسون فإنّ عقيدة هيجل في وجهات النظر ترتكز على عدم القدرة على فهم استقلالية الحقائق، ومن ناحية أخرى نحتاج فقط إلى رفض عقيدة هيجل للتعبيرات لنجد أننا قد تركنا مع حالات فعلية للشؤون بدلاً من الوجود المجرد.

لا يمكن للعقلانية الديكارتية ولا التجريبية الإنجليزية أن تحل محل فلسفة هيجل بأي موقف فلسفي من نطاق مشابه، وكان هيجل محقًا في التأكيد على النظام ولكن ليس ككل (حل مزعوم لمشاكل حقيقية) ولكن في شكل منطق واحد، كما أنّه كان محقًا في رؤية هذا المنطق على أنّه تاريخي ولكنه كان من الخطأ محاولة استبدال منطق تطور الأشياء بمفهوم المنطق النامي.

يلخص أندرسون الموقف على النحو التالي: بأنّ الطريقة الوحيدة لإجابة هيجل هي التخلي عن التعلق الحديث بالأسئلة المعرفية تمامًا والعودة إلى الاعتبار اليوناني للأشياء، فبالإضافة إلى الاتجاه اليوناني فإنّ البديل الحقيقي للمثالية الهيغلية يتضمن ثلاثة مكونات رئيسية وهي:

1- نظرية إيجابية للعقل باعتباره شعورًا وباعتباره غير وحدوي، وجزءًا من الواقع المكاني والزماني مثل أي أشياء وأحداث غير عقلية.

2- التجريبية الحقيقية التي اعترفت بالعلاقات والجنرالات على أنّها حقيقية (ومعروفة) مثل التفاصيل المرتبطة بها.

3- مفهوم المكان والزمان كشرط للوجود بدلاً من المعرفة البشرية كما هو الحال في المثالية المتعالية لكانط.

اقترح أندرسون استبدال كلية هيجل من خلال تطوير واقعية منهجية من شأنها أن تدمج عمل جون بيرنت في الفلسفة اليونانية وسيغموند فرويد في الاعتبار والتجريبية الراديكالية لوليام جيمس، وإعادة صياغة صموئيل ألكسندر لجماليات كانط المتعالية، ولا يذكر أندرسون هنا مصدرًا آخر محتملًا لواقعيته المباشرة ألّا وهو فلسفة الحس السليم الاسكتلندي، ولكنه اعتبر ذلك في محاضراته عن توماس ريد عام 1935.

اقترح ريتشارد رورتي أنّ فلسفة اللغة الإنجليزية في أوائل القرن العشرين نشأت من هيمنة المثالية الهيغلية من خلال الإذعان إلى العلوم الطبيعية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ الارتباط البديل مع الأدب الحداثي ويبدو أنّه يهدد نوعًا من الجمالية المخصخصة التي تحتوي على سلالات مزعجة من اللاعقلانية.

وبشكل سطحي يقترح عمل أندرسون محاولة من نوع ما لاستيعاب الفلسفة في العلوم، ولكنه كان حداثيًا حقيقيًا فيما يتعلق بالثقافة الأدبية أي تتضمن مقالاته وعناوينه أعمالًا نقدية على شخصيات مثل على وجه الخصوص جيمس جويس، ولكن أيضًا لورانس وشو وويلز وجراهام وبيلوك ووايلد وهاردي وإبسن وميريديث ودوستويفسكي وملفيل وكذلك نوع الخيال البوليسي، حيث كان لأدب أندرسون طابع خاص باعتباره تجسيدًا أو مستودعًا للثقافة.

في سيدني في الثلاثينيات من القرن الماضي دافع عن كل من أعمال جيمس جويس (التي تم حظرها مؤخرًا) وأهمية التحليل النفسي الفرويدي لفهمنا للعقلية على أنّها متضاربة وعاطفية وللتحقيق الثقافي بشكل عام.

كما كان يعتقد أنّ الفلاسفة الأدبيين قبل الحداثة للرومانسية والمثالية قد أظهروا تماسكًا أكبر من أولئك الفلاسفة الذين أعلنوا الدقة العلمية، ولكنهم كانوا يميلون أيضًا إلى الترويج لأشكال الأخلاق واللاهوت التي تعارض الدقة واستقلالية الفكر والتي كانت ضارة بالثقافة بشكل عام، واعتقد أندرسون أنّ تفسيره للمنطق الأرسطي التقليدي له دور مهم يلعبه في العالم الجديد للثقافة الأدبية بقدر ما يلعبه في العلوم الطبيعية.

أندرسون والفلسفة اليونانية:

كان أحد الإنجازات الرئيسية لهيجل لأندرسون هو التشجيع الذي قدمه لدراسة الفلاسفة اليونانيين، واستكشفت محاضرات أندرسون الخلفية التاريخية لوجهة نظره الافتراضية للواقع في القضايا التي أثارها ما قبل سقراط ولاحقًا في حوارات أفلاطون، ومثل غيره من الفلاسفة والروائيين الحداثيين (وهيجل نفسه) وجد أندرسون في هيراقليطس بديلاً ملهمًا لما اعتبره المثالية العاطفية والخانقة فكريا لمعلميه.

أقر أندرسون بأنّ تركيز هيراقليطس على عنصر النار يمكن قراءته على أنّه رد أيوني نموذجي على السؤال (مما يتكون العالم)، ولكن الموضوع الأكثر أهمية هو معاملته للنار كعملية بحتة كمعاملة وتبادل مثل عنصر نموذج الفتنة والوئام.

وقد وجد أندرسون في الجنين في هيراقليطس الكثير من مبادئه:

1- الارتباط الوثيق بين المنطق والأخلاق (الأخلاق كمجال يأتي فيه الصراع في المقام الأول إلى المقدمة).

2- الطريقة الوحيدة للوجود: “لما هو شائع” (البحث عن منطق عام لنظرية قابلية الأشياء للتناسب مع نظرية العملية).

3- الاعتراف بالتعقيد والصراع والنزاع الكامن وراء الأشياء القائمة.

4- معاداة المشاعر والتشاؤم التي ترفض أن تجد العزاء في الوحدة.

5- الانسجام الخفي للقوى في التوازن مفضل على الانسجام المفتوح للوحدة الوهمية.

6- الهجوم المتواصل على الأوهام الذاتية المتمثلة في الرغبة في الأشياء أو تخيلها كما نود أن تكون (ثابتة وآمنة) بدلاً من رؤيتها على حقيقتها.

بالنسبة إلى هيراقليطس أندرسون فإنّ: “رؤية الأشياء كما هي” تعني رؤيتها على أنّها معقدة ونشطة ومتغيرة، ومنظور يعارض الوهم المتفائل العقلاني للبسيط والثابت والمستقر، وإنّها رؤية الأشياء على أنّها متحركة وتاريخية وعملية ومع ذلك فهي متوازنة، فالصراع الهرقلطي هو الانسجام أي أشياء التجربة اليومية إيجابية وملموسة لأنّها عرضية وتاريخية.

وصف أندرسون هذا الضغط الأساسي في جميع مجالات البحث بأنّه بين الموضوعية والذاتية، وبين التفكير النقدي الذي يدرك التعقيد والتوتر في كل مكان والوهم العقلاني الذي يبحث عن الثابت والبسيط، وتشترك العقلانية هنا مع التفكير الأسطوري الأكثر بدائية في السعي لتحقيق الاستقرار والأمن والارتقاء الأخلاقي، وبحث كلاهما عن حلول على مستوى أعلى من المشكلات التي تتم معالجتها.

تشير تعاليم وكتابات أندرسون باستمرار إلى تاريخ الفلسفة ولكن أندرسون لم يكن مؤرخًا علميًا، وكان يعتقد أنّ القضايا والمواقف الفلسفية المستمرة كانت واضحة على مدار التاريخ (على سبيل المثال كانت الإلوكيتية مرحلة مفيدة للغاية وحاسمة تتكرر طوال تاريخ الموضوع، على سبيل المثال في انتقادات جرين لخصوصيات هيوم)، وقد ساعد تاريخ الفلسفة في التأكيد على قيمة منصبه.

من ناحية أخرى فإنّ محاضراته وكتاباته مليئة بالإشارات إلى الفلاسفة والعلماء والروائيين والمحللين النفسيين والثوريين، فلا شيء يبدو غريبًا حتى عن أكثر موضوعات المناقشة تعقيدًا في عمله، وكانت محاضراته بداية رائعة للأرانب البرية، ويقر جون باسمور بإلهام محاضرات أندرسون في أعماله حول هيوم والتفكير الفلسفي ورالف كودوورث والكمال وتاريخه الممتد لمائة عام من الفلسفة.

المصدر: John Anderson (1893-1962)John AndersonAnderson, John (1954) ‘Politics and Morals,’ Australasian Journal of Philosophy 32: 213-22.Anderson, John (1958) ‘Realism’ The Australian Highway (Journal of the Workers Educational Association, Australia): Sept. pp 53 -56.Anderson, John (1959)‘The Illusion of the Epoch’ Australasian Journal of Philosophy 37: 156-67.


شارك المقالة: