الفلسفة العقلانية والميتافيزيقيا

اقرأ في هذا المقال



“محاولة معرفة سبب كل شيء أمر خطير للغاية ويؤدي إلى لا شيء سوى خيبة الأمل وعدم الرضا “.

الملكة فيكتوريا

العلاقة المنطقية:

من طرق التفكير التي استخدمها العقلانيون طريقتان تم اتباعهما للعقيدة الميتافيزيقية القائلة بأن كل الأشياء مرتبطة بعلاقات داخلية: أحدهما منطقي والآخر حجة سببية، العلاقة الداخلية هي تلك التي لا يمكن إزالتها دون التأثير على الشروط نفسها التي تربطها العلاقة، فتعمل الحجة على مبدأ أنّ كل شيء مرتبط بكل شيء آخر على الأقل من خلال العلاقة – أ مختلف عن ب -، لكن الاختلاف في حد ذاته علاقة داخلية، لأن المصطلحات لا يمكن أن تظل كما هي إذا تم إزالتها، ومن ثم فإنّ كل شيء مرتبط جدًا بكل شيء آخر، بحيث لا يمكن أن يكون على ما هو إلا إذا كان على ما هو عليه.

العلاقة السببية:

أما الخط الآخر للحجة هو السببية، حيث كل حدث يتم الحفاظ عليه، ويبقى مرتبط ببعضه البعض، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي هذا السياق جادل السير جيمس جينز – 1877-1946 -، وهو عالم فيزياءفلكي ومشهور في العلوم، بأنه إذا كان قانون الجاذبية صحيح، فلا يمكن للناس أن يحرفوا أصابعهم الصغيرة دون التأثير على النجوم الثابتة، هنا العلاقة السببية مباشرة.

يمكن أيضًا إثبات أنّ الأحداث التي تبدو غير مرتبطة بشكل غير مباشر من خلال ارتباطها المشترك ببعض الأحداث التاريخية البعيدة، من خلال سلسلة من الأحداث التي أدت، مثلاً وصول كولومبوس إلى قارة أمريكا الشمالية، ولكن إذا كان هذا مختلفًا فمن المفترض أن تكون جميع العواقب والنتائج الآن مختلفة، وهكذا يثبت وجود علاقة غير مباشرة وداخلية.

يعتقد العديد من العقلانيين مع سبينوزا أن العلاقة السببية هي في الحقيقة علاقة منطقية – وأن القانون السببي إذا تم تحديده بدقة، سيكشف عن علاقة تستلزم فيها طبيعة السبب منطقيًا وتأثيره،  وأكدوا أنه إذا كان هذا صحيحًا، فإن حقائق وأحداث العالم يجب أن تؤلف بالتالي نظامًا واحدًا منطقيًا وواضحًا.

ميكانيكا الكم والفلسفة العقلانية:

في القرن العشرين واجهت هذه العقلانية صعوبة جديدة وغير متوقعة قدمتها ميكانيكا الكم، وفقًا لمبدأ اللاحتمية الذي صاغه الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ – 1901-1976 – في عام 1927، فإنه من المستحيل أن نكتشف بدقة موقع وسرعة الإلكترون المتحرك في نفس الوقت، هذا يعني أنه لا يمكن أبدًا الحصول على قوانين سببية محددة لسلوك هذه الجسيمات، ولكن فقط القوانين الإحصائية التي تحكم سلوك مجموعات هائلة منها.

يبدو أن السببية ومعها إمكانية الفهم العقلاني، قد توقفت في العالم دون الذري، ومع ذلك فإن بعض مفسري الفيزياء الجديدة ولا سيما ماكس بلانك – 1858-1947 -، وألبرت أينشتاين – 1879-1955 -، وبرتراند راسل – 1872-970 -، قد حافظوا على آمال العقلانيين من خلال الإصرار على أن ما استبعده مبدأ اللاحتمية لم يكن المبدأ حقيقة السببية في هذا المجال ولكن فقط المعرفة الدقيقة به.

في الواقع أخذ بعض المفكرين في القرن العشرين التطورات الجديدة في الفيزياء على أنها تدعم العقلانية بشكل عام، فلقد زعموا أن البروتونات والإلكترونات على الرغم من أنها بعيدة عن متناول الحواس، لكن لا يزال من الممكن معرفتها، ويعتبر سلوكهم على الأقل في مجموعات، حيث يتضح بشكل متزايد أنه يتوافق مع القانون الرياضي، ففي عام 1932 قال جينز بصدى غريب لغاليليو: “يبدو أن الكون قد صممه عالم رياضيات بحت”.

المصدر: الإتجاهات العقلانية الحديثة، أ.د. ناصر عبدالكريم العقل، دار الفضيلة-الرياض، الطبعة الأولى 2001.النظرية العامة في العقلانية، ترجمة د. جورج سليمان، الطبعة الأولى 2010.دراسة مفهوم العقلاينة عند ستيفن تولمن، د. محمود محمد علي محمد، 2008.جون كونتغهام: العقلاينة، ترجمة محمود منقذ الهاشمي، مركز الإنماء الحضاري، الطبعة الأولى 1997، سوريا.Metaphysical Rationalism


شارك المقالة: