الفيلسوف أناكساجوراس

اقرأ في هذا المقال


التسلسل الزمني الدقيق للفيلسوف اليوناني أناكساجوراس غير معروف، ولكن معظم الحسابات تضع تواريخه حوالي 500-428 قبل الميلاد، وقد جادل البعض في التواريخ من حوالي 534-467 قبل الميلاد، لكن الفترة الزمنية 500-428 هي الفترة الزمنية الأكثر قبولًا بين العلماء.

الحياة والكتابة لأناكساجوراس:

وُلد أناكساجوراس في إيونيا في بلدة كلازوميناي، وهي مدينة ساحلية نابضة بالحياة على ساحل تركيا الحالية، وعلى هذا النحو يعتبر الخليفة الجغرافي والنظري للفلاسفة الأيونيين الأوائل، ولا سيما أناكسيمينيس، وفي النهاية شق أناكساجوراس طريقه إلى أثينا وغالبًا ما يُنسب إليه الفضل في جعلها موطنًا للتكهنات الفلسفية والجسدية الغربية.

بقي أناكساجوراس في أثينا لمدة ثلاثين عامًا وفقًا لمعظم الروايات حتى وجهت إليه تهمة عدم التقوى وحُكم عليه بالإعدام، وبدلاً من تحمل هذه العقوبة ذهب أناكساجوراس بمساعدة صديقه المقرب وطالبه بريكليس إلى لامبساكوس في آسيا الصغرى حيث عاش حتى وفاته، وكان الدافع وراء محاكمة أناكساجوراس والحكم عليه في أثينا هو مزيج من المخاوف السياسية والدينية، حيث إنّ ارتباطه الوثيق مع بريكليس جعله عرضة لأولئك الذين يرغبون في تشويه سمعة الطالب القوي والمثير للجدل من خلال المعلم.

علاوة على ذلك كانت معتقداته المادية وتعاليمه مخالفة تمامًا للأرثوذكسية القياسية في ذلك الوقت، لا سيما رأيه بأنّ الأجرام السماوية كانت كتلًا نارية من الصخور تدور حول الأرض في الأثير، ويُشهد على هذه القناعات بشكل مشهور في اعتذار أفلاطون عندما كان سقراط الذي اتهمه ميليتوس بالاعتقاد بأنّ الشمس صخرة والقمر أرضًا، حيث يبتعد بنفسه عن هذه المفاهيم الإلحادية.

كما هو الحال مع تواريخ ميلاده ووفاته فإنّ التسلسل الزمني لنفي أناكساجوراس والوقت اللاحق في لامبساكوس هو نوع من الغموض، وتشير بعض الشهادات التاريخية إلى أنّ محاكمته حدثت قبل وقت قصير من الحرب البيلوبونيسية أي حوالي عام 431 قبل الميلاد، وإذا كان هذا هو الحال فلن يستمر وقت أناكساجوراس في المنفى أكثر من بضع سنوات، كما تشير السجلات الأخرى إلى أن محاكمته ونفيه حدثًا قبل ذلك بكثير، وقد مكّنه الوقت الذي قضاه في لامبساكوس من بدء مدرسة مؤثرة حيث قام بالتدريس لما يقرب من عشرين عامًا.

فيما يتعلق بشخصية أناكساجوراس هناك عدد غير قليل من الحكايات المثيرة للاهتمام التي ترسم صورة لعالم وفيلسوف برج عاجي كان منفصلاً للغاية عن الاهتمامات العامة والمسائل العملية للحياة، في حين أنّ القصص ربما تكون خيالية فإنّ الصورة المتسقة لأناكساجوراس التي تم تقديمها عبر العصور القديمة هي صورة شخص استهلكها بالكامل السعي وراء المعرفة، وفي الواقع أكد على ما يبدو أنّ فرصة دراسة الكون كانت السبب الأساسي الذي يجعل من الأفضل أن تولد على أن لا توجد.

يذكر ديوجينيس لايرتيوس في كتابه (حياة الفلاسفة) أنّ أناكساجوراس من بين هؤلاء الفلاسفة الذين كتبوا كتابًا واحدًا فقط، وكان هذا العمل عبارة عن أطروحة في الفلسفة الطبيعية، وكما يشير الاقتباس من كتاب الاعتذار ربما لم يكن عملًا طويلاً للغاية حيث يمكن شراؤه من أجل الدراخما (الدراخما عملة يونانية) على الأكثر، وعلى الرغم من أنّ الكتاب لم ينجو إلّا أنّه كان متاحًا حتى القرن السادس الميلادي على الأقل.

وفي حين أنّه من المستحيل إعادة إنشاء المحتوى الكامل وترتيب عمله بالكامل، فقد زودت المصادر القديمة المختلفة العلماء بمعلومات كافية لتمثيل فلسفة أناكساجوراس بشكل عادل، ومن بين هذه المصادر أرسطو وثيوفراستوس وثيميستيوس من بين هذه المصادر، ومع ذلك نحن مدينون في المقام الأول لسيمبليسيوس (القرن السادس الميلادي) لمعظم معرفتنا ووصولنا إلى أجزاء من أعمال أناكساجوراس.

وهناك بعض الخلافات واسعة النطاق إلى حد ما بين العلماء المعاصرين حول بعض المبادئ الأساسية لفلسفة أناكساجوراس، ففي الربع الأول من القرن الحادي والعشرين كان هناك تنوع أكبر في تفسيرات أناكساجوراس أكثر من أي فيلسوف ما قبل السقراط.

بعض نظريات أناكساجوراس:

فلسفته في علم الفلك والأرصاد الجوية:

تعتبر نظرية أناكساجوراس للأشياء وافتراضه للعقل كمبدأ كوني أهم جوانب فلسفته وفريدة من نوعها، وتجدر الإشارة إلى بعض النظريات الأخرى على الرغم من أنّه ينبغي الإشارة إلى أنّ العديد منها ربما ليس أصليًا وأنّ معرفتنا الأولية بهذه الآراء تنبع من مصادر غير مباشرة.

كعالم طبيعي وفيلسوف في عصره كان أناكساجوراس مهتمًا بشكل خاص بموضوعات علم الفلك والأرصاد الجوية وقد قدم بعض المساهمات المهمة في هذه المجالات، وأنّ نظرته إلى الأجرام السماوية لعبت دورًا في إدانته في أثينا، وقد تم التعبير بوضوح عن معتقداته حول الأرض والقمر والشمس في إحدى الاقتباسات المطولة من هيبوليتوس وهو مصدر من أواخر القرن الثاني الميلادي.

من المزايا الرئيسية لاعتقاد أناكساجوراس أنّ الأجرام السماوية كانت مجرد كتل حجرية، وأنّها مكنته من تقديم تقرير عن النيازك كأجسام تنفصل أحيانًا عن الدوامة الكونية وتهبط إلى الأرض، ويشهد بلوتارخ أنّ أناكساجوراس كان له الفضل في التنبؤ بسقوط نيزك عام 467 قبل الميلاد، ولكن من غير الواضح من الشهادات التاريخية ما إذا كانت نظرية أناكساجوراس سبقت أو كانت مدفوعة بالحدث.

فلسفته في الإدراك والإحساس:

إلى جانب مساهماته في علم الفلك والأرصاد الجوية اقترح أناكساجوراس نظرية للإحساس تعمل على مبدأ الاختلاف، والافتراض الكامن وراء نظرية أناكساجوراس هو أنّ هناك نوعًا من التغيير النوعي الذي يحدث مع أي إحساس أو إدراك، فعندما تلمس اليد الباردة شيئًا ساخنًا لن يشعر العامل إلّا بالحرارة لأنّ يدها باردة وأنّ الجسم الساخن أحدث نوعًا من التغيير.

لذلك لكي يحدث هذا التغيير (الإحساس) فمن الضروري أن تتفاعل الأشياء مع بعضها البعض على عكس الأشياء أي الساخنة مع البرد والنور مع الظلام، فإذا تفاعلت أشياء مثل -ساخنة مع ساخنة على سبيل المثال- فلن يحدث أي تغيير ولا يوجد إحساس، ويعمل الإدراك بنفس طريقة حاسة اللمس لدينا، ويستطيع البشر الرؤية بشكل أفضل أثناء النهار لأنّ عيوننا مظلمة بشكل عام.

علاوة على ذلك يعمل الإدراك بنفس طريقة اللمس لأناكساجوراس حيث يوجد تفاعل مادي مع المدرك والشيء المدرك، ونظرًا لأنّ الإحساس يتطلب مواجهة مع العكس فقد أكد أناكساجوراس أيضًا أنّ كل فعل حسي مصحوب بنوع من التهيج، وكما يلاحظ ثيوفراستوس توصل أناكساجوراس إلى هذا الاستنتاج لأنّ الألوان الزاهية هي أصوات عالية جدًا مزعجة، ومن المستحيل تحملها لفترة طويلة جدًا، وتتعارض نظرية أناكساجوراس للإحساس والإدراك بشكل مباشر مع إمبيدوكليس الذي أكد أنّ الإدراك يمكن تفسيره من خلال فعل بين أشياء متشابهة.

هناك تكهنات أخيرة تستحق الذكر تتعلق بعلم الأحياء، فلقد لوحظ بالفعل أنّ أناكساجوراس يعتقد أنّ للنباتات عقول مع الحيوانات والبشر، ومع ذلك فإنّ ما يضع البشر في فئة أعلى من الذكاء هو حقيقة أننا كنا مجهزين بالأيدي، لأنّه من خلال هذه الأدوات الفريدة يمكننا التعامل مع الأشياء والتعامل معها.

فلسفته في الأحياء:

أخيرًا اقترح أناكساجوراس فرضية حول كيفية تحديد جنس الرضيع، فإذا أتت الحيوانات المنوية من العضو الذكري صحيحة فإنّها تلتصق بالجانب الأيمن من الرحم وسيكون الطفل ذكرًا، وإذا كانت الحيوانات المنوية تأتي من العضو الذكري اليسرى فإنّها تلتصق بالجانب الأيسر من الرحم وسيكون الطفل أنثى.

المصدر: AnaxagorasAnaxagoras (c.500—428 B.C.E.)Curd, P., 2007, Anaxagoras of Clazomenae: Fragments. Text and Translation with Notes and Essays, Toronto: University of Toronto Press.Jöhrens, O., 1939, Die Fragmente des Anaxagoras, Bochum-Langendreer: Heinrich Pöppinghaus.Schaubach, E., 1827, Anaxagorae Clazomenii Fragmenta quae supersunt omnia, Leipzig, 1827.


شارك المقالة: