تعليق الفيلسوف ألكسندر على القراءات الفلسفية

اقرأ في هذا المقال


بشكل عام يذهب الفيلسوف ألكسندر بوليهيستوري إلى افتراض أنّ الفلسفة الأرسطية هي وحدة موحدة، حيث تقدم إجابات متصلة بشكل منهجي لجميع أسئلة الفلسفة التي تم التعرف عليها في عصره، وحيث لا توجد وجهة نظر أرسطية واحدة يمكن التعرف عليها بوضوح بشأن بعض الأسئلة فإنّه يترك الأمر دون حسم، مستشهداً بعدة احتمالات تتفق مع ما يقوله أرسطو.

كيف يرى ألكسندر فلسفة أرسطو؟

يحاول ألكسندر أحيانًا فرض تفسير لا يتفق بوضوح مع النص لكنه يتجنب القول إنّ أرسطو يناقض نفسه، وباستثناءات نادرة أنّه يختلف معه، ولم يقتنع القراء دائمًا باقتراحاته ولكنهم يجدونها غالبًا مفيدة وغنية بالمعلومات حيث يكون أرسطو مضغوطًا وغامضًا بشكل مفرط، كما تظهر ملاحظة في تعليقه على الموضوعات.

فقد كان ألكسندر مدركًا تمامًا أنّ أسلوبه في المناقشة الفلسفية كان مختلفًا تمامًا عن أسلوب وقت أرسطو، وهذا كان مألوفًا بين الفلاسفة الأكبر سناً الذين أقاموا معظم فصولهم بهذه الطريقة وليس على أساس الكتب كما هو الحال الآن، لأنّه في ذلك الوقت لم يكن هناك أي كتب من هذا النوع، ومع ذلك وكما يشير هذا التفسير يبدو أنّه اعتبر قلة الكتب في عصره ميزة على أسلوب الديالكتيك وليس عيبًا.

أسلوب ألكسندر في التعليق على القراءات الفلسفية:

مثل التعليقات الأخرى في التقليد القديم يشتق ألكسندر من دوراته في المحاضرات (القراءات) عن أعمال أرسطو، وفي التعليق ألكسندر يمتنع عادة عن إعطاء استطلاعات شاملة، بحيث يبدأ بشكل عام بمقدمة عن عنوان العمل ونطاقه وطبيعة الموضوع.

ثم يأخذ المقاطع الفردية في تتابع تقريبي من خلال الاستشهاد بسطر أو سطرين وهذا يوفر (lemma) للمناقشة اللاحقة (والـ”lemma” هي ما يؤخذ لتوضيح نظرية فرعية أو وسيطة في حجة أو إثبات)، كما شرح ما يعتبره إشكاليًا في إعادة الصياغة التفسيرية أو توضيحات التعبيرات أو تفنيد آراء الآخرين، والتي غالبًا في ضوء ما يقوله أرسطو عن القضية في مكان آخر.

من الواضح أنّ هذا الإجراء يفترض مسبقًا أنّ الطلاب لديهم نصوصهم الخاصة في متناول اليد وأنّهم على دراية كافية بفلسفة أرسطو ككل، فلا يمر ألكسندر عمومًا بالنص سطراً بسطر ولكنه يختار مناقشة بعض القضايا مع حذف أخرى.

وقد تمت مقاطعة إعادة الصياغة من خلال توضيحات المصطلحات، وفي بعض الأحيان في نقاط حاسمة من خلال ملاحظات حول قراءات متباينة في مخطوطات مختلفة وتبرير تفضيله الخاص فيما يتعلق بكلمات أرسطو الأصلية، وتستند القرارات المتعلقة بمثل هذه المشكلات اللغوية إلى ما هو أفضل في التوافق مع مقاصد أرسطو هنا أو في أي مكان آخر.

كما يشير ألكسندر تم اعتبار هذه الاستكشافات اللغوية جزءًا من عمل المعلق، ومع ذلك فإنّ القراءة الأولى هي الأفضل، وهذا يوضح أنّ النماذج هي أسباب جوهرية للأشياء الأخرى وواحدة للأشكال المختلفة، حيث يذكر أسباسيوس أنّ القراءة الأولى هي القراءة الأقدم، ولكن تم تغييرها لاحقًا بواسطة يودورس (Eudorus) ويوهاروستوس (Euharmostus)، كما أنّ اهتمام ألكسندر بالمشاكل النصية يجعله مصدرًا قيمًا للنقد النصي، كما يتضح ذلك من دراسة كوتويك (2016) حول نص ميتافيزيقيا أرسطو.

تبني ألكسندر موقف أرسطو النقدي لأفلاطون:

على الرغم من اتباع ألكسندر للنصوص الأرسطية بوعي تام إلّا أنّه غالبًا ما يركز على النقاط الخاصة والمقاطع ذات الصلة أثناء تمرير الآخرين بملاحظات موجزة، وهكذا في تعليقاته على الكتاب الأول من ميتافيزيقيا أرسطو خصص أكثر من نصف تفسيره للفصلين اللذين يهاجم فيهما أرسطو نظرية أفلاطون عن الأشكال.

ونظرًا لأنّ أرسطو يركز هناك على محاولة أفلاطون لربط النماذج بالأرقام وهي نظرية لم يتم تناولها بالتفصيل في الحوارات، فقد تبين أنّ بحث ألكسندر هو أكثر المصادر قيمة في السؤال المحير عن عقيدة أفلاطون غير المكتوبة.

وعلى الرغم من أنّ ألكسندر بشكل عام يتبنى موقف أرسطو النقدي تجاه أشكال أفلاطون المنفصلة، إلّا أنّه يشير أحيانًا على الأقل إلى إمكانية الاختلاف، وعندما يزعم أرسطو على سبيل المثال أنّ أفلاطون يعترف بسببين فقط من أسبابه الأربعة وهما السبب الشكلي والمادي، يشير ألكسندر إلى أنشطة خالق الكون المادي (demiurge) في تيماوس (Timaeus) كمثال لسبب فعال يعمل من أجل سبب نهائي.

لكنه يضيف بعد ذلك تبريرًا لشرح سبب اعتراف أرسطو بأي من السببين في تقريره عن أفلاطون: “السبب إمّا أنّ أفلاطون لم يذكر أيًا من هذين فيما قاله عن الأسباب كما أوضح أرسطو في أطروحته عن الخير، أو لأنّه لم يجعلهم أسبابًا للأشياء التي تدخل في التوليد والدمار ولم يصوغ حتى أي نظرية كاملة عنها”.

تعليق ألكسندر على علم المنطق لأرسطو:

لا يوجد مكان هنا لمناقشة كل تعليق من تعليقات ألكسندر على حدة، فبعض الملاحظات حول معالجته لمنطق أرسطو في تعليقه على التحليلات السابقة يمكن أن تخدم غرض المسح العام وذلك كما تظهر تفسيراته، وقد كان ألكسندر على دراية كاملة بتطور المنطق بعد أرسطو تحت قيادة ثيوفراستوس والرواقيين.

بشكل عام يقدم النوع الأرسطي من المنطق باعتباره المنطق الصحيح الواضح ويتعامل مع المقاربة الرواقية على أنّها خاطئة، وعندما يواجه مشاكل في قياس أرسطو فإنّه يعبر أحيانًا عن الحيرة، ويشير إلى الصعوبات أو حتى التناقضات التي يراها في النص، ولكنه يحاول عادة أن يهدئهم أو يقدم حلاً أرسطوًا مزعومًا.

على أي حال يتجنب إن أمكن انتقاد أرسطو علنًا أو مناقضته، كما تظهر تحليلاته فإنّ لم يكن ألكسندر منطقيًا أصليًا حيث لديه أفكار مبتكرة خاصة به كما كان معاصره جالينوس، وإنّه لا يصح دائمًا لأرسطو ويخطئ أحيانًا في تفسيره، هذا بالإضافة إلى ذلك أسلوبه غير جذاب، وإذا كان من الصعب فهم أرسطو بسبب أسلوبه المقصوص والناقص، فغالبًا ما يصعب اتباع ألكسندر بسبب فتراته الطويلة والشاقة.

ففي الماضي جعل هذا تعليقه على (التحليلات المسبقة) غير متاح للجميع باستثناء الخبراء، وتحاول الترجمات الإنجليزية تعويض هذه النواقص عن طريق تقطيع فترات طويلة إلى جمل أقصر، وسيعزز هذا بشكل كبير فائدة إعادة بناء ألكسندر وتقييم تلك الجوانب من منطق أرسطو التي لا تزال موضع جدل في الوقت الحاضر.

كانت فكرة أنّ التناقضات في نصوص أرسطو ترجع إلى تطور فلسفته غريبة عن ألكسندر كما كانت بالنسبة لجميع المفكرين الآخرين في العصور القديمة، وبدلاً من ذلك يتعامل مع فلسفة أرسطو كوحدة واحدة ويحاول تنظيمها من خلال تشكيل مسارات مختلفة من الأفكار معًا وتخفيف التناقضات.

وبذلك ساهم في ظهور ما كان سيصبح أرسطو الكنسي الذي هوجم في أوائل العصور الحديثة باعتباره عقبة شديدة أمام الأفكار الجديدة والتطور العلمي، على الرغم من أنّ ألكسندر يشير إلى أنّه كان على دراية بالتغييرات في نقاط معينة، فقد اعتبر الفئات بمثابة أول عمل لأرسطو وأشار إلى أنّه لم يلاحظ بعد التمييز المنهجي بين الجنس والأنواع، إلّا أنّه لا يعتبر احتمال وجود مراحل مختلفة مع تغييرات جوهرية في عمل أرسطو.

فإذا فوجئ القارئ والباحث بهذه النزعة المحافظة في ضوء حقيقة أنّ عمل ألكسندر نفسه يُظهر آثارًا من التنقيحات والتحسينات، فإنّه يجب أن يتم وضع في الاعتبار أنّه في نظر المعلق كان أرسطو سلطة خارج النظام المشترك تمامًا، ولم تكن عقيدة أرسطو نتاج عقل بشري عادي خاضع للتجربة والخطأ، بل كان إنجازًا جبارًا في فئة خاصة به.

المصدر: Alexander of Aphrodisias on Aristotle’s theory of the Stoic indemonstrables, Susanne Bobzien, Published in: M. Lee (ed.), Strategies of Argument: Essays in Ancient Ethics, Epistemology, and Logic (Oxford: OUP) 2014.Alexander of Aphrodisias and the Text of Aristotle’s Metaphysics, Author Kotwick, Mirjam E. Publication Date 2016-03-11, UC Berkeley California Classical Studies. ALEXANDER OF APHRODISIAS IN THE KINDICIRCLE AND IN AL HINDI'S COSMOLOGY*, SILVIA FAZZO AND HILLARY WIESNER, Arabic Sciences and Philosophy, vol. 3 (1993) pp. 119-153 Copyright © 1993 Cambridge University Press.Alexander of Aphrodisias on Fate, Providence and NatureAlexander of AphrodisiasAlexander Polyhistor (1st cn. B.C.E.)


شارك المقالة: