الفيلسوف القديس توما الأكويني

اقرأ في هذا المقال


عاش توماس الأكويني (Saint Thomas Aquinas) في منعطف حرج للثقافة الغربية، وذلك عندما أعاد وصول مجموعة أرسطو بالترجمة اللاتينية فتح مسألة العلاقة بين الإيمان والعقل، مما دعا إلى التشكيك في طريقة الحياة التي تم الحصول عليها لقرون.

اندلعت هذه الأزمة بمجرد إنشاء الجامعات، حيث انتقل توماس بعد دراساته المبكرة في مونتيكاسينو إلى جامعة نابولي، كما التقى بأعضاء النظام الدومينيكي الجديد، وفي نابولي أيضًا كان توماس يعد بالنسبة له أول اتصال موسع له مع التعلم الجديد.

وعندما انضم إلى النظام الدومينيكاني ذهب شمالًا للدراسة مع ألبرتوس ماغنوس (Albertus Magnus)، وهو مؤلف إعادة صياغة للمجموعة الأرسطية، وأكمل توماس دراسته في جامعة باريس التي تم تشكيلها من المدارس الرهبانية على الضفة اليسرى ومدرسة الكاتدرائية في نوتردام، وفي فترتين بصفته الوصي على العرش دافع توماس عن الأوامر المتسولة، والأهم من ذلك أنّه واجه التفسيرات الرشدية لأرسطو والميل الفرنسيسكاني لرفض الفلسفة اليونانية.

وكانت النتيجة هي تسوية مؤقتة جديدة بين الإيمان والفلسفة استمرت حتى ظهور الفيزياء الجديدة، بحيث أكدت الكنيسة الكاثوليكية على مر القرون بشكل منتظم وثابت الأهمية المركزية لعمل توماس اللاهوتي والفلسفي، ولفهم تعاليمها المتعلقة بالوحي المسيحي، وتمثل تعليقاته النصية القريبة على أرسطو مورداً ثقافياً يحظى الآن باعتراف متزايد.

الحياة قصيرة للفيلسوف الإكويني:

وُلِد توماس عام 1225 في روكاسيكا وهي قلعة تقع على قمة تل لا يظهر منها دير مونتكاسينو العظيم البينديكتيني في منتصف الطريق بين روما ونابولي، وفي سن الخامسة التحق بمونتكاسينو حيث بدأت دراسته، وعندما أصبح الدير موقع معركة ولم تكن هي المرة الأخيرة، حيث نقلت عائلته توماس إلى جامعة نابولي، وهنا كان على اتصال بأرسطو الجديد ومع رهبانية الواعظين أو الدومينيكان، وهي نظام متسول تأسس مؤخرًا.

حيث أصبح دومينيكانيًا بسبب احتجاجات عائلته، وفي النهاية ذهب شمالًا للدراسة، وربما أولاً لفترة وجيزة في باريس ثم في كولونيا مع ألبرت العظيم الذي عزز ميول توماس الخاصة واهتمامه بأرسطو، ثم عاد إلى باريس وأكمل دراسته وحصل على درجة الماجستير وشغل لمدة ثلاث سنوات أحد الكراسي الدومينيكية في كلية اللاهوت.

قضت السنوات العشر التالية في أماكن مختلفة في إيطاليا مع المحكمة البابوية المتنقلة في العديد من المنازل الدومينيكية وفي النهاية في روما، ومن هناك تم استدعاؤه للعودة إلى باريس لمواجهة الجدل الذي أطلق عليه بشكل مختلف الرشدية اللاتينية والأرسطية غير التقليدية.

بعد هذه الفترة الثانية التي قضاها ثلاث سنوات تم تعيينه في نابولي، وفي عام 1274 وفي طريقه إلى مجلس ليون مرض وتوفي في 7 مارس في دير سيسترسيان في فوسانوفا التي ربما تكون على بعد عشرين كيلومترًا من روكاسيكا.

تعليم الفيلسوف الإكويني:

لا يُعرف سوى القليل عن دراسات توماس في مونتكاسينو، ولكن يُعرف الكثير عن الشكل الذي اتخذته المدارس الرهبانية، حيث كانت واحدة من القنوات الرئيسية لتقاليد الفنون الحرة التي تعود إلى كاسيودوروس سيناتور في القرن السادس، كما كانت فنون التريفيوم (القواعد والبلاغة والمنطق) وفنون الرباعية (الحساب والهندسة والموسيقى وعلم الفلك) شظايا محفوظة ضد الخسارة المدمرة للمعرفة الكلاسيكية.

ولقد شكلوا التعليم العلماني الذي أكمل العقيدة المقدسة كما تم تعليمها من الكتاب المقدس، وعندما انتقل توماس إلى نابولي استمر تعليمه في الفنون، وهنا كان قد أعجب به أنّ الفنون الليبرالية لم تعد فئات مناسبة للتعلم العلماني، بحيث أنّ الترجمات الجديدة لأرسطو أوردت نهاية تقاليد الفنون الليبرالية، على الرغم من أنّ الجامعات أحدثت انتقالًا وليس خرقًا.

فمن خلال أخذ جامعة توماس الأم باريس كنقطة مرجعية، قدمت كلية الآداب نقطة دخول للأولاد المراهقين، ومع حصول المرء على درجة الماجستير في الآداب في سن العشرين تقريبًا، يمكن للمرء أن يواصل الدراسة في كلية عليا أو قانون أو طب أو علم لاهوت، حيث كان البرنامج اللاهوتي الذي دخله توماس في باريس برنامجًا شاقًا، كما أنّه تم الحصول على الماجستير عادةً في أوائل الثلاثينيات.

وذلك بدراسة مستفيضة ومكثفة بشكل تدريجي للكتب المقدسة، والعهدين القديم والجديد، وملخص العقيدة المسيحية (المسماة الجمل) التي جمعها أسقف باريس في القرن الثاني عشر بيتر لومبارد ( Peter Lombard).

وتم استكمال هذه الدراسات النصية الوثيقة بنزاعات عامة وأسئلة موضوعة أو ممارسة في المناقشة الفلسفية أو اللاهوتية الأكثر صعوبة، ومع نموذج هيئة التدريس بشكل أو بآخر على النقابات فإنّه قد خدم الطالب فترة التدريب المهني الطويلة، وأثبت كفاءته على مراحل، وفي نهاية المطاف وبعد امتحان عام حصل على درجة الماجستير ثم ألقى محاضرته الافتتاحية.

الكتابات الفلسفية للفيلسوف الإكويني:

ظهرت كتابات توماس إلى حد كبير مصدرها في واجباته التعليمية، كما وضع تعليقه على الجمل الختم على أيام دراسته وقد وصل إلينا العديد من تعليقاته المبكرة جدًا على الكتاب المقدس، ولكن منذ البداية أنتج توما كتابات لم تكن لتظهر من المهام المعتادة للسيد اللاهوتي.

في الوجود والجوهر ومبادئ الطبيعة والتي تعد ملخص مفيد جدًا للطلاب حول المبادئ التي طورها أرسطو في الفيزياء، فإنّه يعود تاريخه إلى أول إقامة له في باريس، وعلى عكس تعليقاته على بوثيوس حول الثالوث والفلسفة السبعة، فمن الواضح تمامًا أنّها أعمال فلسفية، وتعود بعض أسئلته المتنازع عليها إلى الفترة التي قضاها لأول مرة كرئيس ريجوس في باريس.

وعندما عاد إلى إيطاليا زادت إنتاجيته، حيث أنهى الخلاصه كونترا غير الأممي، وكتب العديد من الأسئلة المتنازع عليها وبدأ الخلاصه اللاهوتيه، وفي عام 1268 في روما بدأ عمل التعليق على أرسطو مع على الروح (On the Soul)، وخلال السنوات الخمس أو الست التالية علق على أحد عشر عملاً أرسطيًا آخر والتي لم تكتمل جميعها.

خلال هذا الوقت كان محاصرًا في واجبات قضائية ذات نطاق غير عادي وكان يكتب مثل هذه الأعمال الجدلية، كفكرة خلود العالم ووجود عقل واحد فقط.

في نابولي تم تكليفه بمهمة رفع مكانة دار الدومينيكان للدراسات، واستمرت كتاباته حتى خاض تجربة صوفية جعلته يفكر في كل ما فعله على أنّه (مجرد قشة)، وفي وقت وفاته عام 1274 كان تحت سحابة وسماء باريس، وقد تم إدانة 219 اقتراحًا في عام 1277 من قبل لجنة معينه من أسقف باريس، ومن بينها بعض مبادئ توماس.

وسرعان ما رُفع هذا وتم تطويبه وحصل في النهاية على لقب دكتور الكنيسة، ولكن الاستيعاب الدقيق والمتقن لفلسفة الفيلسوف أرسطو الذي ميّز عمله في الفلسفة واللاهوت ولكن لم يبقى على قيد الحياة بعد موته إلّا في النظام الدومينيكي الذي شهد تقلبات منذ ذلك الحين.

المصدر: Thomas Aquinas (1224/6—1274)Summa Theologica by Saint Thomas AquinasThe Catholic Primer’s, Reference Series: Saint Thomas Aquinas, G.K. Chesterton, 2004. Gilson, Etienne, 2002. Thomism: The Philosophy of Thomas Aquinas. Trans. L.K. Shook and A. Mauer. Toronto: Pontifical Institute of Medieval Studies.Torrell, Jean-Pierre, 1993. Initiation à saint Thomas d'Aquinas. Paris: Editions Cerf. English translation, Saint Thomas Aquinas, Volume 1: The Person and His Work, by Robert Royal, Washington: Catholic University of America Press, 1996.Saint Thomas Aquinas


شارك المقالة: