علماء تاريخ الفلسفة التجريبية الحديثة

اقرأ في هذا المقال



في المراحل المبكرة وغير المنهجية من فلسفة عصر النهضة، تعرضت إدعاءات المنطق الأرسطي بإعطاء معرفة كبيرة، قوبلت بالهجوم من قبل العديد من قبل علماء المنطق في القرن السادس عشر، وتم في نفس القرن تم التأكيد أيضًا على دور المراقبة.

بيير جاسندي:

قدم أحد المفكرين المسيحيين المتشككين إلى حد ما بيير جاسندي – 1592-1655 -، إحياءً متعمدًا للعقائد التجريبية لأبيقور، لكن كان هناك أهم مدافع عن التجريبية كان فرانسيس بيكون الذي على الرغم من أنه لم ينكر وجود معرفة مسبقة، إلّا أنه ادعى في الواقع المعرفة الوحيدة التي تستحق الحصول عليها، ألا وهي المعرفة القائمة على التجربة للعالم الطبيعي، والتي يجب متابعتها من خلال الترتيب المنهجي – في الواقع شبه الميكانيكي – لنتائج الملاحظة، وأفضل طريقة للقيام بها في الأسلوب التعاوني وغير الشخصي للبحث العلمي الحديث، كان بيكون في الواقع أول من صاغ مبادئ الاستقراء العلمي.

توماس هوبز:

قام توماس هوبز – 1588-1679 – المادي والاسمي بدمج التجريبية المتطرفة حول المفاهيم، والتي رأى أنها نتيجة التأثيرات المادية على الحواس الجسدية، مع عقلانية متطرفة حول المعرفة والتي مثل أفلاطون، بأخذ الهندسة ليكون النموذج.

بالنسبة له كل المعرفة الحقيقية بداهة، ومسألة استنتاج صارم من التعريفات، التي توفر الحواس الأفكار، ولكن كل العلم يأتي من – الحساب – أي من حسابات استنتاجية تتم على الأسماء التي خصصها لهم المفكر، ومع ذلك فإنّ كل المعرفة تتعلق أيضًا بالوجود المادي والمعقول، لأنّ كل ما هو موجود هو جسم، ويمكن النظر إليها من ناحية أخرى بحيث يبدو أن العديد من أهم إدعاءات أخلاق هوبز وفلسفته السياسية هي بالتأكيد لاحقة، بقدر ما تعتمد بشكل كبير على تجربته مع البشر والطرق التي يتفاعلون بها.

جون لوك:

قدم جون لوك – 1632-1704 -، وهو فيلسوف عصر التنوير المبكر، العرض الأكثر تفصيلاً وتأثيراً للتجربة، في أول كتابين من كتابه – مقال عن الفهم البشري – في عام 1690م، حيث كل المعرفة حسب اعتقاده تأتي من الإحساس أو من التأمل، والذي كان يقصد به الوعي الاستبطاني لعمل عقل الفرد.

غالبًا ما بدا أنّ لوك لا يفصّل بوضوح بين مسألتين من طبيعة المفاهيم وتبرير المعتقدات، فكتابه الأول بالرغم من أنّه بعنوان – الأفكار الفطرية -، مكرّس إلى حد كبير لدحض المعرفة الفطرية، ومع ذلك فقد اعترف لاحقًا بأنّ الكثير من المعرفة الجوهرية وعلى وجه الخصوص معرفة الرياضيات والأخلاق هي معرفة مسبقة.

وجادل بأنّ الأطفال لا يعرفون شيئًا، حيث أنّه إذا قيل أنّ البشر يعرفون بالفطرة ما يستطيعون أن يعرفوه، فإنّ كل المعرفة تافهة وفطرية، وأنّه لا توجد معتقدات أيّاً كانت مقبولة عالمياً، وكان لوك أكثر اتساقًا بشأن الطابع التجريبي لجميع المفاهيم، ووصف بالتفصيل الطرق التي يمكن بها دمج الأفكار البسيطة لتشكيل أفكار معقّدة لما لم يتم تجربته في الواقع.

وهناك مجموعة واحدة من المفاهيم التجريبية المشكوك فيها، تلك الخاصة بالوحدة والوجود والعدد، والتي اعتبرها مشتقة من كل من الإحساس والتفكير، لكنّه سمح لأحد بمفهوم مسبق ألا وهو – مفهوم الجوهر – الذي يضيفه العقل، وعلى ما يبدو من موارده الخاصة، إلى أنّ مفهومه عن أي مجموعة مرتبطة بانتظام من الصفات المحسوسة.

جورج بيركلي:

قام المطران جورج بيركلي – 1685-1753 – وهو مثالي إيماني ومعارض للمادية، بتطبيق تجريبية لوك حول المفاهيم لدحض تفسير لوك للمعرفة الإنسانية للعالم الخارجي، نظرًا لأنّ بيركلي كان مقتنعًا بأنّه بمعنى التجربة لا يدرك الفرد أبدًا أيّ شيء سوى ما أسماه – أفكارًا – حيث أنّها صفات تعتمد على العقل.

ولذلك فقد استخلص وتقبل الاستنتاج الحتمي بأنّ الأشياء المادية هي مجرد مجموعات من الأفكار المتصورة، وهو الموقف الذي يؤدي في النهاية إلى الظاهراتية، أي إلى الرأي القائل بأن الافتراضات حول الواقع المادي قابلة للاختزال إلى افتراضات حول الأحاسيس الفعلية والمحتملة.

لقد وضع في اعتباره استمرارية العالم ونظامه بإفتراض أنّ واقعه مدعوم في تصورات إله غير نائم، ويبدو أن نظرية الجوهر الروحي المتضمنة في موقف بيركلي ضعيفة، مع أنّ معظم الاعتراضات نفسها عن تلك التي كان يشكلّها ضد لوك، وعلى الرغم من أنّ بيركلي اعترف بأنّه ليس لديه فكرة عن عقله سواء كانت فكرته أو فكر الله، إلا أنّه ادّعى أنّه كان قادرًا على تشكيل ما أسماه – فكرة – عن ذلك، فليس من الواضح كيفية التوفيق بين وجود مثل هذه المفاهيم وبين التجريبية الشاملة حول المفاهيم.

ديفيد هيوم:

قام الفيلسوف الأسكتلندي المتشكك ديفيد هيوم – 1711-1776 – بتفصيل تجريبية لوك بالكامل واستخدمها بشكل اختزالي ليقول إنّه لا يمكن أن يكون هناك أكثر من مفاهيم الجسد والعقل والعلاقة السببية، مما يحدث في التجارب التي نشأت منها.

مثل بيركلي كان هيوم مقتنعًا بأنّ التصورات لا تتضمن أي مكونات يمكن أن توجد بشكل مستقل عن التصورات نفسها، ولكن على عكس بيركلي لم يستطع أن يجد فكرة عن العقل أو الذات، ونتيجة لذلك احتوت تجريبيته الراديكالية على رؤية أكثر بخلًا لما هو موجود.

بينما اعتقد بيركلي أنّ العقول وأفكارهم فقط موجودة، بينما اعتقد هيوم أنّ التصورات فقط موجودة وأنه من المستحيل تكوين فكرة عن أي شيء ليس تصورًا أو مجموعة من التصورات، وبذلك بالنسبة إلى هيوم فإنّ كل الحقيقة الضرورية هي شكلية أو مفاهيمية، تحددها العلاقات المختلفة التي تربط بين الأفكار.

استورد فولتير:

استورد فولتير – 1694-1778 – فلسفة لوك إلى فرنسا، وأصبحت تجريبيتها في شكل صارخ للغاية، وأساس الإثارة حيث يتم تحليل جميع مكونات الحياة العقلية البشرية من حيث الأحاسيس وحدها، وتم إجراء محاولة أصلية وواضحة حقًا لحل الخلاف بين التجريبيين وخصومهم في المثالية المتعالية لكانط، الذي اعتمد على كل من هيوم وجوتفريد فيلهلم ليبنيز – 1646-1716 -.

من خلال القول المأثور القائل إنه على الرغم من أن كل المعرفة تبدأ بالتجربة، إلّا أنّها لا تنشأ كلها من التجربة، فقد أسس تمييزًا واضحًا بين الفطري والبدهي، ورأى أنّ هناك مفاهيم أو فئات مسبقة – الجوهر والسبب هما الأهم – وأيضًا الحقائق الجوهرية أو الاصطناعية، على الرغم من أنّها ليست مستمدة من التجربة، فإنّ هذا الأخير ينطبق على التجربة، ولا تتعلق المفاهيم والافتراضات المسبقة بواقع يتجاوز التجربة، بل إنّها تعكس بدلاً من ذلك طريقة العقل في تنظيم الكتلة الغير المتبلورة من الانطباعات الحسية التي تتدفق عليها.

جون ستيوارت ميل:

سادت التجريبية اللوكينية في إنجلترا في القرن التاسع عشر حتى ظهور الهيغليانية في الربع الأخير من القرن، فمن المؤكد أن الفلاسفة الاسكتلنديين الذين تبعوا هيوم ولكنهم تجنبوا استنتاجاته المتشككة أصّروا على أنّ البشر لديهم معرفة مسبقة كبيرة.

لكن فلسفة جون ستيوارت ميل – 1806-1873 – هي فلسفة تجريبية تمامًا، حيث يرى ميل أنّ كل المعرفة التي تستحق امتلاكها، بما في ذلك الرياضيات هي معلومات تجريبية، وإنّ الضرورة الواضحة للرياضيات وقابليتها وفقًا لميل، هي نتيجة الضخامة الفريدة لتأكيدها التجريبي.

كل المعرفة الحقيقية لميل هي استقرائية وتجريبية، والاستنتاج عقيم، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان ميل متمسكًا بهذا الموقف باستمرار، ففي كل من نظريته المعرفية وأخلاقه، بدا أحيانًا أنّه يدرك الحاجة إلى مبادئ أولية يمكن معرفتها بدون دليل.

هربرت سبنسر:

فيلسوف التطور هربرت سبنسر – 1820- – 1903 -، شرح شرحًا آخر للضرورة الواضحة لبعض المعتقدات من حيث إنّها المعتقدات التجريبية الموثقة جيدًا أو المنتقاة بشكل طبيعي، والتي ورثها البشر الأحياء من أسلافهم التطوريين.

كليفورد وبيرسون:

دافع عالمان رياضيان مهمان ورائدان في فلسفة الفيزياء الحديثة، وهما ويليام كينغدون كليفورد – 1845-1879 – وكارل بيرسون – 1857-1936 -، عن فلسفات العلم التجريبية الراديكالية، متوقعين التجربة المنطقية للقرن العشرين.

المصدر: جون لوك إمام الفلسفة التجريبية، د. راوية عبدالمنعم عباس، دار النهضة العربية، 1996 بيروت.محمد علي أبو ريان، الفلسفة الحديثة، الطبعة الأولى 1996، دار الكتب الجامعية.فرانسيس بيكون فيلسوف المنهج التجريبي الحديث، الشيخ كامل محمد محمد عويضة، دار الكتب العلمية - لبنان، الطبعة الأولى 1993.التجريبية والذاتية بحث في الطبيعة البشرية وفقاً لهيوم، ترجمة أسامة الحاج، الطبعة الأولى 1999. EmpiricismExperimental Philosophy and History of Philosophy1


شارك المقالة: