تحديات الفلسفة العقلانية المعرفية

اقرأ في هذا المقال


تركزت المشاكل الفلسفة العقلانية المعرفية للإدراك تقليديًا على تهديد الشك على وجه الخصوص، فعلى – حجاب الإدراك – المتورط في ميتافيزيقياالإدراك المعروفة، والتي تهدد بالقيادة بلا هوادة إلى الشك، على الرغم من أنّ بعض النظريات الميتافيزيقية للإدراك لها صلات طبيعية لبعض الآراء المعرفية، فإن نظرية المعرفة والميتافيزيقيا تميل إلى أن تكون مستقلة منطقيًا، حتى بعد أن تصبح الميتافيزيقيا لدينا في مكانها الصحيح، سنحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن نظرية المعرفة، فهناك مجموعة واسعة من النظريات المعرفية الواقعية المباشرة للإدراك وعدد من نظريات المعرفة الواقعية غير المباشرة أيضًا، كل منها يتميز بنقاط قوة معينة ويواجه مشاكل لم يتم حلها بعد.

تحدي جون ستيوارت ميل للعقلانية:

للوهلة الأولى يبدو ادعاء التجريبية بأنّ المعرفة يجب أن تأتي من التجربة الحسية واضحًا من حيث كيف يمكن للمرء أن يأمل في الاتصال بالعالم من حوله؟ ونتيجة لذلك تعرضت العقلانية لتحدي حاد في القرن التاسع عشر من قبل التجريبية لجون ستيوارت ميل – 1806-1873.

وفي القرن العشرين جادل ميل في أن جميع الحقائق المسبقة وهمية فلماذا يعتقد الناس على سبيل المثال أن الخطين المستقيمين لا يمكن أن يحيطان بمسافة؟ هل لأنهم يرون أنه ضروري منطقيًا؟،  لا بل لأنهم عانوا من تجربة طويلة وغير متقطعة صفًا من الأمثلة على ذلك، ادعى ميل أن الافتراض المسبق هو مجرد بيانات تجريبية ذات عمومية عالية جدًا.

تم الآن التخلي عن هذه النظرية من قبل معظم التجريبيين أنفسهم، مما يدل ضمنيًا على أنّ مثل هذه العبارات مثل – 2 + 2 = 4 – ربما تكون صحيحة فقط وقد يكون لها استثناءات ثبتت أنها غير مقنعة تمامًا، فكان رد العقلاني هو أنه لا يمكن للفرد، بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة، أن يتصور 2 + 2 على أنه 5، لأن معادلته ونتيجتها 4 ضرورية، لكن المعرفة المسبقة هي أيضًا عالمية، لا يمكن حساب أي من هاتين الخاصيتين من خلال التجربة الحسية، حيث يمكن إدراك أن الغراب أسود اللون، ولكن ليس أنه يجب أن يكون أسودًا أو أن الغربان ستكون دائمًا سوداء.

لا يمكن لأي سلسلة من التصورات مهما طال أمدها أن تؤكد لنا مثل هذه الحقائق، ومن ناحية أخرى يمكن رؤية الحقائق المسبقة على وجه اليقين فعلى سبيل المثال إذا كان الشكل المثلث المستوي داخل فضاء أو مساحة إقليدية، فإنّ زواياه يجب أن تساوي دائمًا زاويتين قائمتين.

تحديات العقلانية في القرن العشرين:

ثم جاء أحد أكثر التحديات الهائلة للعقلانية في القرن العشرين على يد الحركة التجريبية المنطقية مثل إمبيريكي أكسفورد أ. آير – 1910-1989 – ورودولف كارناب – 1891–1970 -، اللذان كانا شخصية محورية في دائرة فيينا حيث نشأت هناك هذه الحركة لأول مرة، وعلى عكس ميل فقد قبلوا المعرفة المسبقة على أنها مؤكدة، لكنهم وضعوا تحديًا جديدًا وهو إنكار أهميته الفلسفية.

إنكار المعرفة:

قاما أ. آير  ورودولف كارناب بإنكار أهمية المعرفة فقالوا إن الافتراضات المسبقة هي:

  1. لغوية.
  2. تقليدية.
  3. تحليلية: وتكمن التحليلة بأنها:
  • بيانات في المقام الأول عن الكيفية التي يقترح بها المرء استخدام الكلمات، فإذا قال أحدهم: أن الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين، فإن هذا يشير فقط إلى تعريف الفرد لمصطلح مستقيم، ويعلن غرض الفرد لاستخدامه من الأقصر فقط.
  • لكونه تعريفًا فإن هذا البيان يعبر عن اتفاقية توجد بدائل لها، فمن الممكن تعريفه من حيث مسارات أشعة الضوء إذا اختار الفرد.
  • البيان تحليلي من حيث أنه يكرر فقط في مسنده جزءًا أو كل مصطلح الموضوع وبالتالي لا يخبر شيئًا جديدًا، وإنه ليس بيانًا عن الطبيعة بل عن المعاني فقط، وبما أن الأنظمة العقلانية تعتمد في كل مكان على تصريحات من هذا النوع فإن أهميتها وهمية.

رد ودفاع العقلانيين عن فلسفتهم:

وبناءً على هذا التحدي الواضح، أجاب بعض العقلانيين البارزين على النحو التالي:

  1. لقد خلط أصحاب التجريبية المنطقية بين التعريف الحقيقي واللفظي، فالتعريف اللفظي يحدد بالفعل ما تعنيه الكلمة، بينما التعريف الحقيقي ينص على ماهية الشيء، وعليه فإن فكرة الخط المستقيم هي فكرة الشيء وليس الكلمات.
  2. لقد خلط أصحاب التجريبية المنطقية التقاليد في الفكر مع الاصطلاحات في اللغة، فالفرد حر في تغيير اللغة التي يتم التعبير عن الاقتراح بها ولكن ليس القضية نفسها، نبدأ بمفهوم الخط المستقيم، ولا بديل عن قبوله على أنه الأقصر.
  3. من المسلّم به أن بعض العبارات المسبقة تحليلية، لكن الكثير منها ليس كذلك، فعند القول بأن: “كل ما هو ملون يتم تمديده”، فإن اللون والتمديد هما مفهومان مختلفان يستلزم الأول منهما الثاني ولكنه لا يتطابق معه كليًا أو جزئيًا، لذلك يرى العقلانيون المعاصرون أن البداهة قد خرجت منتصرة من جهود التجريبيين لتشويه سمعة هذه المعرفة ومحاولات أصحاب التجريبية المنطقية للتقليل من شأنها.

المصدر: جون كونتغهام: العقلاينة، ترجمة محمود منقذ الهاشمي، مركز الإنماء الحضاري، الطبعة الأولى 1997، سوريا. دراسة مفهوم العقلاينة عند ستيفن تولمن، د. محمود محمد علي محمد، 2008.النظرية العامة في العقلانية، ترجمة د. جورج سليمان، الطبعة الأولى 2010.الإتجاهات العقلانية الحديثة، أ.د. ناصر عبدالكريم العقل، دار الفضيلة-الرياض، الطبعة الأولى 2001.Metaphysical Rationalism


شارك المقالة: