تغير اللغة ونظرية التواصل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


نبذة عن تغير اللغة ونظرية التواصل الاجتماعي:

في مجال علم اللغة الاجتماعي تصف شبكة العلاقات الاجتماعية بنية المجتمع وبينة كلامه المعين. كما تتكون شبكات العلاقات الاجتماعية من شبكة من الروابط التي تجمع بين الأفراد، ويختلف هيكل الشبكة اعتمادًا على أنواع الاتصالات التي تتكون منها. حيث تفترض نظرية التواصل الاجتماعي (كما يستخدمها علماء اللغة الاجتماعية) أن الشبكات الاجتماعية والتفاعلات بين الأعضاء داخل الشبكات هي القوة الدافعة وراء تغيير اللغة.

المشاركين في التغيرات:

حيث يعد المشاركين الرئيسيين في الشبكة الاجتماعية هم الأفراد المكونين للمجتمع. ومن هذا المنطلق، تشع روابط متفاوتة القوة إلى الخارج أي لأشخاص آخرين ترتبط بهم علاقات الأفراد ارتباطًا مباشرًا. كما يمكن أيضًا الإشارة إلى المشاركين في الشبكة بغض النظر عن مناصبهم كممثلين أو أعضاء للمجتمع، وهذا يعني أن بغض النظر عن المناصب الخاصة بالأفراد فمن الممكن للغتهم أو سلوكياتهم أن تشارك في التغيرات اللغوية.

العلاقات الاجتماعية:

 هناك طرق متعددة لوصف بنية الشبكة الاجتماعية، من بينها الكثافة ومركزية تقارب الأعضاء والتعددية والأوامر. كما يتم استخدام هذه المقاييس المختلفة للاتصال داخل الشبكة الاجتماعية، وعند استخدامها فإنها توفر صورة كاملة لهيكل شبكة معينة. ويتم تعريف الشبكة الاجتماعية على أنها مجتمعات ذو علاقات مرنة أو مجتمعات ذو علاقات صلبة (أي صعبة التغير)، وذلك يكون اعتمادًا على مدى اتصال أعضائها ببعضهم البعض، كما يتم قياسها أيضًا بواسطة عوامل مثل الكثافة والتعددية.

 يعد مقياس الصلابة الاجتماعية ضروريًا لدراسة تغير اللغة بدوافع اجتماعية؛ وذلك لأن ضيق الشبكة الاجتماعية يرتبط بنقص الابتكار في عادات الكلام لدى السكان. وعلى العكس من ذلك، من المرجح أن تبتكر الشبكة المرنة لغويًا العديد من الابتكارات التي تساهم في تغير اللغة.

 الكثافة والعلاقات الاجتماعية:

يتم معرفة كثافة شبكة اجتماعية معينة من خلال قسمة عدد جميع الروابط الموجودة بين الجهات الفاعلة على عدد الروابط المحتملة داخل نفس مجموعة الجهات الفاعلة. فكلما زاد الرقم الناتج، زادت كثافة الشبكة الاجتماعية.

كما أنه من المرجح أن توجد الشبكات الكثيفة في مجتمعات صغيرة ومستقرة مع القليل من الاتصالات الخارجية ودرجة عالية من التماسك الاجتماعي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الشبكات الاجتماعية المرنة تكون أكثر عرضة للتطور في المجتمعات الأكبر غير المستقرة التي لديها العديد من الاتصالات الخارجية وتظهر نقصًا نسبيًا في التماسك الاجتماعي بين أعضاء المجتمع.

مركزية تقارب أعضاء المجتمع:

تعد مركزية تقارب الأعضاء هي قياس مدى قرب التفاعل الفردي مقارنة بجميع الفاعلين الآخرين في المجتمع. فالفرد الفاعل ذو مركزية التقارب العالية هو عضو مركزي، وبالتالي يكون لديه تفاعل متكرر مع أعضاء آخرين في الشبكة.

كما يميل العضو المركزي في الشبكة إلى أن يكون تحت الضغط للحفاظ على معايير تلك الشبكة، في حين أن العضو الهامشي للشبكة (أي عضو ذو درجة مركزية منخفضة وليس فاعل في مجتمعه) لا يواجه مثل هذا الضغط. ولذلك فإن الأعضاء المركزيين في شبكة معينة ليسوا عادةً أول الأعضاء الذين يتبنون ابتكارًا لغويًا لأنهم متحمسون اجتماعيًا للتحدث وفقًا للمعايير الموجودة مسبقًا داخل الشبكة.

التعددية والعلاقات الاجتماعية:

تعرف التعددية بأنها عدد الروابط الاجتماعية المنفصلة بين أي مركزين فاعلين. وقد تم تعريفه على أنه التفاعل والتبادل اللغوي داخل العلاقات وعبرها، فالعلاقة الفردية بين الأفراد مثل مكان العمل المشترك، هي علاقة أحادية الاتجاه. كما تكون الرابطة بين الأفراد متعددة عندما يتفاعل هؤلاء الأفراد في سياقات اجتماعية متعددة.

التراتيب والعلاقات الاجتماعية:

تعرف التراتيب بأنها طريقة لتحديد مكان المتحدث داخل شبكة اجتماعية. كما يتم تصنيف أعضاء المجتمع إلى ثلاث مناطق مختلفة اعتمادًا على قوة ارتباطهم بطبقة أو بمجموعة اجتماعية معينة. فكلما اقترب اتصال الفرد بالعضو المركزي، زادت قوة الفرد داخل شبكته.

حيث تبحث نظريات الشبكات الاجتماعية لتغيير اللغة عن الارتباط بين ترتيب المتحدثين واستخدامهم للمتغيرات اللغوية المرموقة أو غير المرموقة. فتكون هذه التراتيب مكونة من ثلاثة مناطق لغوية، وهي:

منطقة الترتيب الأولى:

تتكون منطقة الترتيب الأولى من جميع الأفراد المرتبطين مباشرة بأي فرد معين. كما يمكن أيضًا الإشارة إلى منطقة الترتيب الأول باسم البيئة الشخصية أو الحي. حيث يعد العضو الأول في الشبكة هو فرد لديه عدد كبير من الاتصالات المباشرة بمركز الشبكة الاجتماعية، لذا سيكون له دور فاعل في إحداث التغيرات على اللغة.

منطقة الترتيب الثانية:

منطقة الترتيب الثانية هي مجموعة من أي أفراد مرتبطين بفرد واحد على الأقل داخل منطقة الترتيب الأولى. ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة في منطقة الترتيب الثانية ليست متصلة مباشرة بالعضو المركزي في الشبكة. حيث لدى عضو الدرجة الثانية اتصال غير مباشر بالشبكة الاجتماعية، ويمكن أن يكون متصلاً فقط بعضو معين في الشبكة.

منطقة الترتيب الثالثة:

تتكون منطقة الترتيب الثالثة من أفراد تمت ملاحظتهم حديثًا وغير مرتبطين مباشرة بمنطقة الترتيب الأول. كما قد يكون أعضاء المنطقة الثالثة مرتبطين بالجهات الفاعلة في منطقة الدرجة الثانية، ولكن ليس المنطقة الأولى. حيث يعدون هؤلاء  الأعضاء هامشيون ولا دور لهم تقريبًا في الشبكة الاجتماعية، وغالبًا ما يكونون الأعضاء الذين يتمتعون بأدنى مركزية تقارب للأعضاء، حيث قد لا يكون لديهم اتصال متكرر مع أعضاء آخرين في الشبكة الاجتماعية.

تغيير اللغة:

العمل الميداني في البحث اللغوي الاجتماعي:

تُستخدم الشبكات الاجتماعية في علم اللغة الاجتماعي لشرح الاختلاف اللغوي من حيث معايير المجتمع، بدلاً من الفئات الأخرى مثل الجنس أو العرق أو الدين وغيرها. فبدلاً من التركيز على الخصائص الاجتماعية للمتحدثين، يركز تحليل الشبكة الاجتماعية على العلاقات بين المتحدثين، ثم يأخذ في الاعتبار التغيير اللغوي في ضوء تلك العلاقات.

وفي محاولة للابتعاد عن علم اللغة الاجتماعي المتنوع، تم استخدام مفهوم الشبكة الاجتماعية لفحص الروابط بين قوة روابط الشبكة واستخدام متغير لغوي. حيث يسمح هذا للباحثين بتكوين صورة دقيقة لاستخدام المجتمع للغة دون اللجوء إلى التصنيف النمطي. كما يعد مفهوم الشبكات الاجتماعية قابل للتطبيق على المستويين الكلي والجزئي.

يمكن أيضًا تطبيق نظريات الشبكات الاجتماعية على المجموعات الاجتماعية الحميمة مثل الصداقة أو وحدة الأسرة أو الحي. ونظرًا لأن أصغر الشبكات تحتوي على عدد هائل من الروابط المحتملة بين الجهات الفاعلة، فعادة ما يدرس علماء اللغة الاجتماعية الشبكات الصغيرة فقط بحيث يمكن إدارة العمل الميداني. وفي الواقع، حتى عند دراسة الشبكات الصغيرة يعتمد علماء اللغة الاجتماعية على المقاييس الموضحة أعلاه  بدلاً من رسم خرائط للشبكة، أي اتصال كل واحد في هذه الشبكة مع الآخرين.

نظرية الشبكة الاجتماعية:

نظرًا لأن الشبكات الاجتماعية تبحث في القوى التي تؤثر على السلوك الفردي، بدلاً من مجرد معرفة الاختلاف اللغوي في الطبقة الاجتماعية، فإن نظرية تغيير اللغة القائمة على الشبكات الاجتماعية قادرة على تفسير السلوك اللغوي بشكل أعمق من علم اللغة الاجتماعي التباين.

حيث تعد النتيجتان الرئيسيتان لنظرية الشبكة الاجتماعية هما أن الشبكات الكثيفة (شديدة الترابط) تقاوم التغيير، وأن معظم التغيير اللغوي يبدأ من خلال روابط ضعيفة، أي أشخاص غير مرتبطين مركزيًا بالشبكة المعنية. وعلى الرغم من أن معظم علم اللغة الاجتماعي الذي يعمل على الشبكات الاجتماعية يتفق على هذه النتائج، فقد كان هناك نقاش ممتد حول الجهات الفاعلة في الشبكة التي تعتبر المحرك الأساسي للتغيير اللغوي. كما نتج عن هذا النقاش نظريتان، نظرية الرابطة القوية ونظرية الرابطة الضعيفة.

نظرية الترابط القوية:

لطالما تم التفكير في نظرية الترابط القوي في النظرية اللغوية الاجتماعية الكلاسيكية على أنها محرك للتغيير، وحتى قبل نظرية الشبكة الاجتماعية. حيث في سياق نظرية الشبكة الاجتماعية، فإن الأعضاء هم الأشخاص الأكثر ارتباطًا بالآخرين في الشبكة، والذين غالبًا ما يتم تقليد أسلوب حديثهم من قبل الأشخاص داخل الشبكة.

وينظم هؤلاء الأفراد استخدام اللغة داخل الشبكة، وبالتالي يضمنون هيمنة شكل المتغير المفضل لديهم عبر الشبكة؛ وهذا لأن أعضاء المجموعة هم أكثر عرضة لتبني متغيرات أكثر تأثير في المجتمع. كما يُعتقد أن شبكات الربط القوية تقاوم الابتكار اللغوي؛ وذلك لأن أشكال الهيبة اللغوية تميل أيضًا إلى أن تكون أشكالًا محافظة.

حيث يمكن للأفراد المركزيين أيضًا الدخول في حوارات مع القادة في الشبكات الأخرى. ووفقًا لنظرية الترابط القوي، هذه هي الطريقة التي تنتشر بها المتغيرات الجديدة. حيث تقدم دراسة اللغوي ويليام لابوف لمجتمعات الكلام في فيلادلفيا مثالاً على نظرية الترابط القوي.

 نظرية الترابط الضعيفة:

بدأ علماء اللغة الاجتماعية مؤخرًا في تركيز دراساتهم على الروابط الضعيفة، أي على الأفراد الذين لا يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بمجموعة اجتماعية، مثل الأشخاص الذين يتنقلون بشكل متكرر أو يعيشون في مناطق معزولة. حيث تعد نظرية الرابطة الضعيفة التي اقترحها اللغوية ميلروي لأول مرة في عام 1983، والتي تفترض أن تغيير اللغة يتم نشره من قبل الأشخاص الذين هم أعضاء من الدرجة الثانية في الشبكات الاجتماعية.

كما أنه المرجح أن يتعامل الأفراد ضعيفو الاتصال مع المتغيرات اللغوية الجديدة؛ وذلك لأنهم يقضون معظم وقتهم في التفاعل مع أشخاص خارج الشبكة المركزية. حيث يتعرض الأفراد ذوو الروابط المرنة أيضًا لضغط اجتماعي أقل للتوافق مع ممارسات اللغة الجماعية مقارنة بالأعضاء الأساسيين في المجتمع.

حيث تفترض نظرية الشبكة الاجتماعية ضعيفة الارتباط أن المتغيرات اللغوية تنتشر عن طريق روابط اجتماعية ضعيفة أحادية البعد بين الأفراد غير المركزيين. لذلك فإن تغيير اللغة سيكون له ميل ليكون أسرع في المجتمعات الأكبر وليس في المجتمعات الصغيرة. وتم العثور على دعم لهذه النظرية في دراسة اللغوي ويليام لابوف في هارلم، وفي دراسة اللغوية ليسلي ميلروي في بلفاست عام 1987.

المصدر: Bergs, A. (2005). Social Networks and Historical Sociolinguistics: Studies in Morphosyntactic Variation in the Paston Letters. Berlin: Walter de Gruyter.Trudgill, Peter (2010). Investigations in Sociohistorical Linguistics. Cambridge: University Press.Milroy, L. (1980). Language and Social Networks. Oxford: Blackwell.Marshall, Jonathan (2004). Language Change and Sociolinguistics: Rethinking Social Networks (Palgrave Studies in Language Variation). Basingstoke: Palgrave Macmillan.


شارك المقالة: