زببت وأنت حصرم

اقرأ في هذا المقال


على الرغم من تباين الناس على مرّ العصور والأزمنة، ورغم ما حققه الإنسان من تطور في اللغة والآداب من عصر إلى عصر، ومن حديث لأحدث، غير أن الأمثال الشعبية والفصيحة بقيت متصلة بالإنسان ومستمرة إلى يومنا هذا، تفرض وجودها في شتى المواقف والأحداث الحياتية، فنجد الأمثال على إيجازها وخفتها رفيقة الإنسان في المواقف والوقائع المختلفة، تصوّرها وتصفها وصفًا دقيقًا، وهي الأمثال ذاتها التي استخدمها الآباء والأجداد، دون تطور أو تقدم، إنما تُعدّ عند الكثيرين مرآة للحكمة وملاذًا يلجأ إليه المرء عند الحاجة، فإما أن يكون استخدامها للاتعاظ بها، أو لتوجية النصح للآخرين.

فيم يضرب مثل “زببت وأنت حصرم”؟

يُضرب مثل ” زببت وأنت حصرم” للمرء الذي يتعاطى ويدّعي رتبة ومنزلة قبل أن يصل إليها، مثل الذي يقعد للتدريس ولمّا يستكمل آلته، وكالذي يقعد للفتوى بين الناس، ولمّا يأخذ عدّته، ومعنى زببت؛ أي: جعلت من نفسك زبيبًا، والحصرم: أوّل العنب، فإذا كان أخضر حامضًا سُمّي حصرمًا، ولا يُسمّى اليابس إلا زبيبًا, وقد روى البعض هذا المثل برواية أخرى، وهي: “فلان يتزبّب وهو حصرم”، وكما أنه رُوي برواية ثالثة، وهي: “زبيب وأنت حصرم”.

أصل وقصة مثل: “زببت وأنت حصرم”

أما عن أصل مثل ” زبّبت وأنت حصرم”، أن أبا الفتح عثمان بن جني الموصلي، النحويّ المعروف، قد قعد كي يعلّم الناس النحو في الموصل، وكان ما يزال شابًّا، ومرّت الأيام، فمرّ به أبو علي الفارسي، وهو يدرّس الناس في حلقته، فسأله أبو علي عن مسألة في التصريف، فعجز عنها، فقال له أبو علي: “زبّبت وأنت حصرم”.

حينها انتبه ابن جني إلى مقصد الشيخ، فترك التدريس، ثم إنه لازم أبا علي الفارسي أربعين سنة حتى مهر في العربية، وحذق فيها عنه، وأتقن الصّرف، فما من أحد أعلم به منه، ولما مات أبو علي الفارسي، تصدّر بعده تلميذه أبو الفتح ابن جني في مجلسه ببغداد، وقعد لتعليم الناس، ورحم الله الشافعي حين قال:

“أَخِي لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إِلاَّ بِسِتَّةٍ     سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ

ذكِاءٍ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ وَبُلْغَةٍ *** وَصُحْبَةِ أُسْتَاذٍ وَطُولِ زَمَانِ”.

مثل “زبّبت وأنت حصرم” في الشعر:

لقد ورد ذكر لهذا المثل لدى الشّعراء في قصائدهم، وكمثال على ذلك قول ابن النقيب:

“إِذَا صَرْصَرَ البَازِي فَلاَ دِيكَ يَصْرُخُ     وَلاَ فَاخِتٌ فِي أَيْكَةٍ يَتَرَنَّمُ

وَمَا الْمَوْتُ إِلاَّ طَيِّبٌ طَعْمُهُ إِذَا      تَدَايَكَ فَرُّوجٌ وَزَبَّبَ حِصْرِمُ”.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010


شارك المقالة: