قل للمليحة في الخمار الأسود

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة:

ربيعة بن عامر الدَّارِمي أو مِسكين الدَّارمي، وهو ربيعة بن عامر بن أُنَيف بن شُرَيح بن عمرو بن عبدالله بن دَارِم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مَناة بن تميمٍ، المُلقَّب بمسكينٍ، وهو شاعرٌ عربيٌّ من العصر الأمويّ. عاش في صدر الدّولة الأمويّة، وَقرَّبهُ يَزيد بن مُعاوية، وأدنَاهُ منهُ، وكان صَوتُهُ إلى أبيه، وذكرهُ الفَرزدق، وبيَّنَ مكانته، فكان يقول، أي( الفرَزدَق):” نَجَوْتُ من ثلاث أرجو ألَّا يُصيبني بعدهنَّ شَرٌّ: نجوتُ من زياد حين طلَبَنِي وما فَاتَهُ مطلوب قطُّ، ونجوت من ضربةِ رِئَاب بن رُميلَة أبي البَذال، فلم يقع في رأسي، ونجوت من مُهَاجَاة مسكينٍ الدَّارمي، ولو هاجيتُه لحال بيني وبين بيت بني عمّي، وقطع لساني عن الشُّعراء.

كان مسكين شاعراً مجيداً؛ وسيّداً شريفَ الأصلِ والنَّسب؛ وكان مشهوراً بظَرافَتهِ وغَزلهِ، وإلى جانب ذلك كان حريصاً على المال، سريع الجواب والبَديهة بين أقرانه. وكان مِسكين صاحب مكانة لدى الخلفاء، وكان ممَّن يؤخذ برأيه. وفتح عليه الخُلفاء أبواب الأُعطِيَة والعَيش الرَّغيد ، وانعكف في أواخر حياته إلى العبادة والصلاة والزُّهد، وغَلَب عليهِ لقب مِسكين؛ لأنّه احتَاجَ وسألَ أهلَهُ وعشيرته، فأعطُوه وسمّوهُ مِسكيناً؛ أو لِشعرٍ قَالَهُ عن نفسه؛ وهو:

وسُمّيتُ مِسكيناً وكانت لُجَاجةًوإنّي لِمِسكين إلى الله رَاغِبُ

توفي ربيعة بن عامر؛( مِسكين الدَّارِمي) في سنة ٩٠ هجرية؛ وذلك في خلافة الوليد بن عبدالملك.

قصَّة المقولة:

كان( الدَّارِمي) كما قُلنا أحد الشعراء والمُغَنّين الظُّرَفاء في الحجاز، وكان يَتَشبَّب( يَتغَزَّل) بالنساء الجميلات، إلّا أنّه عندما تقَدَّم به العُمر؛ ترك نَظمَ الشِّعرِ والغِناء، وتَنَسَّكَ وأصبح مُتنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة.

وفى إحدى زياراته للمدينة التقى بأحد أصدقائه، وهو من أهل الكوفة بالعراق يعمل تاجراً، وكان قدومه إلى المدينة للتِّجارة ويَحملُ من ضمن تجارته (خُمُرٌ عراقية)؛ وهو ما تُغَطِّي به المرأة رأسها، فَباعَ التَّاجرُ العراقيُّ جميع الألوان من تلك الخمر ما عدى اللون الأسود.

فَشَكا التاجر لصديقهِ الشَّاعر مِسكين الدَّارمي عن عدم بيعه اللَّون الأسود؛ ولعلَّهُ غير مرغوب فيه عند نساء أهل المدينة. فقال له الدَّارِمي: لا تَهتَمّ لذلك؛ فإني سأبيعُهَا بِضعفِ السِّعر، ثمَّ نَظمَ الدَّارمي بَيتَين من الشِّعر وتَغنَّى بهما؛ كما طَلبَ من مُغَنِّيَين بالمدينة؛ وهما( سُرَيح، وسِنان)، أنْ يتغنَّيا بالبيتين الذي قال فيهما:

قُل للمَليحة في الخِمار الأسود ** ماذا فعـلت بـنَاســكٍ مُـتَعبــِّـد.
قد كان شـَمَّر للصلاة ثـِـيابــه ** حتى وَقفـتِ له بباب المسجـد.

وأضافَ إليهما أحدهم، بَيتَين آخرين هما:

فَسَـلبتِ منه دِينـَـهُ ويَقـيـنــــه ** وتَركتـهِ في حِــيرَةٍ لا يهتــدي.
رُدّي عليه صلاتـه وصيــامــه ** لا تقـتـليـه بحـَقِّ دِينِ مُحمــــد.

فكانت هذه الأبيات، أوّل إعلان وإشهَار في التاريخ، فَشاعَ بين الناس خَبر أنَّ مِسكين الدَّارمي؛ قد عاد إلى مُجونهِ، وعَشِقَ فتاة ذات خِمَارٍ أسود، فَانكَبَّت النِّساء يَشتَرِينَ الخُمُر السُّود، وباعها التاجر بأضعافِ ثمنها، وعاد إلى دياره غانماً مُبتهِجَاً، وعاد الشاعر مِسكين إلى تَعبُّدهِ وتَنسُّكهِ.


شارك المقالة: