كُفرانُ النعمة .

اقرأ في هذا المقال


الآية :

﴿وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ * فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ﴾ [سبأ]

التفسير:

قال الإمام ابن جُزي في تفسيره معالم التأويل: هذه الآية وما بعدها وصف حال سبأ قبل مجيء السيل وهلاك جناتهم، ويعني بالقرى التي باركنا فيها ( الشام ) والقرى الظاهرة قرى متصلة من بلادهم إلى الشام، ومعنى (قُرًى ظَاهِرَةً) يظهر بعضها من بعض لاتصالها .

﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ﴾ أي قسمنا مراحل السفر، وكانت القرى متصلة، فكان المسافر يبيت ويصبح في أخرى، ولا يخاف جوعاً ولا عطشاً، ولا يخاف حمل زاد.

﴿فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ والمعنى أنَّهم بطروا النعمة وملوا العافية، وطلبوا من الله أن يُباعد بين قراهم المتصلة ليمشوا في المفاوز ويتزودوا للأسفار فعجل الله إجابتهم: ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أي فرقنناهم في البلاد حتى ضرب المثل بفرقتهم.

الحكمة والدرس من الآية :

إن مواطن الضعف في طبيعة الإنسان أنّه إذا استمرت به حال واحدة من النعمة والراحة والخير: يملها ويسأمها- رغم ما تحمل له من لذّة ورفاهية وراحة- ويريد التغيير والتبديل مهما كلفه من ثمن باهظ وجرّ إليه البلاء والمحن، وهذا الحال أشار إليه القرآن الكريم بلفظه (بطرت) هذه هي قصة سبأ التي أنعم الله عليها بكل الخيرات وعبّد طريقها وملأها أمناً وراحة ﴿وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ) فكفروا بهذه النعمة ولم يقدروها حق قدرها، ﴿فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾.

ليس هذا من السفر في شيء! نخرج، نأكل، نشرب، ونتحدث وإذا بنا نصل إلى منزلنا، بل لا بدَّ أن يكون السفر طويلاً ومع كلفة ومشقة، فكان أن سلب الله منهم نعمهم وخيراتهم وجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق.

إنَّنا نشعر في كثير من البلاد الإسلامية والعربية والمجتمعات الإسلامية بوجود هذا المرض (البطر) فحيثما تلتفت تسمع هتافاً ب ( هل من مزيد؟ وهل من جديد ) وليس هتاف: هل من مزيد بأشد خطر من هتاف: هل من جديد مهما كانت الأوضاع والظروف.

إن هذا المنهج من التفكير وهذه النفسية المتقلبة التي لا تستقر على حال مصدر خطير كبير، قد يؤدِّي إلى مصير قوم سبأ من الدمار والهلاك.

المصدر: فتح البيان - صديق حسن بيان تأملات في كتاب الله - ابو الحسن الندوي تفسير الطبري - الامام الطبري


شارك المقالة: