لأمر ما باعت امرأة سمسما مقشورا بغير مقشور

اقرأ في هذا المقال


كل الأمم التي رسمت خطاها على وجه البسيطة تمتلك الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “لأمر ما باعت امرأة سمسمًا مقشورًا بغير”.

أصل مثل “لأمر ما باعت امرأة سمسمًا مقشورًا بغير قشور”:

لقد ورد مثل: “لأمر ما باعت امرأة سمسمًا مقشورًا بغير مقشور” في كتاب “كليلة ودمنة”، والذي ألفه الكاتب المشهور عبد الله بن المقفع، و”كليلة ودمنة”يحتوي بين حناياه العبر والحكم والمعاني العميقة، والتي جاءت في أغلبها على ألسنة الطيور والحيوانات، والمثل جاء تحت باب قوة المال على لسان رجل كان ضيفًا على أحد النّساك.

قصة مثل: “لأمر ما باعت امرأة سمسمًا مقشورًا بغير مقشور”

حلّ أحدهم ضيفًا على أحد النّسّاك، وتجاذبا أطراف الحديث، فما كان من النّاسك إلا أن أخذ بالتصفيق، فغضب الضيف ظنًّا منه أن النّاسك يهزأ منه، حينها اعتذر الناسك للضيف مبرّرًا أنّ ما تصفيقه إلا ليبعد أحد الجرذان عن سلة الطعام المعلقة بعيدًا، تذكّر الضيف قصّة المثل: “لأمر ما باعت هذه المرأة سمسمًا مقشورًا بغير مقشور”، وبدأ يقصّها على الناسك، قال الضيف: نزلت ذات مرّة على رجل بمكان كذا، فتعشينا، ثم فرش لي، وانقلب الرجل على فراشه، فسمعته يقول في آخر الليل لامرأته: إني أريد أن أدعو غدًا جماعة من الناس؛ ليأكلوا عندنا، فاصنعي لهم طعامًا.

حينها قالت المرأة لزوجها: يا رجل، كيف تدعو أناسًا إلى الطعام، ولا يوجد في بيتك زيادة لعيالك؟ وأنت رجل لا تُبقي شيئًا، ولا تدّخره، قال الرجل: يا امرأة، لا تندمي على شيء أطعمناه وأنفقناه: فإنّ الجمع والادّخار ربّما كانت عاقبته كعاقبة الذئب، قالت المرأة: وكيف كان ذلك؟ قال الرجل: زعموا أنّه خرج ذات يوم رجل قانص، ومعه قوسه ونشابه “أي السّهام”، فلم يجاوز غير بعيد، حتى رمى ظبيًا، فحمله وعاد طالبًَا منزِله، فاعترضه خنزير بريّ فرماه بنشابة نفذت فيه، فأدركه الخنزير وضربه بأنيابه ضربة أطارت من يده القوس، ووقعا ميتين، فأتى عليهم ذئب فقال: هذا الرجل والظبي والخنزير يكفيني أكلهم مدّة، ولكن أبدأ بهذا الوتر “أي القوس”؛ فآكله، فيكون قوت يومي، فعالج الوتر حتى قطعه فلما انقطع طارت سيّة القوس فضربت حلقه فمات.

لقد ضرب الرجل هذا المثل لتعلم زوجته أنّ التوفير والادخار عاقبته وخيمة، فقالت المرأة: ما أحسن ما قلت! وعندنا من الأرزّ والسمسم ما يكفي ستة نفر أو سبعة، فأنا غادية على اصطناع الطعام، فادعُ من أحببت، وأخذت المرأة حين أصبحت سمسمًا فقشّرته، وبسطته في الشمس ليجفّ، وقالت لغلام لهم: اطرد عنه الطير والكلاب، وتفرّغت المرأة لصنعها؛ وتغافل الغلام عن السمسم؛ فجاء كلب، فعاث فيه؛ مثلًا بمثل، فقال رجل في السّوق: لأمر ما باعت هذه المرأة سمسمًا مقشورًا بغير مقشور، وهو يُضرب عندما يأتي المرء بتصرف غريب يثير الشكّ والرّيبة.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000


شارك المقالة: