لا أحَد أذلُّ من جَدِيس

اقرأ في هذا المقال


صاحبة المقولة

عُفيرة بنت عَبَّاد الجَدِيسيّة، من بني جَدِيس. شاعرة جاهلية، من أهل اليمامة بِنَجد، وكُنيتها شمس الشُّموس، وهي أخت الأسود بن عبّاد سيد بني جَدِيس، وكانت قبيلة جَدِيس خاضعةً لِمَلَك طَسْم( عِملِيق).

وقداتَّفقت مصادر التاريخ والأدب على أنَّ اسمها عُفَيرة، لكنّها اختلفت على اسمِ والدها؛ فقيل هي بنت عبَّاد، وقيل هي بنت غِفار، وقيل هي بنت عفَّان الجَدِيسيّة.

وتَجلّت مَأثرة عُفيرة بقُدرتها على إثارة قَومها على الطّاغية” عِملِيق” ملك طَسْم البائدة. وأرَّخَت لثورتها بشِعرِها الذي تناقلته مصادر التاريخ والأدب العربي.  

قصة المقولة

قِيلَ أنَّ القَبيلة العَربيّة”جَدِيسُ بنُ عَامِر بنِ أَزهَر بنِ سَام”، كَانَت مَسَاكنهُم مَوضِع الْيَمَامَةِ، وكَان اسمُهَا حِينَئذٍ جَوَا، وَكانَت مِن أَخصَبِ البِلَاد وَأَكثرِهَا خَيراً، وكانَ مَلِكهُم أَيَّامَ مُلُوكِ الطَّوَائِف مَلِك يُقالُ لهُ” عِمْلِيق”، وَكَانَ ظَالِماً قَد تَمَادَى في الظُّلمِ وَالْغَشمِ وَالسِّيرَةِ الْكَثِيرَةِ الْقُبْحِ، وإِنَّ امرَأَةً مِن جَدِيس، يُقَالُ لها هَزِيلَة؛ وقد طَلَّقها زَوجهَا وَأَرَادَ أَخذَ وَلَدِهَا مِنهَا، فَخَاصمَتهُ إِلى عِمْلِيق، وَقالَت: أَيُّها الْمَلِك حَمَلتُهُ تِسْعاً، ووضَعتُهُ دَفْعاً، وأَرضَعتُهُ شَفعاً، حتَّى إِذا تَمَّت أَوصَالُهُ، وَدنَا فِصَالُهُ، أَرَادَ أَنْ يَأْخُذهُ مِنِّي كُرْهاً، وَيَتركَنِي بَعدَهُ وَرِهاً.

فَقالَ زَوجُهَا: أَيُّها المَلِكُ إِنَّها أُعطِيَت مَهْرَهَا كَامِلًا، ولَم أُصِبْ مِنهَا طَائِلاً، إِلَّا وَلِيداً خَامِلاً، فَافعَلْ مَا كُنْتَ فَاعِلاً.

فَأَمَرَ المَلِكُ بِالغُلَامِ فَصَارَ فِي غِلمَانِهِ، وأَنْ تُبَاعَ المَرأَةُ وَزوجُهَا فَيُعطَى الزَّوجُ خُمْسَ ثَمَنِهَا وَتُعْطَى المَرْأَةُ عُشْرَ ثَمَنِ زَوجِهَا، فقالَتْ هَزِيلَةُ:
أَتَينَا أَخَا طَسْمٍ لِيَحكُمَ بَيننَا فَأَنْفَذَ حُكْماً فِي هَزِيلَةَ ظَالِمَا
لَعَمرِي لقد حَكَّمتَ لا مُتَورِّعاً ولا كُنتَ فِيمَنْ يُبْرِمُ الحُكْمَ عَالِمَا
نَدمْتُ ولمْ أَندَمْ وأَنَّى بِعِترَت وأَصبحَ بَعْلِي فِي الحُكومَةِ نَادِمَا
فَلمَّا سَمِعَ عِمْلِيق قَولهَا، أَمَرَ أَنْ لا تُزَوَّجَ إمرأةٌ بِكْرٌ مِنْ جَدِيسٍ وتُهدَى إِلى زَوجِهَا حتَّى يَفْتَرِعَهَا ويَدخُل عليها قبل زوجها، فَلَقُوا مِن ذَلِكَ بَلَاءً وَجَهْداً وَذُلّاً.

وَلمْ يَزَل يَفعَلُ ذَلكَ حتَّى زُوِّجَت الشَّمُوسُ، وَهِيَ عُفيرَةُ بِنتُ عَبَّاد، أُختُ الأَسوَد، فلَمَّا أَرَادُوا حَمْلَهَا إِلَى زَوجِها انطَلَقُوا بِهَا إِلى عِمْلِيق لِيَنَالَهَا قَبلَهُ، ومَعهَا الفِتْيَان. فلَمَّا دَخلَتْ عَليهِ افْتَرَعَهَا وَخَلَّى سَبِيلَهَا، فَخَرَجَتْ إِلى قَومِهَا فِي دِمَائِهَا وَقَد شَقَّتْ دِرْعَهَا مِنْ قُبُلٍ وَدُبُرٍ، وَالدَّمُ يَبِينُ وَهِيَ فِي أَقْبَحِ مَنْظَرٍ، تَقُولُ:

لَا أَحدَ أَذَلُّ مِنْ جَدِيسِ أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعَرُوسِ
يَرْضَى بذَا يَا قَومِ بَعْلٌ حُرُّ أَهْدَى وَقَدْ أَعْطَى وَسِيقَ الْمَهْرُ

وَقالَت أَيضاً تُحَرِّض قَومَهَا:
أَيَجمُلُ مَا يُؤتَى إِلى فَتَيَاتِكُم … وَأَنتُم رِجَالٌ فِيكُمُ عَدَدُ النَّمْلِ
وَتُصبِحُ تَمشِي فِي الدِّمَاءِ عَفِيرَةٌ جَهَاراً … وزُفَّت في النِّسَاءِ إِلى بَعْلِ
وَلو أَنَّنَا كُنَّا رِجَالاً وَكُنتُمُ … نِسَاءً لَكُنَّا لَا نُقِرُّ بِذَا الْفِعْلِ
فَمُوتُوا كِرَاماً أَو أَمِيتُوا عَدُوَّكُم … وَدِبُّوا لِنَارِ الحَربِ بِالحَطَبِ الجَزْلِ
وَإِلَّا فَخَلُّوا بَطنَهَا وَتَحَمَّلُوا … إِلى بَلَدٍ قَفرٍ وَمُوتُوا مِنَ الهَزْلِ
فَلَلْبَيْنُ خَيرٌ مِن مُقَامٍ عَلى الأَذَى … وَلَلْمَوتُ خَيرٌ مِن مُقَامٍ على الذُّلِّ
وإِنْ أَنْتُمُ لمْ تَغضَبُوُا بَعدَ هَذِهِ فَكُونُوا… نِسَاءً لَا تُعَابُ منَ الْكُحْلِ
وَدُونَكُمُ طِيبُ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا خُلِقتُم… لِأَثوَابِ العَرُوسِ وَلِلْغُسْلِ

فَبُعداً وَسُحقاً لِلَّذِي لَيسَ دَافِعاً …. ويَختَالُ يَمشِي بَيْننَا مِشْيَةَ الْفَحْلِ.


فلمَّا سَمِعَ أَخوهَا الْأَسوَدُ قَولَهَا، وكانَ سَيِّداً مُطَاعَاً، قَالَ لِقَومهِِ : يَا مَعشَر جَدِيسٍ: إِنَّ هَؤلاءِ الْقَومَ ليسُوا بأَعَزَّ مِنكُمُ فِي دَارِكُم، إِِلَّا بِمُلْكِ صَاحبهِم عَلينَا وَعلَيهِم ولَولا عَجزُنَا لَمَا كَانَ لَهُ فَضلٌ عَلينَا، وَلَو امْتَنَعنَا لانتَصَفْنَا مِنْهُ، فأَطِيعونِي فِيمَا آمُرُكم، فإِنّهُ عِزُّ الدَّهر.
وَقَد حَمِيَ جَدِيس لِمَا سَمِعُوا مِن قَولِهَا فَقَالُوا: نُطِيعُكَ؛ ولكِنَّ القَومَ أَكثَرُ مِنّا! قَالَ: فإِنِّي أَصنَعُ لِلمَلِكِ طَعَاماً وَأَدْعُوهُ وأَهلَهُ إِلَيهِ، فإِذَا جَاءُوا يَرْفُلُونَ فِي الحُلَل، أَخَذنَا سُيُوفَنَا وَقتَلنَاهُم. فَقَالُوا: افْعَل.

فَصنعَ الأسودُ لهم طعَاماً فأَكثَرَ وجَعلَهُ بِظَاهِرِ البلَد، وَدفنَ هُوَ وقَومُهُ سيوفَهُم في الرَّملِ وَدعا المَلِكَ وَقومَهُ، فَجَاءُوا يَرْفُلُونَ فِي حُلَلِهِم، فلمَّا أَخَذُوا مَجالِسَهُم وَمَدُّوا أَيدِيَهُم يَأْكُلُون، أَخَذَت جَدِيس سُيوفَهُم مِنَ الرَّملِ وَقتَلُوهُم، وَقتَلُوا مَلِكَهُم عِملِيق.

المصدر: معجم البلدان؛ ياقوت الحموي الكامل في الأدب؛ للمُبرِّدالأغاني؛ للأصفهاني


شارك المقالة: