لو كنت من مازن لم تستبح إبلي

اقرأ في هذا المقال


صَاحِب القَول:

قُرَيط بن أُنَيَف العَنبريّ التَّميميّ؛ شاعِرٌ من شُعراء الجَاهليّة، من بني العَنبَر من قبيلةِ تميم العربيّة. لمْ يَرِد عنه الكثير في سِيرَتهِ سوى قِصّته مع قَبِيلتهِ وقبيلةِ بني مازن أبناء عُمومتهِ؛ والتي أورَدهَا أبو عبيدة مُعَمّر بن المثنى، النَّحويّ البَصريّ، صاحب كتاب مَجَاز القرآن؛ وقِصّتهُ هذهِ افْتَتَحَ وصَدَّر بها أبو تمَّام كِتابهُ ديوان الحمَاسَة، وسُمّيَ بهذهِ التَّسمِيَة، والتي تُعنِي قَرطُ الأنفِ، فَلَرُبّمَا أنَّ هذا الشَّاعِر كانَ في أنفهِ قَرط؛ فَسُمّيَ بقُرَيط.

قِصّة المَقُولة

تقول القِصّة أنَّ بنو ذُهْل بن شيبَان قَد أغارَت على قُرَيط ونَهَبَت من إبِلهِ ثلاثينَ ما بينَ جَمَلٍ وناقَة؛ فَقامَ يَستَصرِخ قبيلته ويَستَنجِدَهم ولكنَّهم خَذَلُوه.

فَاستَغاثَ بأبنَاءِ عَمّهِ من قَبيلةِ بني مَازن من عَمرو بن تميم؛ والذينَ كانَ منهم الشّاعر المَشهور مَالك بن الرَّيّب المازِنِيّ، والذين أجابوه إلى ما سَألهُم وأغَاروا على بني شَيبان ونَهبُوا منهم مَائة من الإبِل ودَفَعوهَا إليه. حيثُ امتَدحَ شَجاعَة بني مازن وإقْدَامِهم، وتَحصِيلِهم حَقّه؛ فقالَ قَصِدَتهُ والتي يقول فيها:

لـو كُـنتُ مـن مَـازنٍ لَمْ تَستَبِحْ إبِلي… بـَنُـوالـلَّقِيطَةِ مـِن ذُهـلِ بـنِ شـَيبَانَا

إذَن لـَقَـامَ بـِنـَصرِي مـَعـشَرٌ خـُشُـنٌ…… عــِنـد الـحَـفِـيظَة إنْ ذُو لـُـوثـَةٍ لَانـَــا

قــَومٌ إذا الـشَّـرُّ أبـْدَى نَـاجِذَيهِ لَـهُم……. قـَـامــوا إلــيــه زُرَافــــاتٍ ووُحــدَانـَـا

لا يـَسـألُون أخـَاهُـم حِـيـنَ يـَنـدُبُهم…… فــي الـنَّـائِبَاتِ عـلى مـا قـال بـُرهانا

لـكنّ قـوميْ وإنْ كـانوا ذَوي حَـسَبٍ…… ليسوا من الشَّر في شَيءٍ وإنْ هَانا

يـَجزُونَ مـِنْ ظـلمِ أهـلِ الظُّلمِ مَغفِرةً…… ومــن إســَاءةِ أهـلِ الـسُّوء إحـسَانا

كـــأنَّ ربـَّــك لَـــمْ يـَخـلـقْ لـِخـَشيتهِ……. سـِواهـمُ مـن جَـميع الـنَّاس إنـسانا

فَـلـيـتَ لـِــي بِـهـم قـَوماَ إذا رَكِـبُـوا……. شـَـــدّوا الإغـَــارَة فُـرسـانـاً ورُكـبَـانـَا

فقد تمنّى قُرَيط أنْ يكون من مازنٍ؛ لأنّهم قومٌ خُشُنٌ، وهي جَمع أخْشَن وهو الصَّعب الذي لا يَلِين؛ فيقول لو كنتُ من هذه القبيلة(بنو مازن)؛ لَمَّا أغَارَ بنو ذُهل على إبلي واسْتَأصَلُوهَا أخذاً ونهباً؛ ولو كان ذلك لقَامَ بنَصرِي قَوم صِعَاب أشدَّاء يَدفَعُونَ عَنّي ويَأخُذونَ بحَقّي مِمَّن اعتَدَى عَليّ وظَلَمني؛ ووَصَفَهم بأنّهم أحرارٌ وأشدّاء، “عند الحفيظة”، أي اللَّحظَة التي تُوجِبُ الغَضب من أجل الحَقِّ أو من أجل مواجهة العُدوان، فيما الضُّعفَاء “ذو لُوثَة” فلا يَدفَعُون ضَيمَاً، وإنما يَلِينُون ويَخضَعُون. ثمّ يُكمِلُ مُعَدِّدَاً صِفات من يَتَمنَّاهم أنْ يكونوا قومهُ، بأنّهُم إذا دَهَمَهُم الشَّرّ (الحرب) وكَشّرَ عن أنيَابهِ، أسرَعوا إلى مُواجَهته جَماعاتٍ وأفراداً. وَيَصفهُم أيضاً بأنّهم لا يَطْلُبون البُرهان والدّليل على حُدوثِ العُدوَان، حتى لا يَتَعَلّلوا بِعَدمِ النُّصرة.

ثم يَتَحَدّثُ قُرَيط عن قومه؛ ويقول بأنّهُ على الرّغم من عَددهِم الكثير، وما يَملِكُونَ من إمكَاناتٍ، ليسُوا أهل مُواجَهة وتَحدٍّ وحرب، حتى لو كان ذلك”هَيّناً”. بَلْ وأكثر من ذلك، فَهُم يُهَرولُون ليَجزُوا الذين ظَلمُوهُم بالمغفرة، وليسَ ذلكَ عن شَجاعةٍ ومَقدِرة؛ وإنَّما عن جُبنٍ وخِسّة خوفاً على أنفسهم. وتَمَنَّى في آخرِ أبياتهِ أنْ يُصبحَ قَومه أهل مُواجَهة ومُبَادرة وحَرب. 


شارك المقالة: