فلسفة أمريكا اللاتينية لدى جيل 1930 و1980

اقرأ في هذا المقال


كان هناك اهتمام كبير بالاهتمامات الاجتماعية بين فلاسفة أمريكا اللاتينية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى رد فعل على الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأمريكا اللاتينية، وقد أدى ذلك إلى أن يكون العمل الفلسفي في أمريكا اللاتينية أكثر اهتمامًا نسبيًا بالقضايا الاجتماعية من الفلسفة في الولايات المتحدة على سبيل المثال.

صياغة فلسفة أمريكا اللاتينية لدى جيل 1930:

غالبًا ما يُطلق على أعضاء مجموعة الجيل الثالث للجيل العشرين في عام 1930 اسم (المزورون) أو (المشكّلون)، وذلك اعتمادًا على ترجمة مصطلح ميرو كيسادا المؤثر لـ(forjadores) أي المزورين.

يشمل الأعضاء هذا الجيل هم:

1- صموئيل راموس الذي ولد في عام 1897 والمتوفى في عام 1959.

2- خوسيه جاوس الذي ولد في عام 1900 والمتوفى في عام 1969 في المكسيك.

3- فرانسيسكو روميرو الذي ولد في عام 1891 والمتوفى في عام 1962.

4- كارلوس أسترادا الذي ولد في عام 1894 والمتوفى في عام 1970 في الأرجنتين.

5- خوان ديفيد غارسيا باكا الذي ولد في عام 1901 والمتوفى في عام 1992 في فنزويلا.

بعد أن انتقد الجيلين الأولين من (المؤسسين) أو (البطاركة) الفلسفة الوضعية من أجل تطوير نسخهم الشخصية للمشروع الفلسفي، طوّر المزورين الأسس والمؤسسات الفلسفية التي اعتبروها ضرورية لجلب مشاريعهم الفلسفية الأصلية في أمريكا اللاتينية إلى مستوى الفلسفة الأوروبية المعروف بشكل أفضل، ويمكن فهم مارياتيغوي (Mariátegui) على أنّه مقدمة في هذا الصدد، نظرًا لأنّ تأثيراته الفلسفية كانت أوروبية في المقام الأول لكن فلسفته كانت متجذرة في واقع بيرو المميز.

في سعيهم للتفلسف من منظور أمريكي لاتيني مميز تأثر العديد من المزورين بشكل كبير بمنظور الفيلسوف الأسباني خوسيه أورتيجا وجاسيت الذي ولد في عام 1883 والمتوفى في عام 1955، وازداد تأثير أورتيغا على فلسفة أمريكا اللاتينية -خاصة في المكسيك والأرجنتين وفنزويلا- مع وصول الإسبان الذين تم نفيهم خلال الحرب الأهلية الإسبانية الذي ولد في عام 1936 والمتوفى في عام 1939.

كان خوسيه جاوس بلا شك الأكثر تأثيرًا بين هؤلاء المنفيين، الذي ساعد في تأسيس مؤسسات تعليمية جديدة، ونشر مجلات أكاديمية جديدة وإنشاء دور نشر جديدة وترجمة مئات الأعمال في الفلسفة القديمة والأوروبية.

توضح المهنة الفلسفية الطويلة لخوان ديفيد غارسيا باكا التغيرات التيارات الفلسفية والتهجير الجغرافي الذي أدى إلى تطورات جديدة في فلسفة أمريكا اللاتينية، ومؤلف أكثر من خمسمائة عمل وترجمة فلسفية، حيث تلقى غارسيا باكا تدريبه الفلسفي في إسبانيا، وإلى حد كبير تحت تأثير المدرسة الجديدة حتى أيقظه أورتيغا من سباته العقائدي.

أمضى غارسيا باكا السنوات الأولى من منفاه المولود عام 1938 والمتوفى عام 1941 في كيتو في الإكوادور، حيث بدأ في تفكيك المفهوم الأرسطي أو التومياني للطبيعة البشرية واستبداله بفهم للإنسان باعتباره تاريخيًا وتكنولوجيًا وعابرًا للحدود، وبعبارة أخرى قدم غارسيا باكا البشر على أنّهم مخلوقات محدودة، ومع ذلك هم شبيهون بالآلهة في قدرتهم اللانهائية على إعادة تكوين أنفسهم.

في عام 1941 قبل غارسيا باكا دعوة من الجامعة الوطنية المستقلة في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة، لتدريس دورة حول فلسفة الوجودي الألماني المؤثر وعالم الظواهر مارتن هايدجر، وفي عام 1946 أسس غارسيا باكا مع آخرين من المنفيين قسم الفلسفة في جامعة فنزويلا المركزية، حيث واصل العمل على فلسفته في حوار مع تقاليد التاريخية والحيوية والظواهر والتأويل والوجودية.

باتباع اتجاه فكري واسع في أمريكا اللاتينية بعد الثورة الكوبية عام 1959، تغير فهمه لسياق أمريكا اللاتينية تحت تأثير الماركسية بداية من الستينات، وأعطى غارسيا باكا فهمه للطبيعة البشرية باعتبارها عابرة للحدود، وتمثل تطورًا جديدًا جوهريًا من خلال طلب ما لا يقل عن تغيير الطبيعة البشرية في ظل الاشتراكية.

مرة أخرى يشير إلى اتجاهات فكرية واسعة في الثمانينيات، وبدأ غارسيا باكا ينأى بنفسه إلى حد ما عن الماركسية وساهم بشكل كبير في تاريخ الفلسفة في أمريكا اللاتينية من خلال نشر مختارات جوهرية من الفكر الفلسفي في فنزويلا وكولومبيا.

العولمة وما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار لدى جيل 1980:

ظهر الجيل السادس والأخير من فلاسفة أمريكا اللاتينية في القرن العشرين في الثمانينيات، في حين أنّ الحديث عن الاتجاهات العامة مضلل دائمًا إلى حد ما نظرًا لتنوع المقاربات والاهتمامات، ويكمن أحد الاتجاهات المثيرة للاهتمام في كيفية مساهمة فلاسفة أمريكا اللاتينية من هذا الجيل في تحليل ونقد العولمة، من خلال المشاركة في المناقشات الفكرية الجديدة المتعلقة بما بعد الحداثة في الثمانينيات وما بعد الاستعمار في التسعينيات.

على سبيل المثال سعى بعض فلاسفة التحرير الجدد مثل راؤول فورنت بيتانكورت الذي ولد عام 1946 إلى مراجعة الثنائيات النظرية الأساسية مثل المركز أو المحيط، والهيمنة أو التحرير، والعالم الأول أو العالم الثالث، وكانت حاسمة من حيث توجهها العام ولكنها كانت غير دقيقة بما فيه الكفاية في ضوء الظواهر المعقدة التي يطلق عليها اسم العولمة.

تشير سيرة فورنت بيتانكورت الخاصة إلى هذا التعقيد منذ أن ولد في كوبا وانتقل إلى ألمانيا في عام 1972، وحصل على شهادته الجامعية ودكتوراه في الفلسفة في إسبانيا، ثم عاد لإكمال الدكتوراه الثانية في اللاهوت واللغويات في ألمانيا، حيث يعمل حاليًا أستاذًا ينشر على نطاق واسع باللغتين الألمانية والإسبانية، وينتقد فورنت بيتانكورت الكثير من تدريبه الفلسفي وتطوره الذاتي، وقد رسخ نفسه في فلسفة أمريكا اللاتينية من أجل ابتكار نهج متعدد الثقافات لفهم الفلسفة في ضوء التواريخ والثقافات المتنوعة التي أنتجت الحكمة البشرية عبر الزمان والمكان.

على النقيض من العولمة وهي إحدى وظائف الاقتصاد السياسي العالمي الذي لا يتسامح مع الاختلافات أو البدائل لثقافة أحادية عالمية للرأسمالية والاستهلاك، يحدد فورنت بيتانكورت الظروف الاقتصادية والسياسية التي من شأنها أن تجعل الحوار والتبادل الثقافي المتناسق حقًا ممكنًا.

بالاعتماد بشكل نقدي على مناقشات العولمة وما بعد الحداثة ظهر خطاب ما بعد الاستعمار في العقد الأخير من القرن العشرين، والفكرة الأساسية هي أنّ العولمة أنتجت نظامًا جديدًا عابرًا للحدود للاستعمار الاقتصادي يختلف عن الأشكال الوطنية والدولية للاستعمار التي ميزت العالم بين غزو أمريكا والحرب العالمية الثانية ولكنها مرتبطة بها.

من بين أمور أخرى تتناول ما بعد الاستعمار سياسات المعرفة في عالم معولم موحد بواسطة شبكات معقدة من الإقصاء على أساس الجنس والطبقة والعرق والعرق واللغة والجنس، وأحد الانتقادات الأساسية التي وجهتها ما بعد الاستعمار هو الطريقة التي تبني بها الخطابات الاستعمارية الجديدة بشكل روتيني وعنيف كليات متجانسة مثل (العالم الثالث) أو (أمريكا اللاتينية) من الشعوب والأماكن والثقافات غير المتجانسة.

مثل ما بعد الحداثة لم تأت نظرية ما بعد الاستعمار في البداية من أمريكا اللاتينية أو تركز عليها، لذلك هناك جدل كبير حول ما إذا كان أو كيف ينبغي تطوير نظرية ما بعد الاستعمار في سياق أمريكا اللاتينية، وحدث نوع مختلف من هذا النقاش بين النسويات في أمريكا اللاتينية اللواتي لا يعتبرن أنفسهن عمومًا جزءًا من الحركة النسوية ما بعد الاستعمار، والتي اتهمت بتجاهل الاختلافات الهائلة بين المستعمرات الإنجليزية والفرنسية السابقة والمستعمرات الإسبانية والبرتغالية السابقة.

يعد والتر مينولو المولود عام 1941 أحد أشهر المفكرين في أمريكا اللاتينية الذين يعملون بشكل نقدي بالتزامن مع دراسات ما بعد الاستعمار، الذي ولد في الأرجنتين حيث أكمل درجة البكالوريوس، وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة قبل الانتقال إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراه وأصبح في النهاية أستاذًا في الولايات المتحدة.

وبدلاً من تطبيق نظرية ما بعد الاستعمار الأجنبية على سياق أمريكا اللاتينية، قام مينولو باستخراج تاريخ أمريكا اللاتينية للمؤلفين الذين وجدوا طرقًا لتحدي قواعد الخطاب الاستعماري أو استخدامها بشكل تخريبي، على سبيل المثال المفكر والفنان الأنديز الأصلي فيليب غوامان بوما دي أيالا المولود عام حوالي 1550 والمتوفى 1616.

كتاب مينولو فكرة أمريكا اللاتينية عام 2005 يستكشف تاريخ كيفية ظهور فكرة أمريكا اللاتينية، من أجل إظهار كيف أنّها لا تزال تعتمد على الأسس الاستعمارية التي يجب تغييرها من خلال نظرية وممارسة الاستعمار.

المصدر: Berndston, C.A.E. (ed.), 1949, Readings in Latin American Philosophy, Columbia, MO: University of Missouri Press.Crawford, William Rex, 1944, A Century of Latin American Thought, Cambridge, MA: Harvard University Press.Gracia, Jorge J. E. (ed.), 1986, Latin American Philosophy in the Twentieth Century, Buffalo: Prometheus.Latin American Philosophy


شارك المقالة: