فلسفة الأخلاق الأبيقورية في الرغبات والفضائل والصداقة

اقرأ في هذا المقال


سعى أبيقور إلى الفضيلة أي حالة من هدوء الروح، على الرغم من أنّه يعتمد على متعة الفرد (بدلاً من الواجب)، وقد وضع أبيقور ضغوطًا كبيرة على الصداقة لأنّ متعة المرء تعتمد على الآخرين أيضًا، وقد تتحقق راحة البال والرفاهية العقلية من خلال الفلسفة، كما يتم التعرف على الموت على أنّه مجرد حد للتجربة وبالتالي لا علاقة له بجودة التجربة ولا ينبغي الخوف منه لأنّه لا شيء.

الفلسفة الأبيقورية في الرغبات:

هنا يقسم الأبيقوريون الرغبات إلى قسمين من حيث أنّ بعضها طبيعي والبعض الآخر ليس كذلك، فالأول يرتكز على الاحتياجات البشرية الفعلية، بينما الأخير (على سبيل المثال الرغبة في نصب التماثيل على شرف المرء) ليست كذلك، ومن بين الرغبات الطبيعية بعضها ضروري والبعض الآخر ليس كذلك.

كما ترتكز الرغبات الطبيعية غير الضرورية على الاحتياجات البشرية الفعلية (فهي طبيعية)، ولكنها تهدف إلى تلبية تلك الحاجة بطريقة معينة على الرغم من إمكانية تلبيتها بطرق أخرى عديدة، على سبيل المثال يمكن أن يلبي الكافيار حاجة الإنسان للطعام لذا فإنّ الرغبة في الكافيار أمر طبيعي، ولكن حاجتنا للطعام يمكن تلبيتها بعدة طرق لذا فإنّ الرغبة في الكافيار ليست رغبة ضرورية، فالرغبات الطبيعية والضرورية هي للأشياء المناسبة لاحتياجات الإنسان الحقيقية.

هناك ثلاثة أنواع من الرغبات الطبيعية والضرورية وذلك اعتمادًا على ما هي ضرورية له وهي:

1- السعادة.

2- التحرر من الألم الجسدي.

3- الحياة.

هذا التقسيم واضح إلى حد ما من حيث ما نحتاج إلى بعض الأشياء للبقاء على قيد الحياة، والرغبات في هذه الأشياء طبيعية وضرورية، ولكن يمكن أن نكون أحياء ونعاني من آلام جسدية شديدة وهذا أمر سيئ بالنسبة لنا بشكل طبيعي، ولذا فإنّ الرغبات فيما نحتاج إليه لإزالة الألم الجسدي ضرورية أيضًا، على سبيل المثال الطعام والشراب بشكل عام (ولكن ليس الكافيار والكوكتيل على وجه التحديد).

علاوة على ذلك يمكننا أن نكون أحياء وخالية من الألم الجسدي ولكننا لا نزال بائسين لأنّ أذهاننا مضطربة، وبالتالي لدينا أيضًا رغبات طبيعية وضرورية لما يمكن أن يزيل المشاكل العقلية أي الفضيلة والصداقة.

الفلسفة الأبيقورية في الفضيلة والصداقة:

يمكن معالجة العديد من الفضائل بسرعة إلى حد ما، فالشجاعة هي الحالة التي يكون فيها المرء خاليًا من الخوف غير العقلاني من الموت والآلهة (الأمر الذي يتطلب التقوى أيضًا)، بينما فضيلة الاعتدال هو الحالة التي يكون فيها المرء لديه رغبات طبيعية ويتخلى عن الرغبات غير الضرورية عندما تجعل الظروف من الصعب أكل (لنقل) الكافيار بدلاً من الشعير، والحكمة هي معرفة الموت والآلهة والرغبات والملذات والبنية الأساسية للكون، حيث إنّه يغرس التقوى والشجاعة والاعتدال.

هذا يترك الفضيلة الأكثر إثارة للاهتمام للأبيقوريين ألا وهي فضيلة العدالة التي لها جوانب اجتماعية وشخصية، فمن الناحية الاجتماعية تعتبر العدالة اتفاقًا مفيدًا على وجه الخصوص اتفاق على عدم الإضرار أو التعرض للأذى، ولكي تكون الاتفاقية عادلة ويجب أن تكون مفيدة بالفعل، كما تختلف الاتفاقيات المفيدة (والعادلة جدًا)، لذا فإنّ الاتفاقيات المختلفة تكون فقط في ظروف مختلفة، ومع ذلك فإنّ المفهوم الأساسي للعدالة كاتفاق مفيد لا يتغير.

بعد ذلك هناك روايتان عن سبب أهمية العدالة الشخصية وهما:

1- أولاً حتى لو تمكن المرء من الإفلات من انتهاك الاتفاقيات الاجتماعية فقط، فلا يمكن التأكد من أنّه سينجو بها، ولذا فإنّ انتهاك الاتفاقيات الاجتماعية العادلة يسبب الخوف، فالخوف هو ألم نفسي، ونظرًا لأنّ هذه الآلام أكبر من الآلام الجسدية، فإنّ أي حاجة مادية يأمل المرء في الحصول عليها من خلال انتهاك اتفاقية اجتماعية عادلة لا يمكن أن تعوض عن تكلفة الظلم في الخوف.

2- ثانيًا كل ما يأمل المرء في كسبه من خلال الظلم لن يكون ضروريًا للحياة أو الصحة أو الهدوء، وبما أنّ الحكيم معتدل فإنّها لا تريد سوى ما هو ضروري للحياة والصحة والهدوء، وهذه الحاجات المحدودة (عادة) يسهل الحصول عليها، ولذلك ليس لدى الحكيم أي حافز لخرق الاتفاقيات الاجتماعية فقط، فعندما يبدو أنّ الظروف القصوى تعطي حافزًا، فإنّه يجب أن نعيد النظر فيما إذا كانت الاتفاقيات الأصلية مفيدة حقًا في تلك الظروف القصوى وما إذا كانت الاتفاقيات لا تزال عادلة.

أخيرًا يثني أبيقور على الصداقة لقدرتها على جعلنا هادئين، فمن الصعب القول كيف تختلف الصداقة والعدالة، حيث يقول أبيقور إنّ العدالة هي اتفاق لا يؤذي ولا يتأذى، وهذا مما يشير إلى احتمال بأن تسعى العدالة إلى تفادي متبادل للضرر وليس فقط من خلال عدم إيذاء بعضنا البعض، ولكن أيضًا بمساعدة بعضنا البعض في عدم التعرض للأذى، ولكن الصداقة تتجاوز ذلك يحيث تتطلب المنفعة المتبادلة، ولكن أي نوع من الفوائد؟

يساعد الأصدقاء بعضهم البعض عند الضرورة ويوافق أبيقور على أنّ هذه إحدى فوائد الصداقة، ولكن الأهم من هدوءنا هو ثقتنا بأننا سنحصل على مساعدة من أصدقائنا في المستقبل إذا احتجنا إليها، وهذا لا يشمل فقط المساعدة في المهام العادية مثل التنقل، أو المهام الخطيرة مثل إعالة الأطفال بعد وفاة أحدهم.

وقد شكل الأبيقوريون في الواقع نوعًا من الكوميونات بالقرب من أثينا، وكرسوا أيامهم للعلاج الفلسفي من خلال مجموعة معقدة من الممارسات الطائفية، وهكذا يساعد الأصدقاء بعضهم البعض لتحقيق أعلى فائدة (الهدوء) من خلال مساعدة بعضهم البعض لتحقيق الوسائل اللازمة (الفضيلة).

الفلسفة الأبيقورية والآلهة:

يحاول الأبيقوريون إزالة الخوف من الآلهة من خلال اللجوء إلى مفهوم الألوهية وهو: الآلهة خالدة ومباركة، ولكن الآلهة المباركة تمامًا لا يمكن أن يستفيد منها أو يؤذيها الآخرون (بما في ذلك البشر)، ولذلك لن يكونوا ممتنين للبشر أبدًا لإفادتهم أو غاضبين من البشر لإيذائهم، ولذلك فإنّ الظواهر التي تُنسب إلى الفاعلية الإلهية -على سبيل المثال الصواعق التي يُنظر إليها على أنّها تعبيرات عن الغضب الإلهي- لا يمكن تفسيرها بهذه الطريقة، ولتأكيد هذا الادعاء يقدمون حسابات علمية للعالم فقط من حيث المبادئ الأساسية للذرات والفراغ.

اعتراضات على الفلسفة الأبيقورية:

أبيقور هو فيلسوف يوناني قديم يعتقد أنّه يجب علينا أن نأخذ في الحسبان جميع عواقب الفعل من أجل تأمين أكبر قدر ممكن من المتعة في مجمل مسار الحياة، ويبدو أنّ أبيقور يوصي في فلسفته وفكره بغياب الألم كمتعة مرغوبة أكثر من المتعة نفسها، فحالة الألم ليست متعة، وما يشعر به الكثير من الأشخاص هو أهم الملذات في الحياة مثل تحقيق هدف صعب.

وهنا ينصحنا أبيقور بتجنب ذلك على أنّه لا معنى له ويبدو أنّه ينصح بفلسفة تجنب الحياة، والفلسفة الأخلاقية الأبيقورية غير مكتملة، كما أنّه تاريخيًا تم استيعاب الرواقية في الأبيقورية، ولم تكن الأبيقورية فلسفة الأبطال مثل الرواقية.

المصدر: Ancient EthicsA History of Ethics since the Ancient WorldJ. Annas and R. Woolf, Cicero: On Moral Ends (Cambridge: Cambridge University Press, 2001).C. Brittain, Cicero: On Academic Scepticism (Indianapolis: Hackett Press, 2006).


شارك المقالة: