فلسفة برادلي في الأحكام القاطعة

اقرأ في هذا المقال


ولد الفيلسوف صاحب الصيت الذائع فرانسيس هربرت برادلي عام 1846 والذي لم يكن مطلوبًا منه التدريس ولم يفعل ذلك، وكانت الفلسفة السائدة في إنجلترا عندما جاء إلى أكسفورد هي نوع التجريبية، ويرجع ذلك في الأصل إلى جون لوك الذي كان بطله في القرن التاسع عشر جون ستيوارت ميل، وحاولت هذه النظرية شرح الإدراك من خلال ربط التفاصيل الذهنية والانطباعات والأفكار والتي تم تقديمها في الأصل إلى العقل، كما كان من المفترض من خلال أسباب خارجية.

عارض برادلي بشدة هذا الموقف وعزم على هدمه، وحصل على المساعدة في ذلك من قراءته الواسعة للفلسفة الألمانية لكنه رفض أن يطلق على نفسه اسم هيغلي لأنّه أنكر المبدأ المركزي لهوية الفكر والواقع، ومع ذلك يُنظر إليه عمومًا على أنّه الشخصية المركزية في مجموعة المثاليين البريطانيين في أواخر القرن التاسع عشر.

فلسفة برادلي في الأحكام العالمية:

الأحكام العالمية هو القسم الأول للأحكام القاطعة في فلسفة برادلي، أما التصنيف المعياري للأحكام مميز فئوي وافتراضي ومفصل، ويقلل برادلي من الشكل العام للحكم القاطع إلى شكل افتراضي، والشكل العام لا يضمن حتى وجود الأشياء الحقيقية التي نشير إليها.

وتم تصميم عبارة: “سيتم محاكمة جميع المتسللين” لضمان بقاء فئة الموضوع فارغة، وهكذا فإن (الحيوانات هالكة) تصبح: “إذا كان أي شيء حيوانًا فهو مميت”، كما يعترف برادلي بأنّه حصل على هذا من هيربارت ويعترف راسل بدوره أنّه حصل عليه من برادلي.

فلسفة برادلي في الأحكام التحليلية للمعنى:

وهو القسم الثاني من الأحكام القاطعة في فلسفة برادلي، ومع ذلك فإنّ الأحكام الفردية مختلفة، ويأخذ برادلي على سبيل المثال: “لدي وجع في الأسنان”، حيث أنا وألم أسناني كلاهما فردي لكنني أصف حالتي بعبارات عامة بأنّها “أعاني من ألم في الأسنان” وينتمي هذا المثال إلى القسم الأول من الأحكام الفردية التي يسميها “الأحكام التحليلية للمعنى” حيث “جوهر هذه الأشياء هو الاحتفاظ بالوقت الحالي فقط وليس تجاوز العرض التقديمي المحدد.”

ولا تحتوي الأحكام التحليلية للمعنى دائمًا على موضوع نحوي أو مجموعة، وقد نطلق على الصرخة الذئب تحذيرًا لكنها أيضًا بيان للحقيقة أو يفترض أن تكون كذلك، فصرخة الذئب أو المطر تشير إلى واقع حاضر غير متمايز، والفكرة هي أنّ الذئب موجود في مكان ما وأنّ المطر في كل مكان على الأقل في كل مكان مهم.

ولكن هناك أيضًا الأحكام فردية بدون موضوعات نحوية يتأهل فيها المرء بفكرته إلى: “سوى جزء واحد من الحاضر”، وإحدى طرق القيام بذلك هي الإشارة، ويشير المرء إلى كلبه ويقول: “نائم”، ولكن برادلي يرفض وجهة النظر القائلة بأنّ الموضوع النحوي يتم قمعه فقط، وذلك حتى لو ظهر موضوع نحوي عند الإبلاغ عن حكم الفرد.

يحدد برادلي نوعًا ثانيًا من الأحكام التحليلية للمعنى التي لها موضوع نحوي: “المحتوى المثالي للمسند يشير هنا إلى فكرة أخرى والتي تقف كموضوع، لكن في هذه الحالة الموضوع النهائي ليس فكرة ولكنه الحقيقي في العرض، وهذا هو ما ينسب إليه محتوى كلتا الفكرتين وعلاقتهما”، على سبيل المثال “هذا الطائر أصفر” يعد مثالًا نموذجيًا، ويتم استخدام المحتوى المثالي (طائر) حيث ربما بمساعدة إصبع التأشير لتحديد الشيء المعين الذي هو موضوع الحكم الخاص.

بالإضافة إلى الأحكام التحليلية للمعنى التي يتم فيها تقديم كائن حقيقي من خلال ما نسميه الآن وصفًا محددًا، هناك حالات أخرى يتم فيها استخدام اسم علم مثل: “محمد نائم”، حيث يُمنح الاسم (محمد) لمساعدتنا في التعرف على شخص معين، ويهاجم برادلي الرأي القائل بأنّ الاسم الصحيح له دلالة ولكن ليس له علاقة، فالاسم الصحيح هو علامة مرتبطة بما يشير إليه ولكن لم يتمكن المء من تحديد ما يشير إليه بدون بعض المحتوى الوصفي لمساعدة المرء في التعرف عليه.

فلسفة برادلي في الأحكام الاصطناعية من المعنى:

وهو القسم الثالث من الأحكام القاطعة في فلسفة برادلي، وهنا تسمح مناقشة الأسماء الصحيحة لبرادلي بالانتقال إلى فئة ثانية من الأحكام التركيبية الفردية للحكم المنطقي، حيث يقول: “الأسماء الصحيحة لها معنى يتجاوز دائمًا عرض اللحظة”، وباستخدام اسم الشخص نفترض وجودًا يتجاوز ما هو متاح في التجربة المباشرة، كما أنّ الواقع يظهر ولكنه يختلف عن مظهره.

في حكم المعنى التركيبي نقوم عمومًا ببعض التأكيدات حول ما يظهر في مكان أو وقت لا ندركه، ولكن كيف يمكن ذلك؟ وكذلك كيف يمكننا إصدار حكم على واقع ظهر في الماضي، أو سيظهر في المستقبل، أو الآن في الأفق، وإذا واجهنا الواقع فقط من خلال العرض في تجربة فورية؟

لا توجد فكرة يمكن أن تعبر عن تفرد اليوم الذي هو على سبيل المثال الثلاثاء الماضي، حيث يمكننا تشكيل فكرة لنوع معين من الأحداث، أي يمكننا تشكيل فكرة عن تاريخ شامل يتضمن سلسلة كبيرة من الأحداث كما يحلو للمرء، ولكن مثل هذه المحتويات المثالية لا يمكنها التقاط الماضي الفريد الذي حدث بالفعل والذي وحده يمكن أن يصنع الأفكار التي يشير إليها المرء في الماضي سواء كانت صحيحة أو خاطئة.

بالنسبة لفرانسيس هربرت برادلي يتطلب الحل تمييزًا حاسمًا بين (هذه) و (هذا)، حيث هذا اليوم فقط هو اليوم، كما أنّ أمس كان اليوم أمس، ولكنه لم يعد اليوم، وكذلك اليوم هو أيضًا يوم معين يختلف عن كل يوم وله تاريخه الخاص، وله موقعه الخاص في سلسلة من الأيام التي يتم خلالها ترتيب كل يوم بشكل صارم من خلال العلاقة السابقة واللاحقة، سلسلة الأيام هذه لا تتغير حتى عندما يتم تصورها في أوقات مختلفة.

لذلك فهو محتوى مثالي عالمي، حيث كل يوم ضمن السلسلة له خصوصية أو (هذا)، بعد ماك تاغارت (McTaggart) عُرفت السلسلة باسم (سلسلة B)، حيث يمكن ربط هذه السلسلة المثالية بالواقع، وفقط من خلال تحديد يوم معين بداخله بالواقع المعطى في التجربة الحالية والذي سيحول ذلك اليوم إلى (اليوم)، وبمجرد الانتهاء من ذلك فإنّ الأيام التي تلي اليوم بهذا التاريخ هي الأيام المستقبلية التي ستكون حقيقية، بينما الأيام التي تسبقها هي الأيام الماضية التي كانت حقيقية.

وهذا يقدم (سلسة A) من قبل ماك تاغرت (McTaggart) وذلك لشرح نظرية برادلي التي تم استخدام وحدة (اليوم)، على الرغم من أنّها لا تظهر في النص وتتضمن تبسيطًا مفرطًا، بحيث لا يمكننا تحديد يوم كامل مع حاضر التجربة المباشرة، ولكن من ناحية أخرى سيكون من الخطأ الكامل تحديد الحاضر الفوري بلحظة أو لحظة، وذلك متخيلًا إما كناتج نهائي للتقسيم اللانهائي لفترة زمنية أو كواجهة بين الفترات المتجاورة.

ونظرًا لأنّه لا يمكننا تقديم إشارة إلى ما حدث بالفعل في الماضي أو سيحدث حقًا في المستقبل يبدو أنّ الأحكام التركيبية للحس تتطلب من خلال إنشاء حتى المحتوى المثالي الأكثر تعقيدًا وشمولاً الذي يشكل تاريخًا لعالم محتمل، وكيف يتم إنجاز العمل الفذ؟

وهنا حل برادلي هو أنّه على الرغم من أنّ المرء لا يستطيع الوصول إلى الواقع إلّا من خلال نقطة اتصال في تجربة حالية فورية فإنّ الواقع لا يقتصر على ظهوره في تجربة المرء، ومشكلة المظهر والواقع ميتافيزيقية ويتطلب ذلك كتابا آخر، ولكن حتى على مستوى المنطق من الواضح أنّ هوية الواقع وما يظهر في التجربة ليست إلزامية.

فإذا كان يجب أن يكون الحقيقي هذا، فإنّه يجب أن يقابل المرء مباشرة، ولا يمكننا أن نستنتج أنّ: هذا الذي نتخذه هو كل شيء حقيقي، أو أنّه لا يوجد شيء حقيقي يتجاوز هذا، وأن تُعطى في التجربة ليس صفة من صفة الواقع، أي بمعنى أن يصمت الواقع ضمن تلك الصفة، كما أنّه يمكن أن يكون المحتوى المثالي صحيحًا لأنّه مبني على الواقع، وفريد ​​من نوعه لأنّه ثابت فيما يتعلق بالإدراك الفوري، ونظرًا لأنّ الإدراك الفوري قد ينطوي على تجربة تغيير، فقد يتم تجريد جزء من السلسلة الزمنية وتمديده إلى أجل غير مسمى من خلال عملية مثالية.

ولكن فيلسوفنا برادلي لديه خطوة أخرى ليقوم بها لتقديم فكرة حقيقة معينة وهي: “فكرة الخصوصية تنطوي على عنصرين، حيث يجب أولاً أن يكون لدينا محتوى مؤهل بـ “هذا”، ويجب أن نضيف إلى هذا المحتوى الفكرة العامة للإشارة إلى الواقع “، وبدون العنصر الثاني يكون لدينا أعضاء حصريون داخل السلسلة، ولكن المجموعة بأكملها ليست فريدة، ومن أجل التفرد المطلق نحتاج إلى ربط السلسلة بالعرض المباشر، وللتفكير في الغد قد نحتاج إلى محتوى مثالي عالمي لربطه به اليوم، لكن اليوم الذي نفكر فيه فريد من نوعه كما هو الحال اليوم.

المصدر: Bradley’s monist idealism, phil 43904, Jeff Speaks, August 29, 2007.THE PRINCIPLES OF LOGIC, Francis Herbert Bradley, Elibron Classics, LONDON KEGAN PAUL, TRENCH, & CO., I, PATERNOSTER SQUARE 1883.FRANCIS HERBERT BRADLEYAPPEARANCE AND REALITY A METAPHYSICAL ESSAYm F. H. BRADLEYm Second Edition (Revised), with an Appendix 1897. "F.H. Bradley’s Objections to the Ontological Proof"F. H. Bradley: Logic


شارك المقالة: