فلسفة بودان الطبيعية

اقرأ في هذا المقال


الطبيعة العالمية للمسرح (The Universae naturae theatrum) الذي نُشر في عام وفاته عام 1596، والذي يمكن اعتباره العرض الأكثر منهجية لرؤية الفيلسوف جان بودان للعالم، ويبقى أقل أعماله دراسة ولم تتم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، ويخبرنا بودان بنفسه أنّ المسرح قد كتب في عام 1590، وقد نُشرت الترجمة الفرنسية للعمل (Le Théâtre de la Nature universelle) في عام 1597.

فلسفة بودان في كتاب المسرح:

سعى بودان منذ بداية حياته المهنية إلى دراسة كل الأشياء بطريقة منهجية كبشرية وإلهية، والمسرح هو نقطة الذروة لفحص بودان المنهجي للأشياء وبالتالي فهو عمل ديني عميق، ويتحول بودان إلى دراسة الطبيعة من أجل معرفة الله بشكل أفضل.

اعتقد بودان أنّ الحروب الأهلية الفرنسية سببها على الأقل جزئيًا عدم رضا الله حيث كان الله يعاقب الفرنسيين على تنامي مشاعرهم اللادينية، ووُصِف المسرح بأنّه هجوم على هؤلاء الفلاسفة المتغطرسين الشرير أو علماء الطبيعة الذين يرغبون في شرح كل شيء دون الرجوع إلى الخالق والأب لكل شيء وهو الله، والله هو صاحب كل الأشياء الموجودة والتأمل في الطبيعة يقربنا إليه، وعلاوة على ذلك فإنّ التأمل في الطبيعة يجعلنا نحب الله من أجل الرعاية والصلاح اللذين يظهرهما لنا.

تمت كتابة المسرح في شكل حوار زائف حيث إنّه نقاش بين المخبر ميستاجوجوس وسائله ثيورس، ويبدأ العمل بنظرة عامة موجزة على النص حيث يشدد بودان على أهمية النظام لدراسة الأشياء، وهذا يمنحه الفرصة لانتقاد أرسطو الذي فشل في مناقشة الأمور بالترتيب الصحيح، ويجب مناقشة الأشياء الأبسط قبل الأشياء الأكثر تعقيدًا وبالتالي يجب مناقشة مسائل الفيزياء بعد الأشياء الميتافيزيقية.

يعد ترتيب جميع المواد التي يتم النظر فيها بترتيب مناسب -أبسط المفاهيم التي يجب دراستها أولاً والمفاهيم الصعبة لاحقًا- أحد الخصائص المميزة لإطار راميست للمعرفة كما لاحظ ماكراي، ويعتبر ماكراي أنّه جنبًا إلى جنب مع توزيع جامعة جوريس فإنّ مسرح بودان ربما يكون أكثر راميست دقة في أي من أعماله، فالهدفان الرئيسيان لبودان في الكتاب الأول للمسرح هما إثبات أنّ هناك مبدأ واحدًا فقط في الطبيعة وهو الله وأنّه هو الذي خلق هذا العالم وهو الذي يحكمه.

موضوعات كتاب المسرح:

تشمل الموضوعات الأخرى التي يناقشها بودان في:

1- الكتاب الأول المادة والشكل وأسباب الأشياء، وعلاوة على ذلك يؤخذ في الاعتبار الحركة والتوليد والفساد والنمو وكذلك الأمور المتعلقة بها: الزمان والمكان والفراغ والمحدودية واللانهائية.

2- في الكتاب الثاني يفحص بودان العناصر والنيازك والصخور والمعادن.

3- الكتاب الثالث عبارة عن مناقشة حول مواضيع طبيعة النباتات والحيوانات.

4- يحتوي الكتاب الرابع على عقيدة بودان عن الروح كما تمت مناقشة الملائكة في الكتاب الرابع.

5- يناقش الكتاب الأخير للمسرح الأجرام السماوية من حركتها الطبيعية والتناغم الرائع الموجود بينها وهيكل السماوات، ويشهد الكتاب الأخير على عداء بودان تجاه نظام مركزية الشمس لكوبرنيكوس.

مناهضة بودان الفرضيات الفيزيائية القديمة:

يعتمد بودان على كتابات بطليموس وأرسطو والكتاب المقدس في محاربة كوبرنيكوس، ويرفض فرضية كوبرنيكوس بشأن نظام مركزية الشمس على أساس أنّه يتعارض مع أدلة الحواس وسلطة الكتاب المقدس وغير متوافق مع فيزياء أرسطو، ووفقًا لتفسير حديث لبلير كان هدف بودان في كتابة المسرح هو أولاً وقبل كل شيء محاربة ثلاث افتراضات غير شريفة للفلسفة القديمة وهي:

1- خلود العالم.

2- ضرورة قوانين الطبيعة.

3- موت الروح.

ضد الخلود في العالم:

أحد الحلول للصراع بين الفلسفة الأرسطية عن خلود العالم والتفسير اليهودي المسيحي للخليقة، فلقد خلق الله العالم وبالتالي فهو ليس أبديًا وكان قد اقترحه توما الأكويني، ولقد جادل بأنّ العقل البشري وحده لا يمكنه إثبات ما إذا كان العالم أبديًا أم لا، ولا يمكن حل المشكلة إلّا من خلال مناشدة الإيمان والسلطة الكتابية، وتختلف حجة بودان عن حجة الأكويني.

يقدم بودان عرضًا عقلانيًا بأنّه لا شيء يمكن أن يكون أبديًا بطبيعته ويكون السبب الأول طوعيًا، ولكن السبب الأول للعالم طوعي، لذلك لا يمكن أن يكون العالم أبديًا بطبيعته لأنّ حالته تعتمد على قرار الآخرين وإرادتهم الحرة.

ضد الضرورة الطبيعية:

الاستنتاج الثاني مستمد من حرية إرادة الله اللامحدودة فليس فقط أنّه من المستحيل أن يكون العالم أبديًا، ولكن علاوة على ذلك يتم ترتيبه وفقًا لخطة إلهية، ووفقًا لبودان فإنّ الحكم الإلهي ذو شقين: العناية العادية حيث يتم اختيار القوانين التي تحكم الطبيعة في ظل ما يسمى بالظروف العادية من قبل الله، والعناية غير العادية حيث يكون الله قادرًا على تعليق هذه القوانين في أي وقت يختاره، وفي من أجل التدخل في العالم.

يقدم بودان التفسير التالي لوجود سمات الطبيعة الشريرة أو عديمة الفائدة على ما يبدو، ويبدأ بالقول أنّ كل شيء في الخليقة جيد والشر هو ببساطة عدم وجود الخير، وتتكرر هذه الفكرة نفسها في المفارقة، وثم حاول أن يوضح من خلال أمثلة مختلفة أنّه حتى الأشياء التي تبدو شريرة بطبيعتها تخدم غرضًا مفيدًا في خطة الله الحكيمة والجيدة.

خلود الروح:

إنّ مظاهرة بودان بخصوص خلود الروح مبنية على طبيعة الروح الوسيطة أي الروح جسدية وخالدة، ويعرّف بلير هذا الدليل على أنّه ربما يكون أكثر ابتكار بودان جديرًا بالملاحظة خروجًا مهمًا عن الحسابات القياسية أو الأرثوذكسية، ويكتب بلير أنّ بودان في محاربة موت الروح يتصرف ضد كل أشكال الفلسفة غير التقية أي ضد ابن رشد لإنكاره الخلود الشخصي للنفس، وضد بومبونازي لادعائه أنّ الفلسفة تظهر الروح على أنّها مميتة، وضد كل هؤلاء مثل بومبونازي أو حتى دونس سكوت الذين ينكرون الوضوح العقلاني لهذه العقيدة المركزية.

لكن بودان يسمي خصومه الأبيقوريين فقط مستخدمًا المصطلح للإشارة في البداية بشكل عام إلى أولئك الذين يشككون في خلود الروح، ثم بشكل أكثر تحديدًا أولئك الذين بالكاد أعلى من مستوى المتوحشين يعتبرون المتعة والألم مقياس الخير والشر ويؤمنون بالتوزيع العشوائي للذرات.

تستند حجة بودان الأولى لصالح خلود الروح إلى أدلة تجريبية تتعلق بقدرة الروح على العمل بشكل مستقل عن الجسد، فخلال تجارب النشوة كما نقلها العديد من الرجال المتعلمين تم الإبلاغ عن أنّ الروح قادر على السمع والشعور والفهم أثناء نقله مؤقتًا خارج الجسم الحي.

تتابع برهانان أخريان فأولاً يؤكد بودان أنّ المتطرفين دائمًا ما ينضم إليهم الوسطاء، وإنّ الانتقال من طرف إلى آخر يستلزم دائمًا المرور عبر كائن وسط وأنّه لا يوجد سوى طرفين متطرفين في العالم:

1- شكل منفصل تمامًا عن المادة أي الملائكة والشياطين.

2- شكل ملموسًا بالكامل لا ينفصل عن المادة إلّا عن طريق التدمير أي الأجسام الطبيعية.

بين هذين الطرفين يجب أن يكون هناك بالضرورة وسيط يربط بين الاثنين، وهذا الوسيط هو شكل منفصل عن المادة أو كما يقول بودان الروح.

يشارك البشر في كلا الطرفين ومع ذلك يشكلون كيانًا متميزًا عنهما، ووفقًا لوجهة النظر القياسية يرتبط الجسد المادي بالروح غير المادية، ولكن مظاهرة بودان لا تُبنى على هذا التمييز لأنّ الروح بالنسبة له خالدة وجسدية، ووفقًا لبلير يبني بودان نوعًا جديدًا من الفلسفة الطبيعية الذي يسعى إلى الجمع بين الدين والفلسفة، وهو مزيج من البحث الفلسفي المتعلق بالأسباب مع الاعتراف التقوى بالعناية الإلهية وعظمة الله.

على الرغم من أنّ بودان غالبًا ما يشير إلى الكتاب المقدس إلّا أنّه يذكرنا باستمرار بأهمية العقل والمنطق، طالما أننا لا نتعدى على حدود العقل، ويستخدم بودان الفيزياء لخدمة أهداف دينية والمبدأ الأساسي وراء استراتيجية بودان هو المبدأ الأوغسطيني الذي تبناه لاحقًا الأكويني في توليفه للعقل والإيمان، وهو أنّ الحقيقة واحدة وأنّ هناك بالفعل وحدة للمعرفة أي اتفاق ضروري بين الفلسفة والدين موجودان، وبالتالي فإنّ: “الفلسفة الطبيعية كتحقيق منطقي لا يمكنها أبدًا أن تتعارض مع الدين الحقيقي”.

المصدر: Jean Bodin (c. 1529—1596)Jean BodinBibliographie critique des &eeacute;ditions anciennes de J. Bodin, R. Crahay, M.-T. Isaac, and M.-T. Lenger, Gembloux: Académie royale de Belgique, 1992.Couzinet, Marie-Dominique, Bibliographie des écrivains français: Jean Bodin, Roma, Paris, Memini, 2001.Andrew, Edward, 2011, “Jean Bodin on Sovereignty”, Republics of Letters: A Journal for the Study of Knowledge, Politics, and the Arts.Aviles, Fernandez, Miguel, 1985, “La Censura Inquisitorial de Los seis libros de la Republica de Jean Bodin”, Hispania sacra.Barret-Kriegel, Blandine, 1985, “Jean Bodin, de l’empire à la souveraineté; de l’état de justice à l’état administratif”, Actes du colloque interdisciplinaire d’Angers (24–27 mai 1984).


شارك المقالة: