فلسفة ديفيدسون في قوانين الظواهر العلمية

اقرأ في هذا المقال


يزعم الفيلسوف دونالد ديفيدسون أنّه لا توجد قوانين حتمية صارمة يمكن على أساسها التنبؤ بالأحداث العقلية وتفسيرها، كماإنّه يرفض جميع القوانين الحتمية وغير المعيارية التي تربط بين الحالات العقلية والحالات الجسدية أو الحالات العقلية مع الحالات العقلية الأخرى، ويتعلق الدافع الآخر بمشكلة تحليل القوة التفسيرية لأسباب الوكيل لأفعاله، حيث إن زعم ​​ديفيدسون أنّ التفسير عن طريق الاستئناف للأسباب هو شكل من أشكال التفسير السببي لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لتفسير حقيقة أنّ لدينا العديد من الأسباب للتصرف بالطريقة التي فعلناها، ولكن واحد منهم فقط هو سبب تصرفنا بهذه الطريقة.

ديفيدسون والظواهر العقلية:

تعتمد حجة ديفيدسون القائلة بأنّ الظواهر العقلية لا يمكن استيعابها من خلال قوانين علمية حتمية صارمة لأنّها تُفهم عادةً على معالجته للاتجاهات الافتراضية، أو مواقف الأمل في ذلك أو الخوف من ذلك أو الاعتقاد بأنّ (p) حيث (p) هي بعض الافتراضات، ويقول ديفيدسون إنّ المواقف الافتراضية لها سمات معينة تميزها عن الحالات والأحداث المادية، وبالنسبة إلى ديفيدسون لا يوجد واقع عقلي أساسي يمكننا دراسة قوانينه بشكل تجريدي من المنظورين المعياري والشامل للتفسير.

تسترشد نظرية ديفيدسون في المواقف الافتتاحية بالاستنتاجات المستخلصة من مشروع التفسير الراديكالي وهو مشروع بدأه الفيلسوف الأمريكي ويلارد فان أورمان كوين مدرس ديفيدسون، وتحدى كواين مبدأين أساسيين من الوضعية المنطقية وهما: الاختزالية والتمييز التحليلي أو التركيبي، وعلى خطى كوين ألغى ديفيدسون ما يعتبره العقيدة الثالثة والأخيرة للتجربة وهي عقيدة ثنائية المخطط والواقع.

لا قوانين نفسية فيزيائية:

يدرك ديفيدسون تمامًا حقيقة أنّ الشمولية والاعتماد المتبادل أمر شائع في النظرية الفيزيائية، وفي النظرية الفيزيائية فإنّ الحقائق المسبقة مثل عبور (أطول من) هي التي تجعل القياسات الفيزيائية ممكنة، وهكذا فإنّ العالم المادي يتميز أيضًا بالقوانين المسبقة التي تشكل مفهومنا عن المادي، وما يفصل بين العوالم العقلية والجسدية هو الالتزامات المتباينة لكل مجال، والعقلانية والمبادئ المعيارية الحاكمة هي خصائص أساسية للعقل، وبالتالي فإنّ غياب العقلانية والمبادئ المعيارية هو سمة من سمات المادية.

إذا كانت هناك قوانين تجسير فسنجد للأسف أنّ خصائص العقلية التي ليس لها صدى في النظرية الفيزيائية ستنتقل إلى المادية والعكس صحيح، ففي أحد السيناريوهات سيتعين علينا تطبيق مبدأ العمل الخيري مع قاعدة تعظيم الترابط والعقلانية على المادية، والتي وفقًا لديفيدسون من الواضح أنّها سخيفة.

ومن السيناريوهات الأخرى سيكون لدينا المبادئ التي تحكم إسناد العقلية يتم استباقها من خلال القيود المادية فقط، ويحدث هذا للسبب التالي: حيث إذا كانت هناك قوانين تجسير من النوع (BL)، فإنّ الحالات العصبية للدماغ ستكون مترابطة اسميًا مع حالات مقصودة معينة، ولكن الحالات العصبية (كونها حالات نظرية فيزيائية) تحكمها شروط الإسناد التي تنظمها بدورها القواعد التأسيسية للنظرية الفيزيائية، وبالتالي يتم تجاهل القواعد التأسيسية للعقلية في هذا السيناريو.

يخلص ديفيدسون إلى أنّه لا توجد قوانين نفسية فيزيائية صارمة بسبب الالتزامات المتباينة للمخططات العقلية والجسدية، ومن سمات الواقع المادي أنّ التغيير المادي يمكن تفسيره من خلال القوانين التي تربطه بالتغييرات والظروف الأخرى الموصوفة جسديًا، ومن السمات العقلية أنّ إسناد الظواهر العقلية يجب أن يكون مسؤولاً عن خلفية أسباب ومعتقدات ونوايا الفرد، ولا يمكن أن تكون هناك روابط قوية بين العوالم إذا كان لكل منها الاحتفاظ بالولاء لمصدر الأدلة الصحيح.

من المهم أن يلاحظ ديفيدسون أنّ للعقل قوانينه الخاصة على سبيل المثال قوانين اتخاذ القرار العقلاني، حيث إنّ الاختلاف الجوهري بين هذه القوانين والقوانين التي يمكن اعتبارها نفسية فيزيائية هو الفرق بين الطابع المعياري للأول والقوة التنبؤية للأخيرة، وعندما ينكر شذوذ العقل وجود قوانين نفسية فيزيائية ونفسية، فإنّ معنى القانون يؤخذ على أنّه يتضمن تنبؤات وتفسيرات اسمية صارمة للسلوك، وبالتالي فإنّ القوانين المعيارية متوافقة تمامًا مع شذوذ الذهن، والسؤال المثير للاهتمام هو ما إذا كان مفهوم ديفيدسون لما يشكل قانونًا له ميزة أم لا؟

لا قوانين نفسية:

يتكون الادعاء من شذوذ العقلي من مطالبتين فرعيتين حيث دعم الادعاء بعدم وجود قوانين نفسية فيزيائية، ويدافع ديفيدسون أيضًا عن الادعاء بأنّه لا يمكن أن تكون هناك قوانين نفسية دقيقة، أي أنّه لا توجد قوانين دقيقة تربط الحالات والأحداث العقلية بالحالات والأحداث العقلية الأخرى، ويمكن العثور على حجة هذا الادعاء في علم النفس كفلسفة.

كما يوحي العنوان يعتزم ديفيدسون مقارنة الادعاء بأنّ علم النفس يشبه الفلسفة إلى حد كبير مع الادعاء بأنّها أقرب إلى العلم ثم دحض الادعاء الأخير، ونقطة واحدة تستحق اهتمامًا خاصًا قبل الشروع في تفسير حجة ديفيدسون ضد القوانين النفسية، والأفعال على الرغم من أنّها جسدية لا يمكن إنكارها بموجب بعض الأوصاف وتعتبر عقلية من قبل ديفيدسون، وهذا لأنّه عندما نذكر أي فعل يقوم به شخص ما مقابل مجرد وصف للحركة الجسدية التي يمر بها جسده، فإننا نساهم في تفسيره والتفسير كما يبدو يسترشد بقيود معيارية معينة، وبالتالي فإنّ القوانين التي يمكن أن تربط الحالات العقلية للعامل بأفعاله تعتبر قوانين نفسية.

يمكن العثور على جوهر الحجة ضد القوانين النفسية في أحد المقاطع التي توضح بأنّه من الخطأ مقارنة الحقائق البديهية مثل: “إذا أراد الرجل أن يأكل عجة بلوط، فإنه سيفعل ذلك عمومًا إذا كانت هناك فرصة ولا توجد رغبة أخرى تتخطى”، ومع قانون يوضح مدى سرعة سقوط الجسم في الفراغ، كما إنّه خطأ لأنّه في الحالة الأخيرة وليس الأولى يمكننا أن نقول مقدمًا ما إذا كان الشرط صحيحًا، ونعرف ما هو البدل الذي يجب منحه إذا لم يكن كذلك.

فإذا كانت الحقيقة السابقة قانونًا نفسيًا ثم للحصول على سابقة فإنّه يجب على الوكيل أن يأكل عجة البلوط، ولكن معرفتنا برغبات الفاعل تعتمد بشكل حاسم على نسبنا للحالات العقلية الأخرى إليه أو إليها، بالإضافة إلى ذلك فإنّ معرفة تصرفه بعد رغبته سيساعدنا في تفسير ما إذا كان الوكيل لديه الرغبة في المقام الأول، وهكذا فإنّ كلاً من سابق القانون النفسي المفترض وما يترتب عليه يرتبطان ببعضهما البعض من خلال شمولية التفسير.

ما نحتاجه في حالة الفعل إذا أردنا التنبؤ على أساس الرغبات والمعتقدات هو حساب كمي يجمع كل المعتقدات والرغبات ذات الصلة في الصورة، وليس هناك أمل في تنقيح النمط البسيط للتفسير على أساس الأسباب في مثل هذا الحساب، وبما أنّه لا يوجد مثل هذا الأمل فإنّ أي تعميم نفسي يزعم أنّه قانون يجب أن يعتمد على بنود هروب سخية مثل جملة: “إذا لم تكن هناك رغبة أخرى تبطل” مع ثبات العوامل الأخرى وما إلى ذلك، وتملي ضرورة مثل هذه البنود الآمنة من خلال حقيقة أنّه بالنسبة لديفيدسون لا يوجد واقع عقلي أساسي يمكننا دراسة قوانينه بشكل تجريدي من المنظورات المعيارية والشاملة للتفسير.

المصدر: Donald Herbert Davidson: Mind and ActionDonald DavidsonDonald Davidson (philosopher)Essays on Actions and Events. Oxford: Oxford University Press, 1980.Inquiries into Truth and Interpretation. Oxford: Oxford University Press, 1984.Subjective, Intersubjective, Objective. Oxford: Oxford University Press, 2001.


شارك المقالة: