فلسفة كودوورث في علم الوجود

اقرأ في هذا المقال


علم الوجود للفيلسوف رالف كودوورث هو التركيز الأساسي للنظام الحقيقي، حيث يبدأها بجمع كل الأشكال المختلفة للإلحاد ويختصرها إلى نوعين عامين، وكل منهما مؤسس على شكل مختلف من المادية.

ضرورة الازدواجية:

إنّ النوع الأول من النظام الحقيقي للفلسفة الوجودية لدى كودوورث هو المذهب الذري من حيث إنّها ترى أنّ المادة تتكون من جسيمات فردية وكل منها غير قادر على بدء الحركة بنفسه، ويسمي كودوورث المادية الستراتونية الأخرى بعد ستراتو لامبساكوس المدير الثالث لمدرسة ليسيوم، وإنّه يسمح للمادة ببدء الفعل بدعوى أنّ الكون هو كيان واحد ومنظم ذاتيًا ولكنه كيان غير واعي، وتماشيًا مع معتقداته اللاتينية فإنّ كودوورث على استعداد لتبني كل من هذه النظريات إلى حد ما.

لكن يعرّف كودوورث المادة بأنّها غير واعية بالضرورة، وبما أنّ الكون نشط والنظام المنطقي للكون يعني لكودوورث وجود عقل منطقي أبدي، فإنّه يبدو واضحًا أنّ المادة لا يمكن أن تفسر الكون بأكمله، ويعالج كودوورث ويرفض احتمال أنّ الوعي يأتي إلى الوجود بصفته خاصية ناشئة.

ونقلاً عن العقيدة الأفلاطونية الحديثة القائلة بأنّ: “التأثير لا يمكن أن يكون متفوقًا على سببه”، والمبدأ المنطقي القائل بأنّ: “لا شيء يأتي من لا شيء”، فيجادل كودوورث بأنّه من الواضح أنّه سخيف ومن المفارقات أنّ مثل هذه الأشياء تأتي من مادة لا تُظهر نفسها أي إمكانية لأي من الممتلكات، ولذلك فإنّ أيًا من خطي الفكر ينحرف عندما يؤدي إلى المادية والإلحاد.

المادية الذرية:

يدعم كودوورث مفهوم أنّ المادة مصنوعة من جزيئات ذرية، ولكنه يرى أنّ هذا الاعتقاد والإلحاد غير متوافقين بشكل أساسي، وبالنسبة له المادة هي في الأساس كيان سلبي، ولذلك فإنّ الحركة الذرية التي تمثل جميع الإجراءات الميكانيكية هي كرد فعل لمحفز خارجي، ولكن هذا الحافز لا يمكن أن يكون ماديًا وإلّا فقد تركنا مع حلقة مفرغة.

باتباع حجة توما الأكويني الكونية فإنّه لا يمكن كسر هذه الحلقة إلّا من خلال وجود محرك غير متأثر يعمل في مكان ما في التاريخ السببي لحدث ما، وفقط الله لديه مثل هذه السيرة الذاتية، وهكذا يستنتج كودوورث بأنّه يجب ألّا يكون علماء الذرة ماديين، ويجب أن يكونوا ثنائيين يؤمنون بإله أزلي إذا أرادوا أن يكونوا متسقين منطقيًا.

بعد أن أثبت هذا بما يرضيه يتحول كودوورث إلى صناعة الأساطير، وقدم تاريخًا للنظرية الذرية شاركه مع صديقه زميل كامبريدج الأفلاطوني هنري مور، وهو يدعي أنّ ديموقريطوس لم يكن أول عالم ذري ولكنه كان مجرد أول ملحد، حيث في الواقع كان موسى يدرس المذهب الذري وقد أتى به فيثاغورس إلى اليونان، ومن المفترض أنّه تم نقله إلى أفلاطون وأرسطو وبلوتارخ وآخرين، ومن الواضح أنّ ليوكيبوس وديموقريطس أخذوا هذه الفلسفة الأصلية وأفسداها إلى الإلحاد.

المادية الستراتونية:

المادية الستراتونية هي نوع مختلف من عضوية أفلاطون، كما إنّها تتفق مع أفلاطون على أنّ الكون هو كيان واحد ومنظم ذاتيًا، ولكنه ينص على أنّ هذا المبدأ هو كلي اللاوعي والمادي، وبدلاً من ذلك يمنح الأمر القدرة على بدء العمل.

يرفض كودوورث هذا التكيف لأفلاطون، فبالنسبة له من المستحيل على كيان ما أن يعمل بطريقة منطقية ومنظمة، بدون تنظيم الجواهر لتحديد ما هو المنطق والنظام ونوع من الوعي للوصول إلى هذه المبادئ، وهناك أنماط واضحة ويمكن التنبؤ بها منطقيًا في الأشياء وأفعال الكون، ولذلك المنطق والجواهر موجودان.

لكن الجواهر هي ظواهر عقل الله ولا توجد في أي مكان آخر، ولذلك يجب أن يكون هناك أكثر من مجرد مادة ناشطة في الكون، ويجب أن يكون هناك إله ويجب أن يكون للمادة صلة ما بالله لكي تعمل وفقًا للجواهر وهي ظواهر عقلية، كما يجب أن يكون هناك نوع من الرابط بين المادة والروح، وهذا الرابط في الواقع سيربط الكون بمعنى ما في كيان واحد ولكن ليس على المستوى المادي البحت للذرات.

طبيعة البلاستيك:

يعتقد كودوورث أنّ هذا الاتصال يتم توفيره من خلال شكل من أشكال روح العالم، ولقد وجد سلطة قديمة لدعم هذا المفهوم ونجاحًا أكبر بكثير مما فعل في الإشارة إلى الذرية، ومن الواضح أنّ قوة الانضباط هذه مرتبطة بالروح العالمية الموصوفة في أفلاطون تيماوس وفي التقليد الرواقي، وهو أيضًا تفسير لأرضية أفلوطين الثالث، وإنّ روح العالم هذه تربط الكون بالفعل في كيان واحد ولكن ليس من خلال مجرد مادة.

ومع ذلك كان التأثير الأكبر وراء تصور كودوورث لهذه القوة هو هنري مور، وفي الأصل من أتباع رينيه ديكارت عارض المزيد في النهاية الأنطولوجيا الديكارتية وذلك لأنّه بسبب النفور الأفلاطوني العام للآلية، ولاستبدال هذه النظرية طور مفهومه عن الروح الطبيعية أو المبدأ الهيلي، وتتبع هذا المبدأ التاريخ السببي للأحداث من خلال تفاعل المادة مع الروح بدلاً من التفاعلات بين مادتين أو أكثر من الأشياء المادية مع الحفاظ على السببية الحتمية للأحداث المادية، وأخذ كودوورث هذه الفكرة وأطلق عليها الطبيعة البلاستيكية.

كما اقترح المزيد أنّ المادة والروح كلاهما موجودان في الفضاء، وعندما تتعايش ذرة من المادة مع الروح في نفس الفضاء فإنّها تصبح ملزمة بقانون القدر والنتيجة هي الطبيعة البلاستيكية، وعندما يتحرك العنصر الروحي النشط للبلاستيك وفقًا لمنطق الجواهر فإنّه يحمل ذرة المادة السلبية التي غلفها معه مما يؤدي إلى حدث مادي.

هذا التراكب يجعل العنصر الروحي للطبيعة البلاستيكية غير واعي، وحركته ليست تداولية ولكنها مماثلة لنظام الجسم اللاإرادي، ومع ذلك يتم تحديد جميع الأعمال الروحية من خلال مبادئ منطقية، ولذا فإنّ أنشطة الطبيعة البلاستيكية عقلانية ومصممة وقابلة للتنبؤ من خلال ممارسة العقل، ويسمح هذا للحيوانات والنباتات والطبيعة غير الحية بالتصرف بطريقة منظمة على الرغم من افتقار الثلاثة إلى الذكاء الأصلي.

ومع ذلك فإنّ النطاق الكامل للجواهر لا يمكن إدراكه أو تفعيله بواسطة هجين لا واعي مثل الطبيعة البلاستيكية، وبعضها مثل المبادئ العقلانية التي تنطوي على معايير أخلاقية دقيقة للغاية، ولذلك تعمل الطبيعة البلاستيكية أحيانًا بطريقة غير أخلاقية أو حتى مدمرة للذات كما هو الحال عندما تبحث العثة عن الشمس وتطير في اللهب، أو المطر يسقط على العادل والظالم على حد سواء.

قد يكون الله على علم بسقوط كل عصفور ولكنه لا يحتاج إلى التآمر المباشر في هذا الحدث، ولا داعي لأن يكون مسؤولاً عن موت العث ولا عن ديمقراطية الطقس، وتُنسب مثل هذه الأحداث إلى النظام اللاإرادي للكون والذي يعمل وفقًا لفهم فظ للنظام المنطقي الحقيقي الموجود في عقل الله، ويتطلب التأمل في هذا النظام الحقيقي استخدام عقل واعي تمامًا دون تلوث مادي.

المصدر: Ralph Cudworth (1617—1688)Ralph CudworthCudworth, Ralph, Three Treatises on “Liberty and Necessity”, London, British Library, Additional MSS 4978–4982.Cragg, Gerald R. (ed.) 1968. The Cambridge Platonists. Oxford.Birch, Thomas “An Account of the Life and Writings of R. Cudworth, D.D.” in Cudworth, Works, 4 vols. (Oxford, 1829), 1, 7-37.


شارك المقالة: