فلسفة مور في الطبيعة الأخلاقية والقيمة الجوهرية

اقرأ في هذا المقال


الإنجاز الرئيسي لفترة جورج إدوارد مور المبكرة هو كتابه المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica)، والذي نُشر في عام 1903 ولكنه كان تتويجًا للأفكار التي بدأها مور في أطروحته عام 1897 حول (الأساس الميتافيزيقيللأخلاق).

لكن الدافع الرئيسي جاء من سلسلة محاضرات في لندن حول (عناصر الأخلاق) التي ألقاها مور في أواخر عام 1898، وقد كتب مور نص هذه المحاضرات بهدف نشرها ولكن مع تقدم أفكاره أعاد صياغة نصه وأصبح المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica)، ونتيجة لإعادة العمل هذه نُشرت المحاضرات مؤخرًا باسم عناصر الأخلاق (The Elements of Ethics)، والتي تأتي معظم الفصول الثلاثة الأولى من محاضرات 1898، في حين أنّ الفصول الثلاثة الأخيرة هي مادة جديدة إلى حد كبير.

فلسفة مور في الطبيعة الأخلاقية:

في الفصول الثلاثة الأولى حدد مور انتقاداته لـ (الطبيعة الأخلاقية)، حيث يكمن جوهر هذه الانتقادات في فرضية أنّ الموقف ينطوي على مغالطة وهي المغالطة الطبيعية المتمثلة في افتراض أنّ الخير الذي يعتبره مور القيمة الأخلاقية الأساسية يمكن تعريفه بمصطلحات طبيعية، على سبيل المثال من المتعة أو الرغبة أو مسار التطور.

في مقابل كل هذه الادعاءات يصر مور على أنّ الخير لا يمكن تحديده أو غير قابل للتحليل، وبالتالي فإنّ الأخلاق هي علم مستقل غير قابل للاختزال في العلوم الطبيعية أو في الواقع للميتافيزيقا.

وحجة مور الرئيسية ضد إمكانية أي تعريف من هذا القبيل للخير هي أنّه عندما نواجه تعريفًا مفترضًا، مثل أن يكون الخير يعني أن نكون شيئًا نرغب فيه، فإنّه يمكننا القول أنّ هذا ليس ادعاءً صحيحًا من خلال التعريف لأنّ حقيقته تظل بالنسبة لنا سؤالًا مفتوحًا، بمعنى أنّه يظل من المعقول الشك فيه بطريقة لن تكون ممكنة إذا كان مجرد تعريف يوضح فهمنا للكلمات بوضوح.

إن مزايا هذه الحجة مشكوك فيها، وفي كثير من الحالات يمكننا أن نشك بشكل منطقي في حقيقة التعريف خاصةً عندما يستخدم التعريف اكتشافات لم تكن جزءًا من فهمنا العادي، كما هو الحال عادةً مع التعريفات في العلوم الطبيعية.

مفهوم القيمة الجوهرية في فلسفة مور:

هناك على ما يُعتقد طريقة لتعديل حجة مور التي تأخذها بالاعتراض حول حقيقة التعريف، أي من خلال اعتمادها على النظرية المعرفية القائلة بأنّ الأسئلة الأخلاقية لا يمكن الإجابة عليها دون المشاركة الصريحة للمعتقدات الأخلاقية.

السبب في هذا أنّ هذه الأطروحة معادية للتعريفات الطبيعية للقيم الأخلاقية هو أنّ التعاريف تلعب دورًا مهمًا في العلوم الطبيعية وأماكن أخرى، وهو أنّها تمكن المرء من الإجابة على الأسئلة بطرق جديدة لم تكن ممكنة لولا ذلك مثل إنّه بفضل التعريف الماء بـ (H2O)، وليس من حيث النمط الظاهري المألوف يمكننا أن نكون واثقين من أنّ بعض المذنبات (وهي نجوم ذات ذيل) تتكون أساسًا من الماء.

ولكن لا توجد طريقة يمكننا من خلالها قبول أنّ الإجابة على سؤال أخلاقي جديد، على سبيل المثال فيما يتعلق بقبول استخدام الأجنة البشرية في أبحاث الخلايا الجذعية، يمكن العثور عليها من خلال إيجاد تعريف للقيم الأخلاقية التي تمكننا من الإجابة على هذا السؤال دون الاعتماد على المعتقدات التي يتم التعبير عنها باستخدام النمط الظاهري الأخلاقي المألوف، أي المفاهيم الأخلاقية الصريحة.

لا يعالج هذا الدفاع عن حجة مور مصدر قلق مختلف أي أنّ الحجة تنطبق فقط على إصدارات المذهب الطبيعي الأخلاقي التي تتضمن تعريفًا للقيمة الأخلاقية، وبالتالي فإنّ المواقف الطبيعية التي تؤكد أنّ القيمة الأخلاقية هي خاصية طبيعية غير قابلة للاختزال لا تتأثر بها الحجة.

حيث تستند حجة مور ضد المواقف من هذا النوع إلى الادعاء بأنّ القيمة الأخلاقية للموقف ليست سمة منه مستقلة عن خصائصه الأخرى، وعلى العكس من ذلك فإنّه يعتمد على خصائصه الأخرى، وكما وضعه في المقدمة التي ألفها للطبعة الثانية من المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) ولكنه لم يُنشر في الواقع.

وتعتمد القيمة الجوهرية لشيء ما على طبيعته الجوهرية، وهو يتجاهل هذا الاعتماد من حيث العلاقة التي تُسمى الآن الفوقية على الرغم من أنّ مور لا يستخدم المصطلح، حيث الأشياء التي لها نفس الطبيعة الجوهرية أو الخصائص الطبيعية يجب أن يكون لها نفس القيمة الجوهرية.

اعتبر مور أنّ العلاقة الفوقية ليست علاقة اختزالية بطبيعتها، وبالتالي كان من المتسق بالنسبة له أن يتمسك بأنّ الخير ليس خاصية طبيعية على الرغم من أنّها تتفوق على الخصائص الطبيعية، ولكنه افترض أنّه إذا أخذ المرء بوجهة نظر مفادها أنّ الخير بحد ذاته خاصية طبيعية، فإنّ حقيقة أنّه يتفوق على الخصائص الطبيعية الأخرى تجعل من المستحيل تجنب الأطروحة الاختزالية، ولذا فإنّ تجاوز القيمة الجوهرية يزيل خيار الطبيعة غير المختزلة دون أن يتعارض مع نسخته من اللا طبيعية الأخلاقية.

مفهوم القيمة كجزء في فلسفة مور:

نظرية مور في مفهوم القيمة الجوهرية يعتمد على التمييز بين القيمة الجوهرية للموقف وقيمته الأداتية (بمعنى المفيدة)، حيث هذا هو التمييز بين القيمة المتأصلة في الموقف وتلك التي تعتمد فقط على عواقب الموقف.

على الرغم من هذا التمييز لا تزال الحالة هي أنّ القيمة الجوهرية هي النوع الأساسي للقيمة الأخلاقية، ونظرًا لأنّ القيمة الأداتية يمكن تحديدها من حيث القيمة الجوهرية لعواقب الموقف، ولكن القيمة الجوهرية ليست مجرد قيمة غير أدائية لأنّه يجب أيضًا تمييزها عن ما يسميه مور (القيمة كجزء) من الموقف، أي المساهمة الإضافية التي يقدمها الموقف لقيمة الوضع المعقد الذي يعتبر جزءًا منه، بالإضافة إلى القيمة الجوهرية.

هذا ليس مفهومًا مألوفًا بين الأفراد ولكن مور يوضح النقطة من خلال الحالة التالية، حيث على الرغم من أنّ المعرفة لها القليل من القيمة الجوهرية، فإنّ قيمة التقدير الجمالي لعمل فني جميل، والتي وفقًا لمور من المحتمل أن تكون واحدة من الأشياء الأكثر قيمة هناك، وتتعزز بشكل كبير من خلال المعرفة عنها.

لذلك يمكن أن يكون لهذا النوع من المعرفة (قيمة كجزء) جوهرية على الرغم من أنّها قليلة القيمة الجوهرية، كما كان من قبل تظل القيمة الجوهرية هي المفهوم الأساسي للقيمة حيث يتم تعريف قيمة الموقف كجزء من حيث القيمة الجوهرية الشاملة للموقف المعقد الذي يساهم فيه بما يتجاوز قيمته الجوهرية.

ومع ذلك تشير هذه النقطة إلى أنّ القيمة الجوهرية لشيء ما ليست مجرد قيمته بغض النظر عن عواقبه، حيث إنّها أيضًا قيمتها بغض النظر عن سياقها، ومن ثم فإنّ مفهوم القيمة الجوهرية هو أن يكون نوعًا من المواقف له نفس القيمة الجوهرية في جميع السياقات، وهذا هو السبب في أنّ مور يرى أنّ قيمته الجوهرية تعتمد فقط على طبيعته الجوهرية.

تحديات مفهوم القيمة كجزء:

هناك مشكلتان متصلتان وهما:

1- الأولى تتعلق بالطريقة التي تعتمد بها (قيمة كجزء) على شيء ما على قبول أنّه عندما يحدث كعنصر في موقف معقد، فإنّه قد يؤثر على قيمة الأخير بطريقة ليست مجرد نتيجة من أخذ قيمتها الجوهرية في الاعتبار.

تم تكريس هذا الحكم من قبل مور في (مبدأه للوحدات العضوية) والذي يعلن أنّ هذا النوع من التقييم غير التجميعي للحالات المعقدة يمكن أن يحدث، ولا تكمن المشكلة هنا في أنّ مبدأ مور غير صحيح بل بالأحرى أنّه يبدو غير منطقي لأنّه يضع حجرًا على التفكير الأخلاقي.

2- تتعلق المشكلة الثانية بالأطروحة القائلة بأنّ القيمة الجوهرية هي نفسها في جميع السياقات، لأنّ هذا يبدو خاطئًا من حيث أنّ قيمة الصداقة على سبيل المثال تختلف من سياق إلى آخر، وعلى الرغم من أنّ الصداقة كما يقول مور بحق هي عادة واحدة من أكثر الأشياء قيمة إلّا أنّها لا قيمة لها على الإطلاق عندما تكون ادعاءات العدالة على المحك كما هو الحال في المحاكم.

لذا يجب استبدال مفهوم مور للقيم الجوهرية العالمية المطلقة بمفهوم يسمح بوضع أقواس للقيم العادية في سياقات معينة، وبمجرد أن يتم ذلك فإنّه إلى جانب تفسير أكثر تعقيدًا للقيم المعيارية مما يقدمه مور فمن المنطقي أن نأمل في أن تجد الظواهر التي تم التقاطها بواسطة مبدأ مور اللاعقلاني للوحدات العضوية تفسيرًا أكثر شمولاً.

المصدر: G. E. Moore – A Defence of Common SenseG.E. Moore’s Principia Ethica and the Complex of Architecture G.E. Moore, “Certainty”Chapter I: The Subject¬Matter of EthicsETHICS G. E. MOORE, HUMPHREY MILFORD OXFORD UNIVERSITY PRESS LONDON, NEW YORK, TORONTO, First published in 1912 and reprinted in 1925 (twice), 1927, 1928, 1930, 1936, 1939, 1944 and 1945.Philosophical Stiidies By G. E. MOORE, Litt.D. Hen. LL.D. fit. Andrew's, F.B.A. Lidurtr in Moral Science in the L'nrreisitv of Cambridge Author, NEW YORK HARCOURT, BRACE & CO. INC LONDON; KEGAN PAUL, TRENCH, TRUBNER & CO., LTD 1922.George Edward Moore


شارك المقالة: