فلسفة ميل في السعادة والمتعة العليا

اقرأ في هذا المقال


يختلف ميل مع الراديكاليين حول طبيعة السعادة، على الرغم من أنّه لم يتخلى أبدًا عن التقاليد النفعية للراديكاليين، إلّا أنّ ميل يعدل افتراضاتهم حول السعادة، ويشرح التزامه بالنفعية في وقت مبكر من الفصل الثاني من النفعية.

فلسفة ميل في مبدأ التناسب:

“إنّ العقيدة التي تقبل المنفعة أو مبدأ السعادة الأعظم كأساس للأخلاق تنص على أنّ الأفعال صحيحة في التناسب لأنّها تميل إلى تعزيز السعادة، بحيث أنّها خاطئة لأنّها تميل إلى إنتاج عكس السعادة، فالسعادة تعني اللذة وغياب الألم، بينما بالتعاسة والألم والحرمان من اللذة”.

يُطلق على هذا المقطع الشهير أحيانًا اسم (مبدأ التناسب) ويبدو مثل بنثام، كما يبدو أنّ الجملة الأولى تؤيد النفعية، بينما يبدو أنّ الجملة الثانية تؤيد مفهوم المتعة عن النفعية.

تشير مذهب المتعة إلى أنّ الحالة العقلية للمتعة هي الشيء الوحيد الذي له قيمة جوهرية (والحالة العقلية للألم هي الشر الجوهري الوحيد)، وكل الأشياء الأخرى لها قيمة خارجية فقط، حيث لديهم قيمة فقط من حيث أنّهم يجلبون بشكل فوري أو مباشر قيمة جوهرية أو عدم قيمة، ويترتب على ذلك أنّ الأفعال والأنشطة وما إلى ذلك لا يمكن أن يكون لها سوى قيمة خارجية.

ويبدو أنّ قيمتها يجب أن تعتمد كليًا على كمية المتعة التي تنتجها، حيث تكون الكمية دالة على عدد الملذات وحدتها والمدة الزمنية، وهذا يعني أنّ نوعًا من النشاط أو السعي لا يكون في جوهره أفضل من الآخر، وإذا كنا نقدر واحدًا بشكل صحيح أكثر من الآخر فلا بد أنّ ذلك يرجع إلى أنّ الأول ينتج عددًا أكبر من الملذات أو مكثفًا أو دائمًا أكثر من الآخر.

يقلق ميل من أنّ البعض سيرفض مذهب المتعة كنظرية للقيمة أو السعادة لا تصلح إلا للخنازير، على وجه الخصوص فهو قلق من أنّ المعارضين سيفترضون أنّ النفعية تفضل الملاحقات الحسية أو الشعورية (على سبيل المثال الدبوس) على المساعي العليا أو النبيلة (مثل الشعر)، ويحاول ميل طمأنة القراء بأنّ النفعي يمكنه وسوف يدافع عن تفوق الملذات العليا.

الفيلسوف بنثام وتفسير الملذات العليا لدى ميل:

يبدأ بالإشارة مع إشارة واضحة إلى حد ما إلى بنثام أنّ المتعه يمكن أن يدافع عن الملاحقات العليا باعتبارها متفوقة من الخارج على الأرض التي تنتج المزيد من المتعة، بينما يعتقد ميل أنّ البنثاميت يمكن أن يدافع عن التفوق الخارجي للمتعة الأعلى فإنّه لا يكتفي بهذا الدفاع عن تفوقهم، ويصر ميل على أنّ القيمة الأكبر للملذات الفكرية يمكن ويجب أن توضع على أساس أكثر أمانًا، ويشرح هذه الملذات العليا ويربطها بما يفضله القاضي المختص بالطريقة التالية:

“إذا سئلت عما أعنيه باختلاف الجودة في الملذات، أو ما الذي يجعل متعة واحدة أكثر قيمة من غيرها، لمجرد كونها متعة باستثناء كونها أكبر من حيث الكمية فهناك إجابة واحدة ممكنة، وإذا كان أحدهما من قبل أولئك الذين هم على دراية بهما بكفاءة وقد تم وضعه بعيدًا عن الآخر لدرجة أنّهم يفضلونه، على الرغم من معرفة أنّه يحضر مع قدر أكبر من السخط ولن يستقيل منه لأي كمية من والمتعة الأخرى التي تستطيع طبيعتها تحقيقها، ويحق لنا أن ننسب للمتعة المفضلة تفوقًا في الجودة يفوق الكمية حتى الآن لجعلها بالمقارنة ذات حساب صغير”.

في الواقع يبدو أنّ ميل يدعي هنا ليس فقط أنّ الملذات الأعلى هي في جوهرها أكثر قيمة من الملذات الدنيا، بل إنّها أفضل بشكل متقطع.

هذا بالتأكيد يتجاوز مذهب المتعة الكمي لدى بنثام، وفي الواقع ليس من الواضح حتى ما إذا كانت عقيدة ميل الملذات السامية تتفق مع مذهب المتعة، ومن الصعب تحديد موقف ميل هنا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّه يستخدم مصطلح (متعة) للإشارة أحيانًا إلى:

  1. نوع معين من الحالة العقلية أو الإحساس، ومن الممكن أن نسمي هذه الملذات من النوع ملذات ذاتية.
  2. في أوقات أخرى للإشارة إلى العناصر غير العقلية مثل كأفعال وأنشطة وملاحقات تؤدي أو يمكن أن تسبب حالات ذهنية ممتعة، ومن الممكن تسمية هذه ملذات من النوع ملذات موضوعية.

ما هو غير واضح هو ما إذا كانت ملذات ميل الأعلى هي ملذات ذاتية أم ملذات موضوعية، وتتعلق مناقشته بالأنشطة التي توظف كلياتنا العليا، وما هو غير واضح هو ما إذا كانت الملذات الأعلى تشير إلى الحالات العقلية أو الأحاسيس التي تسببها الأنشطة الأعلى أو الأنشطة نفسها.

قد يبدو واضحًا أننا يجب أن نفسر الملذات العليا على أنّها ملذات ذاتية، وبعد كل شيء أخبرنا ميل للتو أنّه متعصب للسعادة، وربما لم يكن الراديكاليون دائمًا واضحين بشأن نوع الحالة العقلية أو الإحساس الذي يسعدون به، ولكن يبدو من الواضح أنّهم يتصورون ذلك على أنّه نوع من الحالة العقلية أو الإحساس.

ويبدو أنّ البعض مثل بنثام يتصور المتعة على أنّها إحساس بنوع مميز من الإحساس النوعي، والبعض الآخر ربما يائس من العثور على الكواليا (هو المكون الداخلي والذاتي للإدراك الحسي الناشئ عن تحفيز الحواس بالظواهر) المشتركة بين جميع أنواع الملذات المتباينة إلى فهم الملذات وظيفيًا كحالات أو أحاسيس عقلية الذات التي تكون حالاتها هذه تفضل وتميل إلى إطالة أمدها.

الفيلسوف جيمس ميل وتفسير الملذات العليا لدى ميل:

كان جيمس ميل يحمل شيئًا مثل هذا المفهوم الوظيفي للمتعة، ويمكن أن يكون للمتعة مفهومة وظيفيًا، ومشاعر نوعية مختلفة تمامًا ومع ذلك تظل ملذات، وبقدر ما يناقش ميل الملذات الذاتية فإنّه ليس واضحًا أي من هذه التصورات عن المتعة يفضلها.

ومع ذلك قد يبدو من الطبيعي أن نفترض أنّه بصفته أحد المتعه، فإنّه يتصور الملذات على أنّها ملذات ذاتية، ووفقًا لهذا التفسير يركز ميل على الأحاسيس الممتعة ثم يميز الملذات الأعلى والأدنى بالإشارة إلى أسبابها، والملذات العليا هي الملذات التي تسببها ممارسة كلياتنا العليا، بينما الملذات الدنيا هي ملذات ناتجة عن ممارسة قدراتنا المنخفضة، ولكن هذا التفسير لعقيدة الملذات العليا هو إشكالية.

الفيلسوف سيدجويك وتفسير الملذات العليا لدى ميل:

أثار هنري سيدجويك أحد المخاوف، بحيث يلتزم مذهب المتعة بفكرة أنّ متعة واحدة أفضل من الأخرى لأنّها أكثر إمتاعًا، ولكن هذا يبدو وكأنه علاقة كمية، وإذا كانت الملذات الأعلى أفضل من الملذات الدنيا ولكن ليس لأنّها تنطوي على قدر أكبر من المتعة، فكيف يمكن أن يربح هذا مع مذهب المتعة؟ إحدى الإجابات هي أنّ ميل يعتقد أنّ هناك عاملين يؤثران في حجم المتعة هما كميتها، كما تحددها شدتها ومدتها ونوعيتها أو نوعها، وفي هذا الاقتراح يمكن أن تكون متعة واحدة أكبر من أخرى بشكل مستقل عن كميتها بحكم جودتها.

يمكننا التمييز بين الملذات التي تسببها ممارسة كلياتنا العليا وتلك التي تسببها ممارسة كلياتنا الدنيا، ولكن لماذا يجب أن يؤثر هذا الاختلاف في حد ذاته على متعة الدولة المعنية؟ وإذا كان ميل يحمل تفضيلًا أو مفهومًا وظيفيًا للمتعة، ووفقًا لمفهوم الملذات هي حالات عقلية يفضلها الشخص وتطول أمد تساوي الأشياء الأخرى، فربما يمكنه أن يدعي أنّ الملذات التي يفضلها القضاة المختصون بشكل قاطع هي أكثر متعة.

المصدر: On Liberty.ByJohn Stuart Mill, With an Introduction by, W. L. Courtney, LL.D., The Walter Scott Publishing Co., Ltd., London and Felling-on-Tyne, New York and Melbourne.The Subjection of WomenOn Liberty, John Stuart Mill, 1859, Batoche Books Kitchener 2001Utilitarianism, John Stuart Mill 1863, Batoche, Books Kitchener 2001.J.S. MILLAn Incongruent Amalgamation: John Stuart Mill's Utilitarianism on Naturalism


شارك المقالة: