في حضرة الغياب

اقرأ في هذا المقال


“من يحيا على حرمان غيره من الضّوء يُغرِق نفسه في عتمة ظلّه”

محمود درويش

كنْ سيّد أوصافك منذ الآن، يا ابني لك حُلمٌ فاتَّبع الحُلم بما أوتيت من ليلٍ.

وكن إحدى صفات الحلم واحلُم تَجِدِ الفردوسَ في موضعِهِ.

قلعة محاصَرة بالبحر والنخيل والغزاة والجمّيز. قلعة لا تسقط. غزّة هي العزّةُ المعتزّةُ باسمها المُستفَزّةُ، بلا انقطاع، من صمتِ العالم على حصارها الطّويل.

وسألتك: لم تعرفْ، إذاً، كيف تحب؟فأدهشني قولكَ: ما الحبُّ؟

كأنّني لم أحبّ إلّا عندما كان يخيَّل لي أنّني أحب.. كأنْ تخطِفُني من نافذة قطار تلويحةُ يد، ربّما لم تكنْ مرسلة إليّ، فأولتها وقبّلتُها عن بعد..

الهدف يختلف من دربٍ إلى دربٍ ، لكنّ الدّروب وعرة ، والمؤونة من العمر قليلة.

قلْ للغياب نقَّصتَني وأنا حضرتُ لأُكْمِلَكَ. 

 من يحيا على حرمان غيره من الضوء يُغرِق نفسه في عتمة ظلِّه .

كنتُ حاضرًا ملءَ الغياب.

في حضرة الغياب. .سطراً سطراً أنثرك أمامي بكفاءة لم أوْتِها إلّا في المطالع.

الحنين هو اختصاص الذّاكرة في تجميل ما احتجب من المشهد.

الخلود ورقة يانصيب رابحة مات صاحبها قبل إعلان النّتيجة بدقائق.

لا يكفي أنْ تحبّ ، بل عليك أنْ تعرف كيف تحبّ.

الحنين ندبة في القلب، وبصمة بلد على جسد. لكن لا أحد يحنّ إلى جرحه، لا أحد يحنّ إلى وجعٍ أو كابوسٍ. بل يحنّ إلى ماقبله.. إلى زمان لا ألم فيه سوى ألم الملذّات الأولى الّتي تذوّب الوقت كقطعة سكّر في فنجان شاي.

وتسأل: ما معنى كلمة وطن؟ سيقولون: هو البيت وشجرة التوت وقُنّ الدّجاج وقَفيرُ النّحلِ ورائحة الخُبزِ والسّماءِ الأولى وتسأل: هل تتّسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكلّ هذه المحتويات وتضيق بنا؟

ليسَ الحُبُّ فكرة. إنّه عاطفةٌ تسخن و تبرُد و تأتي و تذهب. عاطفة تتجسَّد في شكل و قوام، و لهُ خمسُ حواسٍّ و أكثر. يطلع علينا أحيانًا في شكل ملاكٍ ذو أجنحة خفيفة قادرة على اقتلاعنا من الأرض.

للحنين فصل مدلّل هو الشتاء.

يولد من قطرات الماء الأولى على عُشب يابس , فيصعِّد زفراتِ استعانةٍ أنثويةٍ, عطشى إلى البلل ,وعدٌ بزفاف كوني هو المطر. وعد بانفتاح المغلق على الجوهر, وحلول المطلق في ماهيّاتٍ….هو المطر

النّائم لا يكبر في النّوم، ولا يخاف ولا يسمع أنباء تعصُّر العلقم في القلب.. لكنّك تسأل نفسك قبل النّوم: ماذا فعلتُ اليوم؟ وتنوس بين ألم النّقد ونقد الألم وتدريجيّاً تصفو وتغفو في حضنك الذي يلمّك من أقاصي الأرض، ويضمّك كأنَّك أمُّك.النّوم بهجة النّسيان العليا.. وإذا حلمت، فلأنَّ الذاكرة تذكَّرتْ ما نسيتَ من الغامض.


شارك المقالة: