قصة الدبلوماسي

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية الصادرة عن الأدب الروسي، وقد تم التطريق من خلالها للحديث حول رجل يكن محبة وعشق كبير لزوجته، فلم يجرؤ أحد على إخباره بنبأ وفاتها.

قصة الدبلوماسي

في البداية تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى المدن الروسية، حيث أنه في يوم من الأيام توفيت إحدى السيدات في المدينة والتي تعرف باسم آنا، وفوق أمر وفاتها كان هناك قد صعب على كل من حولها، وهو كيفية إخبار زوجها الذي يدعى السيد ميخائيل بوفاتها، حيث كان قد خارج المنزل منذ فترة بناءً على طلبها، وقد قاموا الجيران وكل من هم حولها بالتفكير في أحد من أجل أن يتوكل مهمة إخبار زوجها بوفاتها، ولكن ليس في طريقة عادية، وإنما اختيار طريقة دبلوماسية بعض الشيء.

إذ أن في لحظة ما فقدت السيدة آنا أنفاسها الأخيرة في هذه الحياة، وقد كانت تلك السيدة زوجة لأحد الأشخاص الذي يعمل كدبلوماسي في مركز مهم، وفي تلك الأثناء بدأوا الأقارب والمعارف يتشاورون حول ما يتوجب عليهم فعله، وكيف لهم أن يخبروا زوجها بخبر وفاتها، إذ أنه على الرغم من الفراق بينهم والذي كان بناء على رغبتها، إلا أنه يكن لها محبة كبيرة جداً، ومنذ فترة وجيزة كان قد قدم إليها وجلس راكعًا على ركبتيه لتغفر له نزوته.

وفي ذلك الوقت اقترحت عمتها على أحد الأشخاص والذي يدعى العقيد بسكاريوف إذ كان يتشاور معهم في الشأن العائلي، أن يذهب هو بذاته إلى زوجها، فمن وجهة نظرها أنه أقرب أصدقائه إليه، وبإمكانه الحديث معه في أمر كهذا، وفي تلك الأثناء تضرعت له العمة بأن يقوم بنقل الخبر دون أن يعرضه لصدمه؛ وذلك حتى لا يحدث له أي مكروه، فهو رجل كبير في السن.

وبالفعل لبى العقيد رغبة الحاضرين وذهب إلى إدارة السكك الحديدية حيث يعمل زوج المتوفية، وأول ما وصل العقيد وجده أنه يقوم بإعداد الميزانية لعمله، وقد كان جالس على الطاولة ويقوم بمسح عرقه جراء تعبه من الجهد الكبير الذي قام به، فألقى العقيد عليه التحية وجلس إلى جانبه وأشار إليه أنه كان يمر بالقرب من مكان عمله، وقد رغب في أن يأخذ مشورته في أمر ما.

وفي تلك الأثناء رحب به السيد ميخائيل واستأذنه في بعض الوقت؛ وذلك من أجل أن يتم بعض الأمور البسيطة في عمله ويتفرغ لسماعه، فرد عليه العقيد أنه متفهم لطبيعة عمله، وأشار إليه بأن يأخذ وقته وقال: أكمل يا عزيزي عملك، فإنني جئت إلى هنا مجرد عابر سبيل سوف أقول لك كلمتين وأنصرف.

وبعد أن تفرغ ميخائيل من عمله وضع القلم من يده، وبدأ بالإنصات والاستماع للعقيد، في بداية الحديث تردد العقيد بعض الشيء ثم تلعثم بالكلام وقال: إن حالة الطقس في مكان عملكم خانقة إلى حد كبير، بينما في الخارج فالأجواء كأنها جنة حقيقية، إذ أن الورود والشمس ونسمات الهواء الناعمة حتى الطيور تحلق هناك وهناك بشكل جميل، وفجأة غير حديثه وقال: هل تعلم أنني ذهبت إلى البوليفار في طريقي وكان مزاجي رائعًا.

وأردف حديثه قائلاً: كما تعلم يا صديقي فأنا رجل حر طليق أرمل، وبإمكاني الذهاب إلى أي مكان أرغب بالذهاب إليه في أي وقت أشاء، فأنا في معظم أوقاتي أقضيها في الترفيه عن نفسي فأذهب إلى المقهى وأركب الخيل ذهابًا وإيابًا، أفعل ما يحلو لي، فلا أحد في هذه الحياة يجرؤ على منعي، ولا أحد يستقبلني بالمشاكل في المنزل، فليس هناك أفضل من حياة العازب، فهي حرية وانطلاق، وها أنا سوف أعود إلى المنزل ولا أحد يجرؤ على سؤالي أين كنت.

وفي تلك الأثناء استطرد حديثه بقوله: كما تعلم يا عزيزي هناك الكثيرون ممن يتحدثون عن روعة الحياة الزوجية، ولكنها بالنسبة للرجل مثل الأشغال الشاقة، فحياة العازب تغني الرجل عن سماع أحاديث الموضة والصراخ والقيل والقال، وفوق كل ذلك الضيوف والنفقات والأولاد يأتون إلى الدنيا واحدًا تلو الآخر، وهنا أخذ ميخائيل نفس عميق وعاد يمسك بالقلم وقال له: سوف أفرغ من عملي حالًا، إذ لم يرغب في سماع حديث كهذا.

وهنا كان يدرك العقيد طبيعة عمله الشاقة وقال له: حسنا اكمل عملك يا عزيزي، ثم استطرد حديثه مرة أخرى قائلًا: هل لك أن تخيل يا شقيقي ماذا لو تزوجت من امرأة حقودة شيطانه بأفعالها، ولكن المرأة في الحقيقة هي عبارة عن شيطان بتنوره، ماذا لو كانت من تلك النساء اللاتي لا يتوقفن عن الأزيز والضجيج والثرثرة ليل نهار.

ففي تلك الأثناء في كل يوم سوف تهم بالصراخ مستنجدًا، فعلى سبيل المثال فلندرس الأمر عليك، إنك كنت في غاية السعادة حينما كانت في مرحلة ما قبل الزواج، بينما بعد أن تزوجت تدهورت أحوالك من جميع الجوانب وأصبحت شخص انطوائي، وبين الحين والآخر كانت زوجتك تقوم بفضيحتك في المدينة كلها، كما أنها طردتك من المنزل فأي خيرًا في هذا الزواج، إن زوجة مثلها لا تستحق حتى الشفقة عليها.

وفي تلك الأثناء قاطعه الأرمل وقد أخذ نفس عميق وقال: لقد كنت أنا المخطئ في انفصالنا، فرد عليه العقيد بقوله: دعك من ذلك إنها امرأة شريرة وحقودة وخبيثة، وليس فيها خيرًا أبدًا، وأما عن اللؤم الذي كان تكنه الفقيدة فلا يمكن لأحد وصفه، وهنا حينما سمع الأرمل بتلك الكلمة اندهش واتسعت عيناه وقال له: ماذا تعني بالفقيدة! وفي تلك اللحظة حاول العقيد الموقف ولكنه تلعثم ثم قال: أي فقيدة ماذا دهاك يا عزيزي من قال فقيدة، هل سمعتني بأذنيك أم ببطنك.

وفي ذلك الوقت سأله ميخائيل: متى آخر مرة شاهدت آنا؟ فرد عليه العقيد بقوله: نعم لقد شاهدتها في الصباح، إذ كانت حينها تصرخ في الخدم مرات بسبب أنهم لم يقدموا لها الشيء كما يجب، ومرة أخرى من أجل تقصيرهم في أعمال المنزل، يا لها من سيدة مزعجة يا عزيزي، يا ليتها تطلق سراحك وتعيش حياتك كإنسان حر طليق وتتزوج من سيدة أخرى غيرها، وعلاوة على ذلك كله إنها سيدة قبيحة الملامح ومتغطرسة وسيئة الطباع.

وهنا رد عليه الأرمل وقال: إنه من السهل عليك يا صديقي الحديث بهذا الشكل أيها العقيد، أما عن الحب فهو لا يقاس بهذه الطريقة، فلا يمكن انتزاعه من القلب بهذه الطريقة البسيطة، فرد عليه العقيد وقال: وهل في تلك القبيحة ما يحب، إنك لم تذوق منها سوى اللؤم والمرار، إنني كنت لا أحب رؤيتها على الاطلاق وأتجنب المرور من جانب منزلها حتى لا أشاهدها بعيني، وفي النهاية ليس بوسعنا سوى أن نقول رحمها الله وأسكنها جناته.

وهنا انفعل الأرمل وقال: اسمع أيها العقيد إنك للمرة الثانية التي يزل بها لسانك، فماذا حدث لها، هل توفيت؟ فتلعثم العقيد من جديد ثم قال لا يا صديقي العزيز لم يتوفى أحد كل ما هنالك أنني لم أكن أحب الفقيدة، لا بل أقصد زوجتك، وفي تلك الأثناء أدرك الأرمل أن هناك خطب ما، وبعد أن تضرع للعقيد أن يخبره حول ذلك الخطب، فقال العقيد له: إذا لم تصدقني يا صديقي اذهب معي إلى المنزل حتى نلحق القداس، لا أقصد من أجل أن نلحق الأطباء فقد أصيبت زوجتك بوعكة صحية قوية، ولكن الأطباء يقولون هناك أمل، وفي النهاية انهار الأرمل وأجهش بالبكاء حتى غاب عن الوعي، وحينما توجها إلى منزل الفقيدة قال العقيد للجميع: أنا لا أقوى على إخباره، فقد قلت له كلمتين بمجرد تلميح، فانهار فاقدًا وعيه أرسلوا إليه أحد آخر يخبره بالوفاة.

المصدر: كتاب قصص روسية - سليم قبعين - 2012


شارك المقالة: