قصة الصبار

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية التي صدرت عن وليام سيدني بورتر والذي يشتهر باسم أو هنري، وقد تناول من خلال مضمون القصة الحديث حول بعض الأفكار التي تدور في ذهن رجل مغرور بعد عودته من حفل زفاف حبيبته، إذ اكتشف كيف فقدها بسبب غروره وكبريائه.

قصة الصبار

مما هو معروف وشائع بين الناس أن من أهم المميزات التي يتميز بها الزمن أنه عبارة عن أمر نسبي بمجمله، فحينما تتم حادثة ما، فإنه من المؤكد أنها تمر خلال فترة زمنية محددة، إلا أنه من يتعرض لتلك الحادثة، فإنه يستغرق فترة طويلة في الحديث عنها، وهذا الأمر متفق عليه الناس بشكل عام، وعلى وجه الخصوص حينما تكون تلك الحادثة تتعلق بحادثة غرق، ولا يقتصر الغرق في البحار، وإنما هناك غرق في الغرور والكبرياء الزائد عن حده، فإنه في مثل تلك الوقائع يستمر الحديث عنها طويلاً، إلى الحد الذي يوصل بأنه بإمكان المرء أن يستعرض المغامرة كاملة في الوقت القصير الذي يستغرقه بينما يكون يخلع ثيابه.

وهذا تماماً ما حدث مع أحد الشباب، إذ أن كافة تلك والأفكار كانت في لحظة من اللحظات تدور في فكر شاب يدعى تريدي بينما كان يقف إلى جوار الطاولة يحدق النظر في إحدى أنواع النباتات التي تعرف بنبات الصبار، وقد كانت تلك النبتة الموضوعة داخل أصيص أحمر، كما كان ذلك الأصيص يتمايل مع كل هبت ريح تهب من أمامه مهما كانت تلك الهبة رقيقة ولطيفة، وفي تلك الأثناء كان يقف إلى جانبه شقيق فتاة كان سوف يتم زفافها في تلك اللحظات، كما كان هناك شابان يرتديان ملابس الحفلة.

وبينما كان تريدي على وشك البدء بفك أزرار قميصه حتى دلفت على ذاكرته مجموعة من الذكريات القديمة، وقد كانت تلك الذكريات ليس ذكريات طفولته ولا حياته في مرحلة المراهقة، وإنما تلك اللحظات التي كان بها يراقب حبيبته وهي تقبل على الزواج من شاب آخر، وكيف كان يقطنه ذلك الشعور وهو يشاهدها تسير باتجاه المذبح، وقد وصفه بالمذبح؛ لأنها تقبل على الزواج من رجل لا تكن له أي محبة، ولكن كل تلك الأفكار لم تقدم له العزاء ولا حتى أي مواساة؛ وقد كان ذلك بسبب تلك النظرة التي كانت تلقيها العروس على عريسها، إذ أن تلك النظرة يعرفها هو جيدًا.

وفي تلك الأثناء كان تريدي يقف أمام نفسه ويلومها في أنه كيف سمح لنفسه أن يخسر حبيبته، وقد نعت ذلك بسبب غروره والأنانية التي تسيطر عليه، وهنا بدأ باستطراد مجموعة من الذكريات حول أنه كيف كانت محبوبته على الدوام تبهره بتصرفاتها وسلوكياتها اللطيفة، كما قامت في أحد الأيام برسم صورته على قاعدة تمثال، وقد كان يجاملها في ذلك الأمر ولكن بترفع وكبرياء، وتلك الفتاة كانت باستمرار تلبي له كافة متطلباته على الرغم من تعنته وغروره، وقد أشار لم يكن بذات الصورة الجميلة التي رسمتها له محبوبته.

وفي تلك اللحظات تذكر كيف بدأت حادثة الانفصال بينهم، حيث أنه لم يكن قد حدث بينهم أي عراك أو جدال، ففي إحدى الليالي قالت له: إن هناك شخص يدعى الكابتن كالتروز أخبرها أنه يتكلم اللغة الإسبانية بطلاقة وترغب في تعلم اللغة من أجل أن تتمكن في الحديث معه بها، إذ أن تريدي كان يتلفظ ببعض الكلمات أمامها من اللغة الإسبانية، ولكن في الحقيقة لا يتكلم اللغة الإسبانية بشكل مطلق، ولكنه كان يحفظ بعض الأمثال والحكم والعبر من أحد المعاجم العالمية، ولكنه لم يشأ أن يخبرها بتلك الحقيقة؛ وذلك لأنه كان يعجب بتملقها نحوه وتمجيدها الدائم له.

وذلك لأنه كان باستمرار كان يحب أن يظهر بذلك المظهر الراقي أمامها وأنه محيط بكافة جوانب الثقافة والمعرفة؛ وذلك من أجل أن يشعرها بأنها صغيرة بجانبه، على الرغم من أنه كان يرى بها كافة معالم الحسن والجمال، وأكثر ما يعجبه بها هو خجلها، كما استذكر كيف لمعت عيناها وبرقت حين عرض عليها إقامة علاقة حب فيما بينهم.

وكيف أنها في تلك اللحظات لم تجبه على الفور جراء خجلها، ففي ذلك الوقت أخبرته أنها سوف ترد على طلبه في اليوم التالي، وتذكر حينها كيف أنه نظر لها نظرة الواثق من نفسه تمام الثقة من الإجابة والمنتصر على تلك الضعيفة المتعلقة به، وبالفعل في اليوم التالي لم تتأخر عليه في الرد، حيث أنه أول ما بزغ الصباح بعثته برسالة وضعتها داخل ظرف مع خادمها وإلى جانب ذلك الظرف نبتة الصبار داخل الأصيص الأحمر، وفي تلك الأثناء حين قام بفتح الظرف لم يجد بداخله سوى ورقة صغيرة مكتوب عليها اسم النبتة بلغة لا يعرفها.

وفي ذلك اليوم الموعود بقي ينتظر حتى المساء، ولكنه لم يتلقى أي إجابة منها على عرضه، وقد منعه من الإرسال خلفها وسؤالها حول الأمر هو غروره وكبرياؤه، وفي اللقاء التالي الموعود بينهم بعد أن ألقيا التحية على بعضهم البعض أخذت تحدق بالنظر إليه بتلك النظرة المليئة بالتساؤلات، ولكنه بدا أمامها أنه رجل صلب وعنيد وانتظر أن تبادر هي بتقديم تفسير حول طلبه وتأخرها بالرد عليه.

ومنذ ذلك اللقاء بدأت معاملتها له بشكل بارد جداً وكأنها لوح من الثلج، ومنذ ذلك الوقت وبدأت هوة الحب بينهما تتسع، ولكنه كان باستمرار يتساءل في نفسه حول ماذا حدث لها؟ ولماذا تغيرت بهذا الشكل؟ وما السر الذي يكمن خلف هذا التغيير؟ ولكن على الرغم من كل ذلك لم يحاول أن يسألها فقد منعه تصلبه وغروره، وها هو اليوم يحضر حفل زفافها على رجل آخر.

وفي لحظة ما أستفاق تريدي من حشود الأفكار التي استوطن تفكيره للحظات على صوت شقيقها وهو يسأله ما خطبك يا تريدي لماذا تبدو شخص تعيس إلى هذا الحد؟ إذ يبدو كما أنه لو كنت أنت من سوف تتزوج، وليس مجرد شخص عادي، هيا تعال إلى جانبنا وتناول معنا المشروبات، وهنا رد عليه تريدي: شكرًا لك، لا أرغب في تناول أي شيء، وهنا اقترب منه أحد الرجال وقال: من أين لك نبات الصبار هذا يا تريدي؟

وهنا رد عليه تريدي: هدية من أحد الأصدقاء المقربين، أتعلم أي نوع من النباتات ذلك؟ فرد عليه الرجل: اعرفه جيدًا إنه أحد أنواع النباتات الاستوائية، وإنني في كل يوم أشاهد من نوعها المئات في كافة أنحاء بيتنا، كما أن اسم تلك النبتة مكتوب على الورقة المعلقة على جانبها، هل تعرف شيئًا من اللغة الاسبانية يا تريدي؟ قال تريدي وقد طغت على شفتاه ابتسامة حزينة وعلى ملامحه الدهشة: لا هل هذه لغة اسبانية؟ فأجاب الرجل: نعم، حيث يعتقد الشعب الإسباني أن أوراق النبات هذه تمتد لتقول شيئًا ما، وهم يطلقون على هذا النوع من النباتات نبات فينتومارمي وتعني باللغة الإنجليزية: تعال وخذني.

المصدر: O. Henry Short Stories - أوليفر هنري - 1900


شارك المقالة: