قصة توافه الحياة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية التي صدرت عن الأديب أنطون تشيخوف، وقد تناول من خلال محتوى القصة الحديث حول إفشاء الأسرار والتعرض للخيانة، وأن تلك الأمور من أسوأ ما قد يتعرض له الإنسان، وأنه مهما مر به من العمر تبقى تلك المواقف محفورة في ذاكرته.

قصة توافه الحياة

في البداية تدور وقائع وأحداث القصة حول شاب يدعى نيكولاي وهو شاب في مقتبل العمر ممتلئ الجسد ذو بشرة نقية ووردية ومن المترددين كثيراً على نوادي سباق الخيول، حيث أنه في أحد الأيام توجه نحو أحد أهم أصحاب العقارات في المدينة وهي سيدة تدعى أولجا، وأول ما وصل إلى منزل السيدة لم يجدها في المنزل، وحينها قرر أن ينتظرها وجلس على الأريكة في غرفة الجلوس، وبعد لحظات جاءت إليه طفلة صغيرة وقالت له: مساء الخير يا نيكولاي والدتي سوف تعود في قريباً، لقد ذهبت مع شقيقتي التي تدعى سونيا إلى محل الحباكة.

وفي تلك الأثناء جاء ابن السيدة أولجا والذي يدعى أليوشا وجلس في ذات الغرفة، وقد كان الابن في عمر الثامنة، وهو من الفتيان الذين يبدو عليه أنه يتلقى جل رعاية واهتمام، إذ كان يرتدي سترة مخملية وجوربا تريكو ذو لون الأسود من أحدث الماركات، وهنا حاول نيكولاي الحديث معه فقال له: مرحبًا أيها الفتى هل والدتك بخير؟

وهنا رد عليه الفتى وقال وهو يهز بكتفيه: في الحقيقة والدتي لا تشعر بأنها في صحة جيدة، وفي تلك اللحظة أخذ يتأمل نيكولاي ملامح وجه الفتى، فعلى الرغم من أنه يعرف السيدة أولجا منذ زمن طويل، إلا أنه أول مرة يلاحظ أن ذلك الفتى يشعر بالحزن، وذلك جراء ذلك الوجه الذي يبدو أنه شاحب والعينين اللتين اختفى بريقهما، وهنا قال نيكولاي للفتى: تعالى هنا يا صغيري، دعني أنظر إليك عن قرب.

وبالفعل قام الفتى وجلس إلى جانبه، فسأله نيكولاي عن حاله، رد عليه الفتى: ماذا أقول لك يا سيدي إن حالنا في السابق كانت أفضل بكثير، فسأله نيكولاي: ما السبب؟ فأجاب الفتى: في السابق كنا نتعلم أنا وشقيقتي سونيا الموسيقى والقراءة فقط، بينما الآن ينبغي علينا أن نحفظ أشعار باللغة الفرنسية، وهنا ترك الطفل الحديث في هذا الموضوع وقال لنيكولاي: يبدو أنك حلقت ذقنك منذ وقت قريب؟ فرد نيكولاي: نعم.

فقال الفتى: لقد لاحظت ذلك، إذ أصبحت ذقنك أقصر مما كانت عليه في السابق، هل يا سيدي تسمح لي بأن ألمسها، ألا يزعجك ذلك؟، رد نيكولاي: كلا لا يزعجني، وهنا سأله الفتى: ولكن لماذا حينما تشد شعرة واحدة تشعر بالألم، وحينما تشد مجموعة من الشعر، لا تشعر أبداً بأي ألم؟ ثم أردف حديثه بقوله: هل تعلم أنه من الأفضل لو أنك تجعل سوالفك تطول أكثر، وأشار بيده إلى جهة أخرى من ذقنه وقال: لو حلقت من هنا قليلًا، أما من جهة جبينك دع شعرك يطول وفي تلك اللحظات اقترب الفتى أكثر من نيكولاي حتى التصق به وبدأ يعبث بسلسلته الموجودة في عنقه.

وهنا قال الفتى: تلك السلسلة تشبه تلك السلاسل التي يمتلكها والدي، فوالدي كل يوم يرتدي سلسلة جديدة، وهنا سأله نيكولاي: ومن أين عرفت كل ذلك هل تقابل والدك؟، وهنا شعر الفتى بالارتباك وقال: لا، فقد شعر بالخجل جراء تبينه أمام نيكولاي أنه يكذب.

وفي تلك اللحظة أخبره نيكولاي أنه يدرك أنه يكذب في الكثير من الأحاديث، إلا أنه في هذه المرة قال للفتى: كل ما أطلبه منك أن تجيبني بصراحة دون أي مراوغة، قل هل تشاهده؟ وهنا أخذ الفتى في التفكير قليلاً وسأل نيكولاي: ألن تخبر والدتي؟ وهنا قدم له نيكولاي وعد بأن لا يخبر والدته بشيء، فتلفت الفتى من حوله وهمس في أذن نيكولاي وقال: في كل يوم ثلاثاء وجمعة حين تصحبنا الخادمة أنا وشقيقتي سونيا من أجل التنزه نقابل والدي، فبعد أن نتناول وجبة الغداء ونذهب الى محل حلوى بعد ذلك يكون والدي هناك في انتظارنا.

وهنا سأله نيكولاي: ماذا تفعلون هناك؟ فقال الفتى: لا شيء في البداية نتبادل التحية، ثم نجلس سوياً حول الطاولة ويقدم لنا والدي بعض الأشياء اللذيذة، وهنا سأله نيكولاي مرة أخرى: وهنا ماذا تتحدثون هناك؟ فرد الفتى: يطلب منا والدي أن نبقى بجانبه، وقال لنا أنه سوف يشتري لنا الكثير من الألعاب، أنا لا أعلم لماذا والدتي لا تدعوه للعيش معنا فهو يحبها كثيراً.

وفي تلك الأثناء سأله نيكولاي: ماذا يقول والدك عني، فقال الفتى: يقول أن والدتي تعيسة بسببك وأنك شخص غريب، إنني أتفهم والدي ولكنني أعلم أنك إنسان طيب ولا ترفع صوتك على والدتي، وفي تلك الأثناء وقف نيكولاي بشكل مفاجئ وأخذ يهز بكتفيه ويضحك بسخرية، ثم أخذ مرة أخرى بالجلوس وقد تمتم بعض الكلمات: إن هذا الأمر غريب ويبعث للسخرية، إنه هو المذنب في كل شيء، ومع ذلك يدعي أنه أنا من قضيت عليها، وهنا قال الفتى: لا تغضب يا نيكولاي إنني أعتذر منك، فأنا الذي فتشت السر.

وفي تلك اللحظة دق جرس الباب، وحين سمع الفتى ذلك أسرع الفتى وانطلق إلى الخارج، وبعد دقائق قليلة دخلت السيدة أولجا ومعها طفلة صغيرة، وهنا ظهر الفتى وأخذ يقفز ويغني بصوت عالي وأومأ إلى نيكولاي برأسه محياً إياه، إذ أراد أن يظهر أمام الجميع أنه شاهد نيكولاي للتو.

ولكن في تلك اللحظة كان نيكولاي يتمتم ببعض الكلمات، وحينما سألته السيدة أولجا عن الأمر قال لها: فلتسمعي تلك الكلمات التي يلقيها زوجك الموقر، إذ يقول بأنني أنا من قضيت عليك وأنك تعيشي مع أبنائك حياة تعيسة بسببي، وأنا الوحيد بينكم الذي حصلت على السعادة، فقالت أولجا: أنا لا أفهم يا نيكولاي عما تتحدث، فقال نيكولاي وقد أشار بيده نحو الفتى: استمعي إلى ابنك ماذا يقول؟ وهنا فزع الفتى من ذلك وصرخ بوجه نيكولاي وقال: اصمت يا نيكولاي.

وفي تلك الأثناء أخذت أولجا بالتنقل بنظراتها بين ابنها ونيكولاي، فقال لها نيكولاي: هيا اسأليه، فإن خادمتك تتردد على محلات الحلوى وترتب اللقاءات مع الأب اللطيف كما تعرفينه، ولكن ليس هذا ما هو مهم، وإنما ما يقوله زوجك بأنه هو الضحية أما أنا فإنني رجل شرير وحطمت حياتكم، وفي النهاية بعد أن أنكر الفتى كل ما قاله نيكولاي توجهت السيدة أولجا إلى الخادمة من أجل سؤالها حول الأمر، وأخيرا كان كل من الفتى وشقيقته الصغيرة ينزويان في ركن الغرفة وقد همّ بالبكاء ويشرح لشقيقته انه كيف تم خداعة، وأنه الآن سوف يتلقى العقاب على فعلته تلك هو والخادمة وشقيقته سونيا.

المصدر: كتاب الأعمال القصصية الكاملة - أنطون تشيخوف - 1904


شارك المقالة: