قصة كتفا المركيزة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الفيلسوف إميل فرانسوا زولا، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول إحدى السيدات التي كانت تستخدم كتفاها ناصعتا البياض من أجل أن تواكب الموضة في ذلك العصر، بالإضافة إلى الاعتماد على هذا النوع من الأساليب من أجل تسيير كافة الأمور والمخططات حسب رغبتها.

قصة كتفا المركيزة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسة وهي سيدة تتم مناداتها بالمركيزة، حيث أنه في أحد الأيام كانت تلك السيدة تغط بالنوم في ذلك السرير الواسع المغطى بالستائر العريضة، والتي كانت تتميز بأنها مصنوعة من قماش الساتان ذو اللون الأصفر، وقد كان ذلك الوقت الذي استيقظت به هو عند وقت الظهيرة، وفي ذلك الوقت كانت قد دق جرس الساعة البلوري، وعندما فتحت عيناها كانت غرفة نومها تتميز بالدفيء، كما أنه ما زالت الستائر منسدلة فوق الأبواب والنوافذ، وقد كانت تلك الغرفة تشبه إلى حد كبير عش الوثير، حيث لا يتسرب إليه البرد أبداً، وفي تلك الأثناء كانت تتمدد السيدة ضمن مساحات تغطو عليها الحرارة والعطر وكأنه يخيم بها ربيع أبدي.

وأول ما استيقظت السيدة من نومها كانت تسيطر عليها حالة من الهيجان المفاجئ، وهنا رفعت عن نفسها الأغطية وقرعت الجرس من أجل مناداة إحدى الخادمات والتي تدعى جولي، وحينما سمعت الخادمة الجرس قالت: سيدتي هل نادتني؟ فردت السيدة: نعم أخبريني هل الجليد يذوب في الخارج؟ وهنا تحدثت الخادمة في نفسها وقالت: يا لها من سيدة، إذ أن صوتها يشير إلى شيء من السخرية وهي تطرح هذا السؤال، وهنا أدركت الخادمة أن السيدة في غرفة مثل غرفتها لا يمكنها أن تشعر بالبرد الفظيع في الخارج.

حيث كانت الرياح في ذلك اليوم شمالية وتهب بشكل قاسي بكافة أكواخ المساكين والضعفاء، وتلك السيدة تسأل إن كانت السماء قد هدأت؛ وذلك من أجل أن تتمتع بذلك الدفيء الطاغي في غرفتها دون الشعور بالألم في من يرتعشون من البرد في الخارج، وهنا كررت السؤال السيدة مرة أخرى على الخادمة وقالت: هل الجليد قد ذاب في الخارج؟ وفي تلك اللحظة قدمت لها الخادمة المعطف الذي دفأته لها أمام نار الموقد، وقالت لها: لا يا سيدتي الجليد لم يذوب في الخارج، بل يزداد شدة وقسوة، ومنذ قليل وجدوا رجل قد توفي من شدة البرد بينما كان في عربة نقل، وفي تلك اللحظة ابتهجت السيدة وكأنها طفله صغيرة وبدأت بالتصفيق والفرح وقالت: سوف أذهب بعد الظهر من أجل التزلج على الجليد.

وفي تلك الأثناء أخذت الخادمة بإزاحة الستائر بشكل بطيء عن النوافذ؛ وذلك حتى لا يتسرب الضوء بشكل سريع ويؤلم عيني السيدة، وقد كانت عيناها رقيقتين لا تتحمل الضوء المتدفق سريعاً، وفي تلك اللحظة دخل وهج الثلج وملأ الغرفة بالنور، كما كانت السماء رمادية اللون، وعلى الرغم من أن ذلك اللون داكن بعض الشيء لكن كان لون بهي، وقد كانت تلك الدرجة من الألوان تذكر السيدة بفستان مصنوع من الحرير الخالص الرمادي اللؤلؤي، حيث أن ذلك الفستان كانت قد ارتدته في وقت سابق في إحدى حفلات الرقص التي أقيمت في الوزارة.

وهنا بدأت السيدة في استدراج بعض الذكريات حول حياتها في السابق منذ تلك الحفلة والعديد من الأحداث التي مرت بها، وبدأت في تذكر مواصفات ذلك الفستان، إذ كان مزين بالعديد من الزخارف المخرمة ذات اللون الأبيض والتي تشبه إلى حد كبير شرائط من الثلج التي كانت موجودة على حواف السطوح، وفي تلك الحفلة كانت السيدة متألقة بحلي جميلة مصنوعة من الألماس، وقد عادت من تلك الحفلة في تمام الساعة الخامسة فجراً، وقد كانت حينها تشعر بالألم والثقل في رأسها، وأول ما وصلت من الحفلة رفعت الخادمة خُصل شعرها ذات اللون الأشقر وهنا انزلق المعطف عنها فظهرت كتفاها حتى وسط ظهرها.

حيث أنه منذ أن قامت إحدى السلطات بالسماح للسيدات في ارتداء فساتين مكشوفة الكتفين والرقص والسيدة تجول هنا وهناك في كافة الحفلات والمناسبات التي تقام بكتفيها حتى جعلت منها رمز للمفاتن التي برزت في الإمبراطورية الثانية، حيث أنها في ذلك الوقت كانت ترغب في اتباع الموضة، كما أنها بدأت في توسيع تقويرة فساتينها من الجهتين الأمامية والخلفية، ويوماً بعد يوم حتى بدأت في الكشف عن كل ما تخفيه كتفاها من مفاتن، إلى أن أضحت كتفا السيدة المعروضتان الشعار للعهد الإمبراطوري.

وكان الجميع في ذلك الوقت يتحدث ويصف كتفا السيدة، وأول ما يتم الحديث عنه هو أن تلك الكتفان رائعتان ويتميزان بلون أبيض ساطع وممتلئتان كما أنهن مثيرتان إلى كل من يراهما، ويوماً بعد يوم كانت السيدة تطرح الحياء جانباً وترفع بكتفيها وكانت على الدوام تقاتل بهما، وكانت باستخدامهما تقاتل من أجل اختيار الحكومة التي تريد، كما كانت نشيطة بلا كلل وحاضرة بكافة الجبهات في القصور الإمبراطورية في السفارات في الوزارات وعند قصور الأثرياء من أصحاب الملايين، وفي كل مكان تحط به كانت توزع الابتسامات هنا وهناك من أجل المساعدة في إعادة المترددين إلى الصفوف.

وفي ذلك العصر كان كتفا السيدة تؤثر بالأشخاص وتقوم بإقناعهم أكثر من حجج الخطباء، علاوة على أنها كانت تقطع بهم أكثر من سيوف الجنود، كما كانت تستغل منظر كتفاها من أجل تحصيل أصوات الناخبين من أجل أن يستسلم أعضاء المعارضة الأشد شراسة، وكل تلك الأمور التي كانت تقوم بها السيدة مستخدم كتفاها حققتها بكل نجاح باهر، وذلك دون أن يطرأ عليهم أي تجعيده أو خدش ولو بسيط، وبقيا على ذات الجمال الذي عهده الجميع حتى هذا اليوم.

وهنا كانت قد وصلت السيدة بذكرياتها إلى هذا اليوم، وفي وقت ما بعد الظهيرة خرجت السيدة مرتدية ملابس ذات ماركة بولندية ومتخصصة للتزلج على الجليد، وفي ذات الوقت كانت الملابس فاتنة، وبينما كانت تتزلج بكل براعة وكان البرد قارساً في ذلك اليوم في الغابة والرياح كانت الشمالية تخز جميع ملامح السيدات وشفاههن، كما كان الهواء ينفخ حبات من الرمل الرقيق في وجوههن كانت السيدة تقهقه بكل سخرية واستهزاء من الجميع، إذ بالنسبة إليها كان الهواء لطيف، على الرغم من أنها كانت تذهب بين الحين والآخر من أجل تدفئة قدميها أمام النار المشتغلة في تلك المواقد المبعثرة على ضفة البحيرة الصغيرة، ثم بعد ذلك كانت تعود وتلوح في الهواء المجلد لتتزلق بشكل سريع وكأنها طائر سنونو يتميز بالخفة.

وبينما كانت في طريق العودة إلى المنزل شاهدت السيدة في أحد الشوارع الفرعية سيدة فقيرة ترقد عند أسفل شجرة تكاد تلك الفقيرة تموت من شدة البرد، وهنا قالت السيدة ذات الكتفين: يا لها من مسكينة، وقد كانت قد تمتمت بتلك الجملة بصوت تملأه الحسرة، وبما أن العربة كانت مسرعة بها، بحيث لم يتسن لها أن تبحث عن صرتها ذات النقود، وهنا قامت برمي لها باقة من أزهار الليلك البيضاء، وقد كانت تلك الباقة لا يقل ثمنها عن خمسة ليرات.

المصدر: كتاب الفيضات ومنتخبات قصصية أخرى - إميل زولا - 2014


شارك المقالة: