قصيدة - أقلي اللوم عاذل والعتابا

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “أقلي اللوم عاذل والعتابا”

أمّا عن مناسبة قصيدة “أقلي اللوم عاذل والعتابا” فيروى بأنّ عرادة النميري كان من جلساء الفرزدق، وفي يوم أتى الشاعر الراعي نميري إلى البصرة وتوجه إلى بيت عرادة، ودخل بيته، وجلس معه، فأعد له عرادة الطعام والشراب ودعاه لكي يأكل، وعندما أكمل تنول طعامه، بدأوا يشربون، وبينما هم يشربون قال عرادة للراعي: قل بيتًا من الشعر تفضل به الفرزدق على جرير، فقال الراعي:

يا صاحِبَيَّ دَنا الأَصيلُ فَسيرا
غَلَبَ الفَرزدقُ في الهجاءِ جَريرا

وعندما وصل بيت الشعر هذا إلى الجرير، ذهب إلى الراعي وقابله، وكان ذلك في يوم الجمعة، فجلس معه بعد أن غادر الناس، وقال له: إنّي والفرزدق أبناء عمومة ونستب في الصباح والمساء، ولا يجب أن تتدخل بيننا، فقال له الراعي: لقد صدقت، فانصرف جرير من عنده.

وبعد عدّة أيام وبينما كان جرير في السوق التقى بالراعي، فوقفا مع بعضهما وتحدثا مع بعضهما، وبينما هم كذلك لمحهما ابن الراعي، فذهب إلى حصان أبيه، وصفعها وقال لها: مالك يراك الناس مع كلب من كليب؟، وعندما سمع جرير بذلك غضب غضبًا شديدًا، وتوجه إلى بيته، وبقي طوال الليل مستيقظًا، وهو ينظم قصيدة يهجو بها عرادة النميري، وكتب قصيدته الشهيرة التي سميت بالدامغة، وقال فيها:

أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا
وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا

أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ
وَحَيّاً طالَ ما اِنتَظَروا الإِيابا

بَلى فَاِرفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ
كَما عَيَّنتَ بِالسَرَبِ الطِبابا

وَهاجَ البَرقُ لَيلَةَ أَذرِعاتٍ
هَوىً ما تَستَطيعُ لَهُ طِلابَ

فَقُلتُ بِحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى
فَهاجَ عَلَيَّ بَينَهُما اِكتِئابا

وَوَجدٍ قَد طَوَيتُ يَكادُ مِنهُ
ضَميرُ القَلبِ يَلتَهِبُ اِلتِهابا

سَأَلناها الشِفاءَ فَما شَفَتنا
وَمَنَّتنا المَواعِدَ وَالخِلابا

ثم بدأ يهجو الفرزدق فيها قائلًا:

لَقَد خَزِيَ الفَرَزدَقُ في مَعَدٍّ
فَأَمسى جَهدُ نُصرَتِهِ اِغتِيابا

وَلاقى القَينُ وَالنَخَباتُ غَمّاً
تَرى لوكوفِ عَبرَتِهِ اِنصِبابا

فَما هِبتُ الفَرَزدَقَ قَد عَلِمتُم
وَما حَقُّ اِبنِ بَروَعَ أَن يُهابا

ثم هجا عرادة النميري فيها قائلًا:

أَتاني عَن عَرادَةَ قَولُ سوءٍ
فَلا وَأَبي عَرادَةَ ما أَصابا

لَبِئسَ الكَسبُ تَكسِبُهُ نُمَيرٌ
إِذا اِستَأنوكَ وَاِنتَظَروا الإِيابا

أَتَلتَمِسُ السِبابَ بَنو نُمَيرٍ
فَقَد وَأَبيهِمُ لاقوا سِبابا

أَنا البازي المُدِلُّ عَلى نُمَيرٍ
أُتِحتُ مِنَ السَماءِ لَها اِنصِبابا

ثم هجا الراعي النميري فيها قائلًا:

أَلَم تَرَني صُبِبتُ عَلى عُبَيدٍ
وَقَد فارَت أَباجِلُهُ وَشابا

أُعِدَّ لَهُ مَواسِمَ حامِياتٍ
فَيَشفي حَرُّ شُعلَتِها الجِرابا

فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ
فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا

أَتَعدِلُ دِمنَةً خَبُثَت وَقَلَّت
إِلى فَرعَينِ قَد كَثُرا وَطابا

وعندما سمع الفرزدق بالقصيدة، أنشد يهجو الجرير قائلًا:

يا اِبنَ المَراغَةِ وَالهِجاءُ إِذا اِلتَقَت
أَعناقُهُ وَتَماحَكَ الخَصمانِ

ما ضَرَّ تَغلِبَ وائِلٍ أَهَجَوتَها
أَم بُلتَ حَيثُ تَناطَحَ البَحرانِ

يا اِبنَ المَراغَةِ إِنَّ تَغلِبَ وائِلٍ
رَفَعوا عِناني فَوقَ كُلِّ عِنانِ

كانَ الهُذَيلُ يَقودُ كُلَّ طِمِرَّةٍ
دَهماءَ مُقرَبَةٍ وَكُلَّ حِصانِ

يَصهِلنَ بِالنَظَرِ البَعيدِ كَأَنَّما
إِرنانُها بِبَواثِنِ الأَشطانِ

يَقطَعنَ كُلَّ مَدىً بَعيدٍ غَولُهُ
خَبَبَ السِباعِ يُقَدنَ بِالأَرسانِ

وَكَأَنَّ راياتِ الهُذَيلِ إِذا بَدَت
فَوقَ الخَميسُ كَواسِرُ العِقبانِ

وَرَدوا أَرابَ بِجَحفَلٍ مِن وائِلٍ
لَجِبِ العَشِيِّ ضُبارِكِ الأَركانِ


شارك المقالة: