قصيدة - ألا يا لقومي للنوائب والدهر

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “ألا يا لقومي للنوائب والدهر”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “ألا يا لقومي للنوائب والدهر” فيروى بأنّ هدبة بن الخشرم كان معروفًا بأنّه من شجعان القوم، وقد اشتهر بالمروءة والصبر، وبأنه ينجد المظلومين، وقد كان لهدبة أخ اسمه حوط، وكانت له أخت اسمها سلمى، وقد تزوجت سلمى من زيادة بن اليزيد الذبياني، وقد كان زيادة رئيس قومه، وفي يوم وبينما هي عنده، راهنه حوط أخو زوجته، على أن يحمل جملين بالماء ويطلقهما في يوم شديد الحر من فصل الصيف، وأن يبقيا يومًا وليلة، فأخذت سلمى ماء زوجها إلى أخيها، وتأخرت في طريقها، فسبها زوجها لذلك، فغضب من ذلك حوط، وثار بينه وبين زيادة الشر.

وعندما وصل خبر ذلك إلى هدبة، قتل زيادة، وعندها رفع أمر ذلك إلى سعيد بن العاص وقد كان وقتها عامل معاوية بن أبي سفيان على المدينة المنورة، فهرب هدبة وعندها قام سعيد بن العاص بحبس عمه، وعندما علم هدبة بذلك، عاد وسلم نفسه لسعيد، وعندها ذهب أخو زيادة إلى معاوية بن أبي سفيان وشكا هدبة له، فقام معاوية بالإرسال إلى سعيد يخبره بأن يقود له هدبة، فقام سعيد بإرساله إليه، وعندما دخل هدبة إلى مجلس معاوية، سأله معاوية عن خبر ما حصل، فقال له هدبة أتريدها نثرًا أم نظمًا، فقال له معاوية: هاتها نظمًا، فأنشده هدبة قائلًا:

أَلا يا لَقَومي لِلنَّوائِبِ والدَّهرِ
ولِلمَرءِ يُردي نَفسَهُ وَهوَ لا يَدري

أَلا لَيتَ شِعري إِلى أُمِّ مَعمَرٍ
عَلى ما لَقينا مِن تَناءٍ وَمِن هَجرِ

تَباريحُ يَلقاها الفؤَادُ صَبابَةً
إِلَيها وَذِكراها عَلى حينِ لا ذِكرِ

فَيا قَلبُ لَم يأَلَف كإِلفِكَ آلِفُ
وَيا حُبَّها لَم يُغرِ شَيءٌ كَما تُغري

وَما عِندَها لِلمُستَهامِ فؤادُهُ
بِها إِن أَلَمَّت مِن جَزاءٍ وَمِن شُكرِ

رأَيتُ أَخا الدُنيا وإِن كانَ خافِساً
أَخا سَفَرٍ يُسرى بِهِ وَهوَ لا يَدري

وَلِلأَرضِ كَم مِن صالِحٍ قَد تَلمَّأَت
عَليهِ فَوارَتهُ بِلَمَّاعَةٍ قَفرِ

فَلا ذا جَلالٍ هِبنَهُ لِجَلالِهِ
وَلا ذا ضَياعٍ هُنَّ يُترَكنَ لِلفَقرِ

فَلَمَّا رأَيتُ أَنَّما هيَ ضَربَةٌ
مِنَ السَيفِ أَو إِغضاءُ عَينٍ عَلى وِترِ

عَمَدتُ لِأَمرٍ لا يُعيرُ والدي
خزايتَهُ وَلا يُسَبُّ بِهِ قَبري

رُمينا فَرامَينا فَصادَفَ سَهمُنا
مَنيَّةَ نَفسٍ في كِتابٍ وَفي قَدرِ

وأَنتَ أَميرُ المؤمِنينَ فَما لَنا
وَراءَكَ مِن مَعديً وَلا عَنكَ مِن قَصرِ

فإِن تَكُ في أَموالِنا لا نَضِق بِها
ذِراعاً وإِن صَبرٌ فَنَصبِرُ لِلصَّبرِ

وإِن يَكُ قَتلٌ لا أَبالَكَ نَصطَبِر
عَلى القَتلِ إِنّا في الحُروبِ أُلو صَبرِ

وَكَم نَكبَةٍ لَو أنَّ أَدنى مُرورِها
عَلى الدَهرِ ذَلَّت عِندَها نوَبُ الدَهرِ

فقال أمير المؤمنين: وهل لزيادة ولد؟، فقال له أخوه: نعم، فقال معاوية: احبسوه حتى يبلغ الولد، فحبس ثلاث سنوات، وبينما هو في السجن وفي صباح اليوم الذي قتل به، طلب زوجته، وعندما أتته جلس معها وتكلما، حتى حان وقت خروجه، فخرج للقتل، وبينما هو في طريقه، مرّ على زوجة مالك بن عوف، فقالت له: إن شبابك وصبرك وشعرك في سبيل الله، فأنشدها قائلًا:

تعجب حبي من أسير مكبل
صليب العصا باق على الرسفان

فلا تعجبي مني حليلة مالك
كذلك يأتي الدهر بالحدثان

ومن ثم التفت إلى زوجته، وأنشد قائلًا:

أَقِلّي عَليَّ اللَومَ يا أُمَّ بَوزَعا
وَلا تَجزَعي مِمّا أَصابَ فأَوجَعا

فَلا تَعذُليني لا أَرى الدَهرَ مُعتِباً
إِذا ما مَضى يَومٌ وَلا اللَومَ مُرجِعا

وَلَكِن اَرى أَنَّ الفَتى عُرضَةُ الرَدى
وَلاقي المَنايا مُصعِداً وَمُفَرِّعا

وأَنَّ التُقى خَيرُ المَتاعِ وإِنَّما
نَصيبُ الفَتى مِن مالِهِ ما تَمتَّعا

فأوصيكِ إِن فارقتِني اُمُّ عامِرٍ
وَبَعضُ الوَصايا في أَماكِنَ تَنفَعا

وَلا تَنكَحي إِن فَرَّقَ الدَهرُ بَينَنا
أَغَمَّ القَفا والوَجه لَيسَ بأَنزَعا

مِنَ القَومِ ذا لَونَينِ وَسَّعَ بَطنَهُ
وَلَكِن أَذَّياً حِلمُهُ ما تَوَسَّعا

وبينما هو في طريقه إلى السياف قال له عبد الرحمن بن حسان: هل أتزوج زوجتك من بعد؟، فقال له: إن كنت بالشروط التي ذكرتها تزوجها، ومن بعدها قالت له زوجة مالك بن عوف: كيف تصبر على ما أنت فيه؟، فقال لها:

وَجَدتُ بِها مالَم تَجِد أُمُّ واحِدٍ
وَلا وَجدَ حُبّي بابنِ أُمِّ كِلابِ
رَأَتهُ طَويلَ السَاعِدَينِ شَمَردَلاً
كَما تَشتَهي مِن قوَّةٍ وَشَبابِ

ومن ثمّ أخذ للسياف وبينما هو واقف قال له: أحد سيفك، وثبت قدماك، وباعد بينهما، وأجد الضربة، ففعل وقتله.

المصدر: كتاب "شعر هدبة بن الخشرم العذري" تأليف يحيى الجبوريكتاب "معجم أجمل ما كتب شعراء العربية" تأليف حامد كمال عبدالله حسين العربيكتاب "الأغاني" تأليف ابو فرج الاصفهانيكتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة


شارك المقالة: