قصيدة - ذاد عن مقلتي لذيذ المنام

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “ذاد عن مقلتي لذيذ المنام”:

أمَّا عن مناسبة قصيدة “ذاد عن مقلتي لذيذ المنام” حزن ابن الرومي كثيرًا عندما أصيبت البصرة من خراب ودمار على يد الورزنيني صاحب الزنج، فصور ما فعلو من تعذيب وإذلال أهل مدينة البصرة، وما ألحقوه فيها من دمار بعد أن كانت مليئة بالعلم والأدب، فهذه قصيدة تعد من أجمل ما قيل في الرّثاء البلدان لأنّ الشاعر ابن الرومي رثاها من خلال إحساسه لفقدان البصرة التي أصابها وأصابت أهلها ومن خلال خوفه من الشر والموت والدمار، وقد صور هذه القصيدة لفقدان المدينة وفقدان أهلها وما ألحقى بهم من شر وأذى وتقوم القصيدة على عدة لوحات، وهي:

وفي مطلع القصيدة وصف الشاعر حالته النفسية على إثر ما حصل بالبصرة، حيث قال:

ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ
شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ

أيُّ نومٍ من بعد ما حل بالبصْرَةِ
من تلكمُ الهناتِ العظام

أيُّ نومٍ من بعد ما انتهك الزّنْجُ
جهاراً محارمَ الإسلام


وبعد ذلك ينتقل إلى لوحة أخرى وهي ذم محمد بن علي على خيانته لمدينة البصرة وتنصيب نفسه واليًا عليها من دون حق، فقال فيه:

أقدم الخائنُ اللعينُ عليها
وعلى الله أيَّما إقدام

وتسمَّى بغير حقٍّ إماماً
لا هدى اللَّهُ سعيَه من إمام


وهنا بدأ ابن الرومي بمدح البصرة وبيان عظم شأنها في نفسه وتلهفه عليها، قائلاً:

لهفَ نفسي عليكِ أيَّتُها البصرةُ
لهفاً كمثل لفحِ الضِّرام

لهف نفسي عليك يا معدن الخيرات
لهْفاً يُعضُّني إبهامي

لهف نفسي يا قُبَّةَ الإسلام
لهفاً يطولُ منه غرامي


وينتقل إلى وصف شراسة الزنج وفظاعة ما ارتكبه من جرائم بحق مدينة البصرة:

طلعُوا بالمُهَنَّداتِ جِهْراً فألقتْ
حملها الحاملات قبل التَّمام

أيَّ هَوْل رأوْا بهمْ أيّ هَوْلٍ
حُقَّ منه تشيبُ رأسَ الغلام
ِ


الشاعر هنا يتحسر على ذكريات البصرة وما حصل لها من جرائم من قبل الزنج، حيث قال:

ما تذكرتُ ما أتى الزنج إلّا
أُضرم القلب أيّما إضرام

ما تذكرتُ ما أتى الزنج إلّا
أوجعَتْني مرارةُ الإرغام


وهنا ابن الرومي وصف ما حصل بالبصرة وما حولها من مصائب وتداعيات ذلك على خلاف فئات المجتمع:

رُبَّ بيعٍ هناك قد أرخصُوهُ
طال ما قدْ غلا على السُّوَّام

رُبَّ بيتٍ هناك قد أخرجُوهُ
كان مأوى الضِّعافِ والأيتام

رُبَّ قصْرٍ هناك قدْ دخلوه
كان من قبلِ ذاك صَعْبَ المرام


بدأ الحديث عن صور الحضارة المشرقة لمدينة البصرة قبل دخول الزنج إليه:

عرِّجا صاحبيَّ بالبصرةِ الزَّهْراء
تعريج مُدنفٍ ذي سقام

فاسْألاها ولا جوابَ لديها
لسؤال ومن لها بالكلام

أين ضوضاءُ ذلك الخلقِ فيها
أين أسواقُها ذواتُ الزِّحام


بدأ بالندم على تفريط بالبصرة بأسباب ثبات أركان الدولة، حيث قال:

وخلتْ من حُلولها فهْي قَفْرٌ
لا ترى العين بين تلك الأكام

غيرَ أيْدٍ وأرْجُلِ بائناتٍ
نُبذَتْ بينهنَّ أفلاقُ هام

ووجوهٍ قد رمَّلتْها دماءٌ
بأبي تلكمُ الوجوه الدوامي


وفي نهاية القصيدة استنهاض الشاعر ابن الرومي عزائم الناس للدفاع عن الإسلام ودعتهم للثأر لمدينة البصرة وأهلها:

إن قعدتُمْ عن اللعينِ فأنْتُمْ
شركاءُ اللَّعينِ في الآثامِ

بادروهُ قبلَ الرويَّةِ بالعَزْم
وقبل الإسراج بالإلجام

من غدا سرجُهُ على ظهرِ طِرفٍ
فحرامٌ عليه شدُّ الحزام

لا تطيلوا المقام عن جنَّة الخلد
ِ فأنتمْ في غير دار مُقام

فاشتروا الباقيات بالعرَضِ الأدنى
وبِيعوا انقطاعه بالدَّوام

لقد بدأ ابن الرومي قصيدته بالتحسر والبكاء على مدينة البصرة وقد دفعه إحساسه النابض بحب البصرة بأن يعيش بقلب الحدث حتى وإن كان بعيدًا ولكن كان ذاته وإحساسه حاضرة على امتداد القصيدة إذ بدأ فيها متوجعًا وحزينًا على ما حصل بمدينة البصرة وبعد ذلك انتقل إلى ذمِّ أصحاب الجريمة الزنوج، وبعد ذلك انتقل للحديث عن عظم البصرة وعلو شأنها مظهرًا تلهفه على أصابها من تبدل وتحول جراء دخول الزنج إليها.

وبعد ذلك انتقل ليصف جرائم الزنج ووصف المكان وأجزائه من مصائب وتداعيات ذلك على أهل البصرة، وانتقل الشاعر إلى الحوار مع صاحبيه، طالبا منهما الوقوف على البصرة وسؤالها عن شتَّى جوانب حضرتها التي انقلبت وتحولت ولم يرض ابن الرومي أن يجرد ذاته من المسؤولية تجاه البصرة فتراه دائم التأسف والندم على تفريط بالبصرة وخذلاته لأهلها ولك يكن لابن الرومي إلا أن حث أهل البصرة للدفاع عنها، وعن الإسلام وعراه ولا نبالغ إن قلنا: إنّ ابن الرومي كان حاضراً بشعوره بكل لوحة، وقد اتخذ موقفًا تجاه المكان وأهله وتجاه العدو.

المصدر: كتاب " ابن الرومي حياته وشعره " ترجمة حسين نصاركتاب " ابن الرومي الشاعر المجدد " إعداد الدكتور ركان السقديكتاب " ابن الرومي شاعر الحزن والوجدان الانساني " تأليف الدكتور يوسف مارونكتاب " الشعر والشعراء " تأليف ابن قتيبة


شارك المقالة: