قصيدة - لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم” فيروى أنّ أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمُبَرِّد خرج هو وجماعة من أصحابه مع عبد الله بن هارون الرشيد الملقب بالمأمون إلى سوريا، ووصلوا إلى مدينة الرقة، وبينما كانوا يمشون فيها وصلوا إلى دير كبير، وجلسوا على مقربة منه، فكان المأمون ومبرد جالسون لوحدهم، يتناقلون أطراف الحديث فأقبل على المبرد والمأمون بعضًا من صحبتهم، وقالوا لهم: فلندخل إلى هذا الدير، وننظر ما فيه ونحمد الله تعالى على مارزقنا من السلامة، فوافق المأمون، وتوجه الرجال إلى داخل الدير.

وعندما دخلوا إلى الدير وجدوا بعضًا من المجانين المربوطين، وكانوا غاية في القذارة، وفيهم شاب عليه بقية ثياب ناعمة، وعندما انتبه الشاب إليهم، قال لهم: من أين أتيتم أيّها الرجال؟، فقالوا له: نحن من العراق، فقال لهم: بأبي العراق وأهلها، حياكم الله.

ومن ثم قال لهم هذا الفتى: هل عندكم من الشعر شيئًا، فتنشدوني أو أنشدكم، فقال أبو العباس المبرد لمن معه: والله إنّ الشعر من هذا لطريف، فقالوا له: فلتنشدنا شيئًا من شعرك، فأنشد الفتى قائلًا:

الله يعلمُ أنّني كَمِدُ
لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِدُ.

روحانِ لي: رُوحٌ تضَمّنَها بلَدٌ
وأُخرَى حازَها بلَدُ.

وَأرَى المُقيمَةَ ليس ينفعُها
صبرٌ، ولا يقوَى بها جَلَدُ.

وأظُنّ غائبَتي، كَشاهِدَتي،
بِمكانها تجِدُ الذي أجِدُ.

فقال المبرد للفتى: زدنا من شعرك، فأنشد الفتى قائلًا:

لمّا أناخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيسَهُمُ
وَرَحّلوها، فسارت بالهوَى الإبلُ.

وَأبرَزَتْ من خِلالِ السِّجْفِ ناظِرَها
ترنو إليّ وَدمعُ العينِ مُنْهَمِلُ.

وَوَدّعَتْ بِبَنانٍ عَقدُها عَنَمٌ،
ناديتُ لا حَمَلَت رجلاك يا جَمَلُ!

ويلي من البَينِ! ماذا حلّ بي وبِها
من نازِلِ البينِ حانَ الحَينُ وارْتَحَلوا.

يا رَاحلَ العِيس عَجّل كيْ نُوَدّعَها!
يا رَاحلَ العِيس في ترْحالكَ الأجلُ!

إنّي على العَهدِ لم أنقض مَودّتَهم
فليتَ شعري لطولِ العهد ما فعلوا؟

فرد عليه أحد الرجال وقال له: لقد ماتوا، فقال الفتى: إذًا أموت من بعدهم، فقال له الرجل: إن شئت أن تموت فلتمت، فقام الفتى بالاستناد على السارية التي كان مربوطًا عليها ورمى بنفسه إلى القاع، فمات من فوره، وقام الرجال بدفنه.

المصدر: كتاب "الشعر والشعراء" تأليف إبن قتيبةكتاب "موسوعة شعراء العصر العباسي" تأليف عبد عون الروضانكتاب "الشعراء الصعاليك في العصر العباسي الأول" تأليف الدكتور عين عطوانكتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهاني


شارك المقالة: