مخطوطات إلياس الفلسفية

اقرأ في هذا المقال


إلياس (Elias) هو اسم المؤلف الذي أصبح مرتبطًا في سياق تاريخ معقد لنقل النصوص ببعض مخطوطات الشروح القديمة المتأخرة لأرسطو والبورفيري، وعلى أساس بعض التشابه في الأسلوب والمحتوى يُفترض عمومًا أنّ الأعمال المنقولة باسم إلياس تمامًا مثل الأعمال المنسوبة إلى ديفيد، وانبثقت من مدرسة أوليمبيودورس بالإسكندرية، وأنّ المؤلف عاش وعمل هناك في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي.

ومع ذلك فإنّ الدليل الجيد على وجود فيلسوف أفلاطوني حديث يحمل الاسم الرهباني المسيحي إلياس هو في الواقع قليل.

إلياس وفلسفة أفلاطون وأرسطو:

يشهد القرن السادس على الفور تتويجًا وزوالًا لتقليد طويل من التعليقات الفلسفية على أعمال أفلاطون وخاصة أرسطو، حيث بدأ هذا التقليد بالفعل في القرن الأول قبل الميلاد، لكنه أصبح ملموسًا لأول مرة بالنسبة لنا من خلال التعليقات على أرسطو أسباسيوس في القرن الثاني الميلادي وخاصة مع إكسندر أفروديسياس في أوائل القرن الثالث.

وصل هذا التقليد التفسيري إلى ذروته في النصف الأول من القرن السادس مع الأعمال العظيمة لأمونيوس هيرميو وتلاميذه سمبليسيوس وجون فيلوبونوس، حيث كان الأخير مسيحيًا وبعد الكثير من الانتقادات والجدل خالف فلسفة المدرسة الأفلاطونية المحدثة (الوثنية) وحوّل طاقته إلى تفسير النصوص الكتابية بالإضافة إلى الخلافات اللاهوتية في عصره.

مع ذلك وبسبب بقاء التعليقات التي نُسبت لاحقًا إلى فلاسفة بأسماء مسيحية مثل إلياس وديفيد، يُفترض عمومًا أنّه في أواخر القرن السادس الميلادي، كانت الفلسفة الوثنية لا تزال تُدرس في الإسكندرية من قبل المسيحيين فقط، وسيكون هذا في تناقض ملحوظ مع أثينا حيث تلاشت الفلسفة الوثنية بسرعة بعد أن أغلق الإمبراطور جستنيان (Justinian) الأكاديمية الأثينية في عام 529.

الفيلسوف إلياس والكتابات الموجودة:

نُشرت ثلاثة أعمال منسوبة إلى إلياس وهي:

1- تعليق على المقدمة البورفيري.

2- تعليق على فئات أرسطو.

3- عمل ثالث يعد عمل مبتور ومقتطع للغاية على التحليلات السابقة لأرسطو.

قد يكون مؤلف هذه الأعمال تلميذًا لأوليمبيودوروس، وفي هذه الحالة من الممكن تمامًا أن يكون التعليق على المقدمة مؤلفًا في شكل نسخة من محاضرات أوليمبيودوروس.

في تقليد التدريب الفلسفي الأفلاطوني الحديث كانت المقدمة لالبورفيري وفئات أرسطو جزءًا من المنهج القياسي للمبتدئين، وهي ممارسة راسخة في القرنين الخامس والسادس، ومثل أمونيوس هيرميو من قبله يقدِّم إلياس المحاضرات عن (المقدمة) عامة جدًا للفلسفة، وهو نص ينتمي إلى نوع الأدب الفلسفي الأولي أو الإرشادي.

يتكون شرح إلياس للفلسفة من اثني عشرة محاضرة مصممة لخدمة غرض ثلاثي:

1. لتوضيح وتحديد نطاق الفلسفة.

2. لتبرير الموضوعات المختلفة للمحاضرات التي يوشك الطلاب على سماعها.

3. لتحفيزهم بشكل عام لمتابعة دورة في الفلسفة.

إلى حد ما تبرز مقدمة إلياس للفلسفة الشخصية الفردية ومزاج المؤلف، ولقد ظهر كمحاضر حيوي للغاية أذهل طلابه بالاقتباسات والتلميحات من أنواع عديدة.

على سبيل المثال في 12 محاضرة تمهيدية ذكر أفلاطون 22 مر، و هناك 15 اقتباسًا من هوميروس بالإضافة إلى العديد من الإشارات المتناثرة إلى أرسطو وأفلوطين وبروكلوس ومارينوس وهيروكليس وفيثاغورس وأرشيلوتشوس وثيوجنيس وهيرودوت وكاليماخوس وديموستينس وسوفوكليس ويوريبيدس وميناندر وجالينوس ورواقي لم يذكر اسمه.

علاوة على ذلك يؤكد إلياس مرارًا وتكرارًا على القناعة الأفلاطونية-الأفلاطونية الحديثة بأنّ الغرض من الفلسفة هو تحويل أو استيعاب كائن بشري إلى الألوهية، وهو نموذج أفلاطوني حقيقي مذكور صراحة في ثياتيتوس.

وبالنظر إلى أنّه بحلول أواخر القرن السادس كان أستاذ في الإسكندرية أو في أي مكان آخر في الإمبراطورية الشرقية، فإنّه يخاطب جمهورًا مسيحيًا في الغالب إن لم يكن حصريًا، فإنّ هذه الملاحظات تعطي وقفة واحدة خاصة إذا اعتقد المرء أنّها تنبع من مؤلف.

وإذا كان من الممكن الوثوق بالنسب إلى إلياس فهو نفسه مشترك في المسيحية، وبالنسبة للمسيحي بالطبع لن يكون الاقتراب من الألوهية نتيجة لقراءة واحتضان الفلسفة الأفلاطونية بل نتيجة النعمة الإلهية التي تعتمد على الإيمان.

إلياس وصفات المعلق الفلسفي المثالي:

في مقدمته إلى فئات أرسطو يقدم إلياس ملخصًا موجزًا ومثيرًا للإعجاب للصفات التي يجب أن يمتلكها المعلق المثالي:

1- يجب أن يكون المعلق معلقًا وباحثًا في نفس الوقت.

2- إنّ مهمة المعلق هو كشف الغموض في النص، بحيث من واجب العالم أن يحكم على ما هو صحيح وما هو باطل أو ما هو عقيم وما هو منتج.

3- يجب ألّا يندمج مع المؤلفين الذين يشرحهم، مثل الممثلين على المسرح الذين يرتدون أقنعة مختلفة لأنّهم يقلدون شخصيات مختلفة، فعند شرح أرسطو يجب ألّا يصبح أرسطيًا ويقول إنّه لم يكن هناك فيلسوف بهذا القدر من العظمة، وعندما يشرح أفلاطون يجب ألّا يصبح أفلاطونيًا ويقول إنّه لم يكن هناك فيلسوف يضاهي أفلاطون.

4- يجب ألّا يفرض النص بأي ثمن ويقول إنّ المؤلف القديم الذي يشرحه محق من جميع النواحي، وبدلاً من ذلك يجب عليه أن يكرر لنفسه في جميع الأوقات.

5- يجب ألّا يتعاطف مع مدرسة فلسفية كما حدث لإيامبليكوس، الذي من باب التعاطف مع أفلاطون يتنازل في موقفه من أرسطو ولن يتعارض مع أفلاطون فيما يتعلق بنظرية الأفكار.

6- يجب ألّا يكون معاديًا لمدرسة فلسفية مثل الإسكندر (أفروديسياس)، حيث هذا الأخير كونه معاديًا لخلود الجزء الفكري من الروح يحاول بكل طريقة تحريف ملاحظات أرسطو في كتابه الثالث عن خلود الروح التي تثبت أنّها خالدة.

7- يجب أن يعرف المعلق أرسطو بالكامل حتى يتمكن من شرح أعمال أرسطو من خلال أعمال أرسطو، وبعد أن يثبت أولاً أنّ أرسطو يتفق مع نفسه.

8- يجب أن يعرف أفلاطون بكامله ليثبت أنّ أفلاطون متسق مع نفسه ويجعل أعمال أرسطو مقدمة لأفلاطون.

الفيلسوف إلياس ومشكلة التأليف:

يشير عنوان المخطوطة المنشورة مؤخرًا والتي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر أو الرابع عشر وتحتوي على تعليق مسبق في التحليلات، إلى أنّ إلياس الذي تم تسميته على أنّه مؤلف التعليق شغل ذات مرة منصب المحافظ في الإمبراطورية البيزنطية، في روايات جستنيان تم ذكر محافظ باسم إلياس بالفعل.

نظرًا لأنّ اسم إلياس كان نادرًا في الدوائر العلمانية في ذلك الوقت فإنّ ويستيرنك (Westerink) يقترح أنّه ما لم يظهر دليل على عكس ذلك يجب اعتبار المعلق والمحافظ متطابقين، وكان المحافظ (البريتوري أو الحضري) في أواخر الإمبراطورية الرومانية كممثل مباشر للإمبراطور، وأعلى مسؤول مدني في منطقة أو مدينة (أهمها روما أو القسطنطينية).

إذا كان المعلق إلياس قد شغل مثل هذا المنصب اللامع حقًا فإنّه ربما ذلك بعد أن أسس نفسه كأستاذ للفلسفة، فمن المرجح أنّه جاء أيضًا من عائلة رفيعة المستوى من النبلاء، ولسوء الحظ بصرف النظر عن الأدلة الضئيلة الموجودة في المخطوطات المتأخرة للتعليقات الموجودة، لا يوجد شيء آخر معروف عن فيلسوف أو محافظ باسم إلياس.

القائمة البيزنطية شاملة إلى حد ما من المعلقين على البورفيري وأرسطو، ولا يعرف أي فيلسوف بهذا الاسم، ولا يعرف كذلك الباحث البيزنطي التاسع فوتيوس وأيضًا مؤلف سودا (Suda) الموسوعة العاشرة، وإنّ إلقاء نظرة فاحصة على تقليد المخطوطات يكشف أنّ النصوص المنسوبة الآن إلى إلياس تم تداولها كمخطوطات مجهولة الاسم لفترة طويلة مما يعني أنّ الإسناد إلى أحد باسم إلياس هو إضافة لاحقة.

وبالنظر إلى أنّه لا يوجد شيء مسيحي صريح بشأن هذه الأعمال، أي لا توجد إشارات إلى الكتاب المقدس ولكن النص مليء بالإشارات إلى الفلاسفة الوثنيين والشخصيات الأدبية، وبالنظر إلى أننا نجد إقرارًا صريحًا بالعقائد التي تتعارض بوضوح مع المسيحية من الممكن تبني موقف أكثر تشككًا، وهذا يعني أنّ الشك ينشأ من أنّ المؤلف الأصلي ربما لم يكن مسيحيًا على الإطلاق، ولكنه وثني في العصر الحديث قام مثل أوليمبيودوروس بتعليم الفلسفة اليونانية لجمهور مسيحي.

في هذه الحالة قد يكون الدافع وراء إسناد هذه التعليقات لبعض إلياس هو الكتبة الرهبان الذين سعوا إلى تبرير نسخ هذه النصوص الفلسفية الوثنية من خلال اختراع اسم مسيحي جيد لمؤلفها، وبدلاً من ذلك إذا كان المؤلف هو الحاكم المسيحي إلياس بالفعل كما يقترح فيسترينك، فإننا مدعوون لتعديل تصوراتنا المسبقة حول إمكانية الخطاب الفلسفي الوثني داخل الثقافة المسيحية للإمبراطورية البيزنطية.

وفي كلتا الحالتين تشهد التعليقات على حيوية وأهمية الفلسفة الوثنية والتعلم في منتصف أو أواخر القرن السادس الميلادي.

المصدر: Blumenthal, H.J., 1981. “Pseudo-Elias and the Isagoge commentaries again,” Rheinisches Museum, 124: 188-92.Busse, A., 1892. “Die neuplatonischen Ausleger der Isagoge des Porphyrius,” Wissenschaftliche Beilage zum Programme des Friedrichs-Gymnasiums, BerlinMueller-Jourdan, P., 2007. Une initiation à la Philosophie de l’Antiquité tardive, Pensée antique et médiévale. Fribourg.Elias


شارك المقالة: