الشرعات الدولية للأخلاق الإعلامية

اقرأ في هذا المقال


التعامل مع المُتلقّي له الحق في معلومة مفيدة وموضوعية بنفس الوقت، تثقيفية كانت أم إخبارية أم ترفيهية، فإن التعامل لا يتم معه إلا في كونه مُتلقيّاً، فالمفروض اجتذابة إقناعه وتطويعه. وبناءً على ذلك التصوّر، فإن “المعلومة المواطنة” لا يمكن إلا أن تتراجع، وتتراجع معها الفكرة الديمقراطية التي هي أساسها، لا بل ومادتها الخام. والمعلومة للمصالح والاعتبارات التجارية والسياسية والاقتصادية، من شأنه أن يمثّل خطرًا حقيقيًا على المواطنة والديمقراطية، والضرر الذي قد يتسبب فيه للأخلاق.

تطور الأخلاق الإعلامية:

1- التطور التاريخي للشرعات:

عبّر روّاد الصحافة الأوائل عن المعيقات التي تواجه الصحافي، مثل مؤسس صحيفة “لاغازيت” في العام 1631، ولم يتبلور الأمر؛ بسبب الأنظمة الأوروبية السلطوية، وبدأ الموضوع يُطرَح بقوة في منتصف القرن التاسع عشر، في فرنسا وبريطانيا وأميركا.
وبدأت الشرعات تظهر مثل إعلان تحديد واجبات الصحافيين في بولونيا عام 1896، وإعلان جمعية صحافيين أميركيين في كنساس عام 1910، وغيرها في فرنسا والدول الإسكندنافية. وهناك تقرير وضعه المكتب العالمي للعمل في جنيف عام 1928 فيه إيراد لحقوق الصحافيين من قبيل الرواتب والضمانات، كما حذّر من الدخلاء على المهنة، مع التأكيد على ثيمات من قبيل الدفاع عن حرية الإعلام.
وبين الحربين العالميتين أصبح اهتمام حقيقي بالأخلاق الإعلامية؛ لأن الأنظمة السياسية في أوروبا كانت تخوض حروباً إعلامية آنذاك. ومن هنا، ظهرت في مطلع القرن العشرين الشرعات والقوانين، كما أخذت بالتطوّر، في أربعة مناحٍ: علاقة الصحفي بزملائه وبمصادر الأخبار وبرب العمل وبالجمهور. وليس هناك من تناقض بين الشرعات المختلفة، لكن هناك بعض التفاصيل من قبيل المساواة بين الرجل والمرأة كانت مرفوضة لدى بعض الثقافات التقليدية.

2- إعلان ميونيخ:

  • من المحطات الهامة في تطور أخلاقيات الصحافة، حيث كان هذا في العام 1971، تحت مُسمَّى “إعلان واجبات الصحافيين وحقوقهم”.
  • تبنّته ست دول، ممثلة بنقابات واتحادات الصحافيين، هي: فرنسا وألمانيا الاتحادية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وشاركت في وضعه اتحادات من سويسرا والنمسا.
  • تبنته الدول ذات الطابع الليبرالي، وبعد سقوط جدار برلين تبنته الدول ذات الطابع الاشتراكي.
  • لم يحدد إعلان ميونيخ واجبات الصحافي، بل وحقوقه كذلك الأمر.
  • رأى هذا الإعلان أن مسؤولية الصحافي الأولى هي تجاه الجمهور، قبل رب العمل والسلطات الرسمية.
  • وفي فرنسا، جرى تطبيق هذا المبدأ الذي يضمن استقلالية الصحافي، فبات بوسعه أن يُعبّر عن معارضته للخط الذي تتبنّاه الصحيفة التي يعمل بها.

مبادئ الأخلاق الإعلامية:

لهذه المبادئ هدفين:

  1.   ضمان الأخبار الصحيحة والنزيهة والبعيدة عن التلاعب.
  2.  ضمان نزاهة الصحفيين وحمايتهم من أي ضغوطات قد يتعرَّضون لها.

8 وظائف للشرعات الأخلاقية في الإعلام:

  1. مصداقية المهنة والمؤسسات الإعلامية.
  2. الرفع من شأن الممارسة المهنية.
  3. حماية الجمهور من الاستخدامات غير المسؤولة والدعائية للإعلام.
  4. حماية الصحافة من تدخلات الساسة أو ضغوط الجمهور.
  5. حماية الصحافي من الضغوط والإغراءات.
  6. الحدّ من المنافسة بين الوسائل الإعلامية؛ لِما قد تفضي إليه من مخاطر على المهنة.
  7. توحيد الممارسات والمبادئ الإعلامية.

الأهداف المشتركة بين الشرعات الإعلامية حول العالم:

  1. حماية المتلقي من التضليل.
  2. حماية الإعلامي من الضغوطات والإغراءات.
  3. الحفاظ على قنوات الإعلام مفتوحة من رأس الهرم حتى أدناه.

القيم البارزة في الشرعات الأوروبية:

أجرت الباحثة تينا لايتيلا دراسة مقارنة بين 31 شرعة أوروبية في الأخلاق الإعلامية، فخرجت بهذه المبادئ المشتركة:

1- حرية التعبير والنقد والدفاع عن هذه الحقوق.

2- حماية استقلال الصحافي ونزاهته المهنية.

3- احترام الحقيقة في البحث عن الأخبار وصياغتها.

4- اعتماد الطرق السليمة في البحث عن الأخبار.

5- احترام المصادر.

6- احترام الأشخاص والمساواة بينهم وتحاشي التمييز العنصري.

خصائص الشرعات الإعلامية:

قارن الباحث البريطاني بيرنارد لويس مقارنة لعدد من الشرعات، وقسّمها لسبع فئات هي:

  • تبعاً لطبيعة القواعد: منها القواعد المثالية، القواعد العامة، القواعد الاستثنائية والقواعد موضع التباين.
  • تبعاً لوظائف وسائل الإعلام: منها مراقبة المحيط، نقل صورة العالم، تشكيل منبر عام ونقل الثقافة والتسلية والبيع.
  • تبعاً لميدان المبادئ: منها ما يتناول قطاعاً إخبارياً معيناً ومنها ما يتعلق ببعض البلدان.
  • تبعاً لفئة الإعلاميين: الفصل بين الخبر والتعليق، رفض المغريات والمشاركة في تظاهرات أو توقيع عرائض.
  • تبعاً للمسؤولية المرتقبة: حيال الزملاء، المصادر، الأشخاص المعنيين بالأخبار والجمهور.
  • تبعاً لمراحل العمل: منها الحصول على المعلومة، اختيار الأخبار، معالجة الخبر وتقديمه وما بعد النشر.

خصوصية بعض الشرعات الإعلامية:

عموماً، تشترك الشرعات في المبادئ العامة، لكن بعض هذه الشرعات يملك خصوصية ثقافية ما. ومن قبيل ذلك صورة امرأة عارية على الشاطئ، ففي ألمانيا تعدّ لقطة طبيعية، فيما تعدّ جريئة في فرنسا، ونوع من “البورنوغرافيك” في المجتمعات التقليدية. وفي فرنسا تعدّ الحياة الشخصية للسياسي منفصلة تماماً عن حياته السياسية، فيما الوضع مختلف في المجتمعات الأنجلوسكسونية. وكذلك تختلف المعايير بين الأنظمة الشمولية والسلطوية والديموقراطية، حيث جمعت اليونسكو في السبعينيات صحافيي المعسكرين الشرقي والغربي، لتضع في العام 1983 وثيقة عالمية لأخلاق المهنة.

خصوصية أخلاق الصورة:

  1. للصورة حساسية خاصة مقارنة بالخبر المكتوب.
  2. جدلية لم تحسم في موضوع نشر صور الجثث والأشلاء.
  3. على الصحفي أن يسأل نفسه ماذا ستفيد هذه الصور؟ هل هي للإثارة فحسب، بذريعة النقل المباشر؟
  4. في حال الحروب، يتحتم النظر لزاويتين: الزاوية الإنسانية والأخلاقية، والزاوية الوطنية والدعائية.
  5. في الصحافة الفرنسية مثلاً يُمنع نشر صور فيها جرائم وعنف، لكن بعض الصحافيين يحتجّون.
  6. في الأحوال كلَّها، على الصحافي سؤال نفسه عن عِدة أمور: صحة مصدر الصورة، غرض هذه الصور، هل ستساعد الجمهور على فهم الأحداث بشكل أفضل؟ كم مرة ستنشر هذه الصورة؟ ما هي دوافع من يريدون منا استخدام هذه الصور؟ وهل بوسعنا الشرح للمتلقّين أسباب استخدام الصور؟
  7. على الصحافي استئذان صاحب الصورة والثاني هو من التقط الصورة.

بعض القوانين الأردنية في الشرعات الإعلامية:

1- قانون المطبوعات والنشر:

يذهب هذا القانون لمثل المبادئ الرئيسة التي ذهبت إليها القوانين المطروحة في الصفحات الآنفة، من قبيل احترام كرامة الفرد والتزام الحقيقة والمصداقية. ويشدّد هذا القانون على بُعد آخر، لعلّه غير مطروح كثيراً فيما سبق، هو التعليقات؛ إذ يؤكّد القانون على عدم نشر تعليقات غير متوائمة وفحوى الخبر، وأن يصار للتأكد من صحة ما ورد فيها من حقائق، مع الاحتفاظ بسجل خاص بهذه التعليقات وبيانات أصحابها لِما لا يقل عن ستة أشهر.

2- قانون ضمان حق الحصول على المعلومات:

يسير هذا القانون على النهج ذاته التي تسير عليه القوانين آنفة الذكر، فيما يتعلق بحقّ الصحافي الحصول على المعلومة التي يرغب، بيد أن ثمة اشتراطات واضحة في هذا السياق، من قبيل عدم السماح بالإدلاء بمعلومات تتعلّق بأمن الدولة أو حقوق الملكية الفكرية أو الجرائم المنظور فيها، أو المعلومات الشخصية أو تلك التي تؤثر على مسار التفاوضات بين المملكة وأي طرف آخر.

3- ميثاق الشرف الصحافي:

لا يختلف ما جاء في ميثاق الشرف الصحافي الأردني عمّا نصّت عليه التشريعات والقوانين آنفة الذِكر؛ إذ يجري التركيز على ثيمات احترام خصوصية الآخرين والتزام الحقيقة والمصداقية، والبُعد عن المغريات والمحافظة على استقلالية الصحافة والتأكيد على الدقة والتوازن والموضوعية، وحماية الأطراف التي قد يقع عليها الضرر من قبيل الأطفال أو ذوي الظروف الخاصة. وتعد مواثيق الشرف الصحفي ناضمة لسير عمل الصحف، والتزام الصحفيين بتلك الاخلاقيات.

4- قانون جرائم أنظمة المعلومات:

لا يبدو هذا النظام بعيداً كل البُعد عن التشريعات الإعلامية المتعلقة بالصحافة التقليدية؛ إذ تتركّز القوانين الناظمة تحت هذا البند في ثلاثة اتجاهات، أولها عدم المساس بأمن الدولة ومعلوماتها السرية، وعدم الترويج للإرهاب أو أفكاره أو شخصياته، وكذلك عدم المساس بحرية الآخرين وحياتهم الشخصية، لا ذماً ولا تحقيراً ولا تشهيراً ولا نفاداً لمصادر معلوماتهم الخاصة من تواصل وصور.

5- قانون منع الإرهاب:

يُعد قانون منع الإرهاب لعام 2005 رقم 55 من أكثر القوانينَ المثيرة للجدل، وفي ذات الوقت أن جميع الأطراف اتفقت على أن مكافحة الجريمة الإرهابية أصبحت مقلقة للمجتمع الدولي؛ وذلك نظراً لخطورتها على الفكر وترويع المجتمعات، كذلك تدني أمن الأفراد، إلا أن دولاً كثيرة ترى أن قانون منع الإرهاب حدّ من الموازنة بين الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب، وبين حقوق الإنسان وحريته، وبألأخص الحق في المحاكمة العادلة، وضمان حرية الرأي والتعبير.
وعلى الرغم من طابعه الذي قد يبدو سياسياً، إلا أنه يرتكز على أذرع عدة من شأنها الحيلولة دون حدوث الأعمال الإرهابية وما يفضي إليها، من قبيل استخدام الوسائل الإلكترونية أو المواد الإعلامية المفضية للإرهاب، أو المروّجة له أو تلك التي تعيّن الإرهابيين بأي شكل كان على القيام بأعمالهم التي تمسّ الأمن وسلامة الوطن والأفراد وغير ذلك من الأعمال الإرهابية.


شارك المقالة: