الأحوال الحرارية في العالم العربي

اقرأ في هذا المقال


ما هي الأحوال الحرارية في العالم العربي؟

إن العوامل المتعددة التي تتحكم في درجة الحرارة واختلاف أهمية الدور الذي يلعبه كل عامل منها في المناطق المختلفة قد خلق في العالم العربي نماذج حرارية متباينة، وذلك على حسب الظروف المحلية لكل مكان، وأن امتداد هذا العالم من خط عرض 2 درجة جنوب خط الاستواء تقريباً إلى خط عرض 37 درجة شمالاً يعني أنه يمتد عبر حوالي 39 درجة عرضية.
حيث أن بعض أقسامه يقع داخل العروض الحارة بينما يقع بعضها الآخر داخل العروض المعتدلة، وكما ترتب على هذا وجود فروق حرارية كبيرة بين أجزائه الشمالية من جهة وأطرافه الجنوبية من جهة أخرى، فبينما نجد مثلاً أن المعدل الحراري السنوي داخل مدينة بربرة الصومالية التي تقع على خليج عدن، حيث يزيد على 30 درجة مئوية، فإننا نجد أنه لا يزيد على 15 درجة مئوية في مدينة حلب التي توجد في شمالي سوريا.
وبينما المعدل الحراري لشهر يوليو في بربرة يرتفع إلى 37 درجة مئوية فإنه يكون 29 درجة مئوية في حلب، كما لا ينخفض المعدل الحراري لشهر يناير في بربرة عن 24 درجة فإنه ينخفض إلى 6 درجات في حلب، ومن هذا يظهر أن الفرق الحراري بين هاتين المدينتين يكون صغيراً خلال فصل الصيف، حيث يبلغ 8 درجات فقط بينما يكون كبيراً خلال فصل الشتاء، حيث يصل إلى 18 درجة.
حيث يعني هذا أن كل البلاد العربية تقريباً، ما عدا البلاد الجبلية والبلاد التي يكون وقوعها على سواحل البحر المتوسط تكون حارة خلال فصل الصيف، حيث لا توجد فروق كبيرة بين بعضها، أمَّا خلال فصل الشتاء فإن الأجزاء الشمالية وخاصة الجبلية منها البرودة تكون فيها شديدة، بينما الأطراف الجنوبية فتبقى دافئة، وهذا يعني أن أهم الاختلافات الحرارية بين شمالي العالم العربي وجنوبيه ترجع بشكل خاص إلى شدة برودة فصل الشتاء في الشمال أكثر من رجوعها إلى شدة حرارة فصل الصيف في الجنوب؛ وهذا لأن الحرارة الشديدة تكون عامة في جميع البلاد العربية.
وكما أن شدة حرارة فصل الصيف ترجع إلى صفاء الجو وطول ساعات سطوع الشمس وأيضاً إلى كبر زاوية سقوط الأشعة وجفاف التربة؛ وذلك بسبب جفاف الهواء وانعدام الأمطار تقريباً وقلة مظاهر التكثف الأخرى خاصة الندى، بحيث لا تجد التربة أي مصدر يقوم بتعويضها عما تفتقده من المياه بالتبخر، ولهذا فإن سطح الأرض نفسه يسخن بسرعة خلال النهار حتى ترتفع درجة حرارته في المناطق المكشوفة إلى أكثر من 40 درجة مئوية، بل وكثيراً ما تصل درجة حرارة سطح رمال الصحراء في وسط النهار إلى 70 درجة مئوية أو أكثر، وممَّا يعرف بأن سخونة الرمال بهذا الشكل مع هدوء الهواء يترتب عليهما انطلاق الكثير من الإشعاعات الحرارية من سطح الرمال إلى الجو فينتج من ذلك ظهور (السراب) الذي تشتهر به الصحاري الحارة بشكل عام.
حيث يسثنى من ذلك الأماكن الماطرة خلال فصل الصيف مثل جنوب السودان ووسطه فإن أكثر الشهور حرارة في كل أجزاء العالم العربي الأخرى هي شهر يوليو وشهر أغسطس، أمَّا في الأماكن الماطرة خلال فصل الصيف فإن معدلات هذين الشهرين تكون ارتفاعاتها قليلة نوعاً ما؛ وذلك نتيجة لكثرة السحب والأمطار نسبة للأشهر الجافة التي تكون قبلها أو التي تأتي بعدها مباشرة، ففي هذه الأماكن تكون الحرارة في العادة قمتان إحداهما قبل موسم المطر مباشرة والثانية بعدها مباشرة، وتكون القمة الأولى في الغالب أوضح من القمة الثانية، فمثلاً في مدينة الخرطوم تكون أشد أيام العام حرارة هي الأيام التي تقع بين منتصف شهر مايو ومنتصف شهر يونيو، وتليها الأيام التي تقع بين منتصف شهر سبتمبر ومنتصف شهر أكتوبر.
حيث يعود السبب في ارتفاع القمة الأولى عن القمة الثانية هو أن موسم المطر ينتهي تدريجياً وكما تبقى التربة محتفظة ببعض رطوبتها وبكثير من غطائها النباتي لمدة أسبوعين أو ثلاثة بعد أن ينتهي موسم المطر، فهذه العوامل كلها تعمل نوعاً ما على تخفيف شدة القمة الثانية عن القمة الأولى التي تأتي في اللحظة التي تكون فيها التربة قي أشد حالات جفافها، وفي أشد حالات فقرها للغطاء النباتي، ولكن ما إن تبدأ الأمطار في الهطول حتى تتبلل التربة وتبدأ الأعشاب في النمو فتنخفض درجة الحرارة بشكل ملحوظ.
ونظراً لأن طول فصل المطر يزداد عندما نتجه جنوباً، فإن قمتي المنحنى الحراري تتباعدان بسبب لذلك، فمثلاً في بلدة المالاكال التي تكون واقعة إلى الجنوب من الخرطوم بحوالي 6 درجات عرضية تظهر القمة الحرارية الأولى قبل القمة الثانية في الخرطوم بحوالي ثلاثين يوماً، كما أن القمة الثانية تظهر بعد القمة الأولى في الخرطوم بنفس الفترة تقريباً، إلا أن القمة الثانية في الماكال لا تكون واضحة مثل وضوحها في الخرطوم؛ وذلك بسبب كثرة هطول المطر وزيادة رطوبة التربة وكثافة الغطاء النباتي ووجود الكثير من المسطحات المائية.
وكما أن التضاريس تلعب دوراً مهماً في توزيع الحرارة، حيث أن أثرها لا يتوقف على التناقص الذي يحدث في العادة بالارتفاع، بل أن هذا الأثر يظهر كذلك بأشكال ثانية من بينها التأثير الذي يُحدثه كل من نسيم الجبل ونسيم الوادي، والتأثير الذي يحدث انضغاط الهواء عند هبوطه على أطراف الجبال أو ارتفاعه عليها، حيث يسخن في الحالة الأولى بسبب انضغاطه، كما هو الحال بالنسبة لرياح الفهن المعروفة، بينما يبرد في الحالة الثانية؛ بسبب تخلخله عند اندفاعه إلى أعلى.
وكما تحدث ظاهرة (الفهن) في أغلب المناطق الجبلية التي توجود في الوطن العربي مثل المنحدرات الموجودة في شمال جبال طرابلس في ليبيا، فعندما تهب الرياح الصحراوية على هذه المنحدرات في بعض أيام فصل الربيع ترتفع درجة الحرارة في السهول التي تجاورها إلى أكثر من 50 درجة مئوية، حيث سجلت في هذه السهول بالفعل درجات حرارية لا تعادلها في الارتفاع إلا الدرجات التي تم تسجيلها في وادي الموت بكاليفورنيا، وقد وصلت درجة الحرارة في بلدة العزيزية التي تقع في سهل الجفارة إلى الشمال من حافة جبال طرابلس في ليبيا في أحد الأيام إلى 56 درجة مئوية، وتتكرر الظاهرة نفسها تقريباً في الأماكن الجبلية الثانية ومن أهمها جبال أطلس وجبال لبنان.
وكما تلعب الأودية التي تعمل على قطع الجبال دوراً أساسياً في تحريك الرياح، كما أنها تؤثر بشكل واضح على درجة الحرارة، حيث أن اتجاه منحدرات الأودية له علاقة بشكل مباشر على توزيع الإشعاع الشمسي سواء كان على امتداد ساعات النهار أو على امتداد أشهر العام.

المصدر: يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.


شارك المقالة: