الإستبس حشائش العروض المتوسطة

اقرأ في هذا المقال


ما هو الإستبس؟

كان اسم الإستبس يطلق بمعناه الصحيح على الحشائش التي تغطي مساحات كبيرة في داخل القارات في العروض المتوسطة، ولكنه أصبح في وقتنا الحاضر يشمل أيضاً نطاقات أخرى من الحشائش الموجودة في العروض المدارية بين نطاقات السافانا من جهة والصحاري الحارة من جهة أخرى.
وإستبس العروض المتوسطة هي في الحقيقة أكبر مناطق الإستبس اتساعاً وأهمها وذلك من حيث تنوع مظاهر استغلالها الاقتصادي في الوقت الحاضر، وهي تتميز بأن حشائشها تكون قصيرة وأكثر اخضراراً وليونة من حشائش السفانا والإستبس الحار، ممَّا يجعلها أصلح منها لتغذية الماشية.
ومن الناحية المناخية فإننا نرى بأن مناخ السافانا والإستبس يكون قاري وأن أمطارهما تهطل في نصف العام الصيفي، إلا أن أمطار الإستبس تكون نوعاً ما أقل من أمطار السفانا، فبينما يكون معدل أمطار السافانا تقريباً 100 سنتيمتر أو أكثر نجد أن معدل أمطار الإستبس من النادر أن يرتفع على 75 سنتيمتراً.
وفيما يختص بدرجة الحرارة نجد أنها يندر أن تنخفض داخل أقاليم السافانا عن 21 درجة مئوية في أي شهر من الشهور، أمَّا أقاليم الإستبس فعلى الرغم من أنها تكون شديدة الحرارة داخل فصل الصيف فإنها تكون شديدة البرودة داخل فصل الشتاء الذي ينخفض معدل الحرارة اليومي في أثنائه إلى أقل من 6 درجات مئوية، وقد ينخفض في بعض الجهات إلى أقل درجة التجمد فيتغطى سطح الأرض بالجليد، وفي هذا الفصل تجف أغلب الحشائش وتموت بشكل نهائي أو تبقى في حالة سكون حتى بداية الفصل الدافئ الذي يتفق مع فصل هطول الأمطار.
وتتباين الحشائش المعتدلة في كثافتها من جهة إلى أخرى وذلك يكون بحسب كميات هطول الأمطار، وعلى هذا الأساس يقوم بعض الجغرافيين بتقسيم المناطق التي تنمو فيها الحشائش إلى نوعين هما:

  • البراري: وتعرف بأنها المناطق التي تنمو داخلها حشائش كثيرة مرتفعة تختلط بها أحياناً بعض الأشجار، حيث تكون كمية المطر السنوي فيها ما بين 75 و100 سنتيمتر، ومن الأمثلة عليها تلك المنطقة المعروفة باسم البراري في وسط أمريكا الشمالية.
  • الإستبس: وتعرف بأنها الأماكن التي تغطيها حشائش تكون فقيرة نسبياً، ويكون ذلك داخل الأقاليم التي تكون أمطارها ما بين 25 و50 سنتيمتراً، وهي تخلو بشكل تام من الأشجار، وفي بعض هذه الأماكن يتغطى سطح الأرض بخصل أو مجموعات متفرقة من الحشائش بينما ينمو في بعضها الآخر غطاء متصل من الحشائش القصيرة.
    وتغطي الحشائش المعتدلة مساحات كبيرة من القارات المختلفة، ففي أوراسيا نجد أنها تنتشر في أغلب دول شرق أوروبا وجنوب روسيا وغرب آسيا، وهي تتدرج من إقليم الغابات النفضية في الغرب ومن إقليم الغابات الصنوبرية في الشمال، وتقل كثافتها كلما توجهنا إلى الشرق تبعاً لتناقص هطول الأمطار حتى تنتهي داخل صحاري وسط آسيا، ولكنها تعود للظهور مرة أخرى في منشوريا، وهي تظهر فضلاً عن ذلك في مساحات كبيرة نسبياً في بعض دول حوض البحر المتوسط وبالأخص في إيطاليا وإسبانيا.
    وفي أفريقيا نجد أنها تنمو في الجزء الجنوبي من هضبة أفريقيا الجنوبية إلى الشرق من صحراء كلهاري، ومنها الحشائش التي تنمو على هضاب الفلد والتي عرفت باسمها هذه الهضاب وفي أستراليا تنمو هذه الحشائش في السهول الوسطى داخل حوض نهر مرى دارلنج، وتقل كثافتها كلما اتجهنا إلى الغرب حتى تنتهي في النطاق الصحراوي الذي يضم أغلب وسط القارة، وإذا انتقلنا إلى العالم الجديد نجد أنها تشغل أغلب السهول الوسطى في كل من الولايات المتحدة وجنوب كندا، وتقل كثافتها كلما اتجهنا إلى الغرب تبعاً لتناقص الأمطار، ولهذا فمن الممكن أن نقسمها إلى قسمين هما:
  • إقليم البراري داخل وسط الولايات المتحدة وجنوب كندا، كما يمتاز بارتفاع حشائشه وكثافتها وكثرة الأزهار التي توجد بها، حيث يعتبر خط طول 100 درجة غرباً الحد الغربي لهذه الأقاليم على وجه التقريب.
  • إقليم الإستبس الذي تغطيه حشائش فقيرة نسبياً، ويكون امتداده إلى الغرب من ذلك وانتهاءه يكون عند المنحدرات الشرقية لجبال روكي.
    وكما نلاحظ أن مساحات كبيرة من منطقة الحشائش المعتدلة في جميع القارات تقريباً قد تم تحويلها إلى حقول زراعية لإنتاج بعض الغلات التي من أهمها الحبوب الغذائية مثل القمح، ولا يوجد شك في أن مناطق الحشائش المعتدلة تعتبر في وقتنا الحاضر أكبر مناطق إنتاج اللحوم في العالم، بل أنها أصبحت أيضاً أكبر مناطق إنتاج القمح وبعض الحبوب الغذائية الأخرى وقد ساعد على ذلك عدد من العوامل أهمها:
  • اعتدال مناخها حيث يكون ملائم لنمو الحشائش والمحاصيل الزراعية.
  • صلاحية حشائشها لاطعام الماشية والأغنام.
  • وجود أغلبها داخل دول متحضرة يمكنها أن تحسن استغلالها.
  • جودة التربة في أغلب مناطقها.
    كما ترتب على قرب مراعي أوروبا وأمريكا الشمالية، من مراكز الصناعة وازدحام السكان داخل القارتين، وشدة الحاجة إلى الحبوب الغذائية أن تحولت مساحات كبيرة منها إلى حقول زراعية، فمثلاً في الولايات المتحدة نجد أن أغلب البراري التي في الجزء الشرقي من السهول الوسطى أصبحت في وقتنا الحاضر من أكبر مناطق إنتاج القمح والذرة في العالم، كما بدأت الزراعة تنتشر في هذه السهول منذ أواخر القرن الثامن عشر، فقد كان سكان البلاد القليلون ينتشرون في الولايات الشرقية بالقرب من ساحل المحيط الأطلسي.
    وكان رعي الماشية موجوداً إلى جانب مع الزراعة في نفس هذه الولايات، إلا أن السكان أخذوا في التزايد بشكل سريع وترتب على ذلك أمران هما:
  • زيادة الاهتمام باستغلال أراضي الولايات الشرقية من أجل الإنتاج الزراعي، حيث أن المناطق التي كانت مخصصة لرعي الماشية بدأت في التناقص حتى اختفت حرفة الرعي تماماً من هذه الولايات.
  • هاجر الرعاة باتجاه الغرب إلى السهول الوسطى، إلا أن التوسع الزراعي ما لبث أن امتد إلى هذه السهول كذلك، ممَّا أدى إلى انتقال حرفة الرعي مرة أخرى باتجاه الغرب حتى استقرت داخل نطاق الإستبس في الجزء الغربي من السهول الوسطى وعلى الهضاب شبه الجافة إلى الشرق من جبال روكي بشكل مباشر، ونظراً لأن هذه المراعي فقيرة فإن المواشي التي تربى عليها تكون ضعيفة في الغالب، لذلك فإنها تنقل إلى المناطق الزراعية جهة الشرق، حيث تُعلف على الذرة لمدة معينة لتسمينها قبل ذبحها.
    وما حدث داخل أمريكا قد حدث ما يشبهه إلى حد كبير في أوروبا، حيث حولت كثير من مناطق الرعي في وسط وشرق أوروبا إلى حقول زراعية ولهذا فقد انتقلت حرفة الرعي باتجاه الشرق وأصبحت تتمركز في وقتنا الحاضر داخل مراعي وسط وغرب آسيا، بينما أصبحت أوكرانيا وجنوب روسيا من أكبرالمناطق لإنتاج القمح في العالم.
    أمَّا أمريكا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا فإن نسبة ما يصلح من مناطق الحشائش المعتدلة فيها للإنتاج الزراعي لا تزال أقل منها في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث أن حرفة الرعي هي السائدة في كل منها، كما أن الأبقار والأغنام من أهم الحيوانات التي يتم تربيتها داخل المراعي المعتدلة، حيث يتم رعي الأبقار داخل مناطق البراري الغنية، أمَّا الأغنام فيتم رعيها داخل المناطق الفقيرة نسبياً.
    وكما تشتهر مراعي أستراليا ونيوزيلندة بشكل خاص بتربية الأغنام التي تربى في الغالب من أجل الصوف، حيث تعتبر أستراليا أكبر الدول التي تصدره في العالم، أمَّا مراعي الأرجنتين وأمريكا الشمالية فتفضل تربية الماشية على تربية الأغنام، وتعتبر الخيول أيضاً من حيوانات المراعي المعتدلة، وتكثر تربيتها بشكل خاص في مراعي آسيا.
    وبصرف النظر عن الحيوانات المستأنسة التي تربى لأغراض اقتصادية، فإننا نلاحظ بأن مناطق الحشائش تعتبر موطناً لأنواع عديدة من الحيوانات التي يشترك معظمها في صفات معينة تساعدها في تحمل الظروف الطبيعية السائدة فيها، ومن أهمها جفاف فصل الشتاء وشدة برودته وفقر الحياة النباتية في أثنائه، ولهذا فإن بعض الحيوانات يضطر للهجرة إلى أماكن أخرى، بينما يضطر البعض الآخر للبقاء والراحة التامة داخل مساكنه حتى يحل فصل الدفء.
    وتميل أغلب حيوانات هذه المناطق سواء في ذلك الطيور أو الحيوانات الثديية إلى أن تعيش داخل مجموعات وأن تهاجر في مجموعات أيضاً، وكثيراً ما تضطر للانتقال إلى أماكن بعيدة جداً للهروب من البرودة الشديدة أو بحثاً عن الماء خلال فصل الشتاء وتغير في أثناء انتقالها على المناطق الزراعية التي تصادفها، والحيوانات الثديية التي تعيش على البر داخل المراعي المعتدلة أهمها الغزال وبعض الحيوانات القارضة مثل كل من السنجاب البري والجربوع والأرانب البرية.
    وقد كانت مراعي أمريكا الشمالية تشتهر بوجود نوع من الثيران الوحشية تعرف بإسم البيزون حيث تشتهر بسرعة العدو، وهي ميزة تساعده على الهروب من الذئاب التي توجد بكثرة داخل هذه المراعي، وقد كان البيزون موجوداً بكثرة في الماضي ولكنه كاد ينقرض في وقتنا هذا نتيجة كثرة اصطياده من ناحية وتحول كثير من مناطق الحشائش للإنتاج الزراعي أو الرعوي المنظم من ناحية أخرى، أمَّا الطيور فمن أهمها السمان الذي يهاجر في آخر فصل الخريف باتجاه المناطق الدافئة هروباً من برودة فصل الشتاء وبحثاً عن الغذاء.

المصدر: علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.


شارك المقالة: