المدينة في الجغرافيا

اقرأ في هذا المقال


ما هي المدينة في الجغرافيا؟

يتم تعريف المدينة على أنها عبارة عن مساحة يعيش فيها الإنسان بشكل حضاري، حيث يوجد بها كثافة سكانية كبيرة، كما يوجد لها أهمية معينة تميزها عن الأماكن الأخرى، حيث يختلف تعريف المدينة من مكان إلى آخر ومن وجهة نظر إلى أخرى.
كما ارتبطت نشأة المدن خلال العصر الحجري الحديث عندما قام الإنسان بتحويل مهنته من مهنة الجمع والالتقاط إلى إنتاج الطعام وذلك عن طريق الزراعة واستئناس الحيوان، حيث يرجع في ذلك إلى ما بين خمسة وسبعة آلاف سنة ما قبل الميلاد، إذ قد تسببت هذه التطورات بالنسبة للشرق الأوسط في استقرار الإنسان وتجمعه في مجموعات كونت قرى، ومع مرور الزمن كبرت القرى وتحولت إلى مدن، وأول ما ظهرت المدن كان ظهورها في وديان الأنهار في أوائل الألف الرابعة قبل الميلاد.

أهم الأسس المعتمدة في توضيح مفهوم المدينة:

وعلى العموم فقد تطورت المدينة بشكل كبير حيث صاحب هذا التطور الزيادة في توفير الطعام والوقت، فالزيادة في الطعام تعني أنه قد سُمح لبعض الأفراد بترك الزراعة والذهاب إلى أعمال أخرى، والزيادة في الوقت تعني أنه قد سُمح لهم بالتأمل والتفكير والإنتاج، حيث يختلف الجغرافيون في تعريفهم للمدينة إلا أنهم يجتمعون حول خمسة أسس رئيسية هي كما يلي:

  •  الأساس الإحصائي أو الكمي: حيث أنه يعتمد على عدد معين من السكان، بمعنى ذلك أن التجمع السكاني يصبح مدينة إذا وصل إلى عدد معين من السكان.
  • الأساس الإداري: وهو أن المدينة يتم تحديدها عن طريق مرسوم أو قرار إداري، وهذا هو الذي يتم اتباعه بشكلٍ رئيسي في المملكة العربية السعودية، حيث تعد المستوطنة البشرية مدينة إذا كان فيها بلدية، وبناء على هذا المعيار تضم المملكة العربية السعودية أكثر من مائة مدينة.
  • الأساس التاريخي: حيث أنه هو المدينة القديمة، وأن الآثار التاريخية تكون دليل على ذلك.
  •  الأساس الوظيفي: وهو أن المدينة تجمع سكاني لا يمارس معظم أفراده مهنة الزراعة.
  •  الأساس المظهري: حيث يتلخص هذا التعريف في أننا يمكن أن نتعرف على المدينة من خلال شكلها العام، وذلك يكون من حيث حجمها وحركة المرور الموجودة فيها وكثرة الدوائر الحكومية التي تضمها وهكذا.
    لقد تم اختيار مواضع المدن في بداية نشأتها بحيث يكون من السهل الدفاع عنها، كما ارتبط العمران المدني في أمور كثيرة بظلال كل من الحصون والقلاع، حيث أن الحصون والقلاع بدورها أخذت موقعاً طبيعياً يسهل الدفاع عنه ويفسر هذا الموقع لفظ (برغ burgh)، حيث يوجد الكثير من أسماء المدن الأوروبية ارتبطة به، كما قامت بعض المدن باختيار أماكن تحيط بها العقبات الطبيعية من أجل أن يكون ذلك حماية لها من الأعداء، وزيادة في الاطمئنان والأمن بنيت الأسوار، وقد روعي في اختيار مواقع المدن أن تكون كما يلي:
  • تكون عند التقاء الطرق.
  • بالقرب من التقاء مناطق زراعية مع مناطق صحراوية.
  • حول مصبات الأنهار بشكل عام وعند التقاء النهر بالبحر والمحيط يشكل خاص، أو عندما تلتقي الطرق البرية بالطرق الحديدية.

ما هي وظائف المدن؟

  • الوظيفة الحربية: يرى بعض الباحثين أن أساس وظيفة المدن تاريخياً هو الدفاع وأن أول مدينة نشأة في التاريخ كانت عسكرية، حيث كان ذلك خلال عصر المعادن التي قام سكانها باستخدامها، فأعطتهم القوة، ولكي يضمنوا سيطرتهم اتخذوا مساكنهم في نقطة قوية مثل جزيرة أو تل، حيث قام الفلاحون بالتجمع عند سفوح التل، كما أن أغلب المدن القديمة لجأت إلى الحماية بالمتاريس أو الأسوار التي تحيط بها، ومن هنا كان السور أو الحائط ظاهرة مشتركة بين أغلب المدن في الماضي.
    حيث أن الوظيفة الحربية هي واحدة من وظائف المدن في الوقت الحالي، أمَّا المدن الحربية فإننا لا نجد إلا نماذج قليلة منها مثال على ذلك كل من مدينة خميس مشيط العسكرية، المدينة العسكرية في تبوك، مدينة الملك خالد العسكرية في حفر الباطن بالمملكة العربية السعودية، ومن الممكن أن تنحصر الاستعدادات والتجهيزات العسكرية في بعض الأحياء من المدن، كما هو الحال في القاهرة وحول دمشق ووهران في الجزائر.
  •  الوظيفة التجارية: إن المدن التجارية هي أقدم مدن العالم بشكل عام، ومدن العالم العربي بشكل خاص، حيث يرجع ذلك إلى موقع العالم العربي الجغرافي وتوسطه لثلاث قارات مهمة، وتقع أغلب المدن التجارية عند التقاء الطرق البرية أو البرية والمائية أو عند التقاء الأقاليم المختلفة في الإنتاج، أو عند التقاء اليابس بالماء، ومن أشهر المدن التجارية في الماضي مكة المكرمة وتدمر وغزة.
  • الوظيفة الصناعية: ليست الصناعة سبب تكون المدن بشكل عام، ولكن الصناعة تتسبب في تكون الكثير منها، وعلى سبيل المثال أدت الصناعة إلى تكون بعض المدن مثل ديترويت في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت مركزاً من أجل جمع الفراء وتجارته ثم تحولت إلى صناعة السيارات فزاد عدد سكانها بشكل كبير، ومن المدن التي نشأت بسبب الصناعة مدينة نوفو سيبريك وماغنيتوغورسك في الاتحاد السوفيتي سابقا.
  • الوظيفة السياسية: إن الوظيفة السياسية تعد من أهم الوظائف القديمة للمدن، حيث لاحظ التاريخ بأن الوظيفة السياسية للمدينة اتخذت شكلاً محدداً فيما أطلق عليه عصر (دول المدن) في كل من أثينا وأسبرطه وطروادة، حيث يتحكم في تحديد المدن العواصم أمران مهمان وهما: وظيفتها كقلب للدولة، سهولة اتصالها بالخارج كمندوب عن الدولة، ويتم اختيار مواقع العواصم وفقاً لعدة أسس ومن ما يلي:
    • التوسط الجغرافي مثل كل من: الرياض، مدريد، القاهرة.
    • توسط منطقة التركز السكاني مثل كل من: واشنطن، باريس، لشبونة.
    • الأصالة التاريخية: قد تتم وحدة دولة حول مدينة قديمة فتصبح عاصمة، مثل كل من باريس، برلين، دمشق.
    • التوجه السياسي حيث تقوم الدولة باختيار عاصمتها في مكان من السهل الدفاع عن الدولة منه كاختيار الأطراف التي تتوقع منها الخطر مثل كل من: دلهي، بكين، الجزائر، وتونس، كما في أغلب الأحيان تحاول بعض الدول اختيار أو بناء عاصمة جديدة من أجل تعمير منطقة ما، أو بسبب اكتظاظ السكان في العاصمة السابقة، وأهم مثال على ذلك هو اصدار قرار حكومي ببناء مدينة برازيليا وجعلها عاصمة للبرازيل في عام 1956 ميلادي بدلاً من ريودى جانيرو التي اكتظت بسكانها وأصبحت الحياة فيها لا تطاق.
  • الوظيفة الدينية: الوظيفة الدينية من أقدم وظائف المدن، حيث تم تسميته بعض مدن المصريين القدماء نسبة إلى الآلهة التي كانوا يعبدونها مثل بوصير (بيت أوزريس)، وفي اليونان بنيت أثينا كمعبد للإلهة أثينا، كما أن مدن السومريين لم تبنى إلا للعبادة، وتنقسم المدن الدينية إلى:
    • مدن حج مثال عليها كل من مكة المكرمة، ليزيو في جبال البرانس بين كل من أسبانيا وفرنسا.
    • مدن الأضرحة ومن الأمثلة عليها مدينة طنطا.
    • مدن الحكم الديني مثال على ذلك كل من روما، بغداد، والقيروان.
    • مدن الأديرة أو الزوايا، حيث تكون هذه المدن مبنية على الأطراف ومنعزلة في غابة أو مستنقع، كما تكون بعيدة عن العمران، ومن الأمثلة عليها مدن التبت (اللامات) والرباط التي كان يرابط بها الشيوخ المجاهدون.
      كما يوجد هناك وظائف أخرى للمدن مثل الوظيفة الثقافية مثل كل من: الأزهر، جامعة الزيتونة، وهناك أيضاً المدن الجامعية في أوروبا مثل كل من أكسفورد وكمبردج في بريطانيا، برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الوظائف الأخرى للمدن الوظيفة الصحية ومثال عليها مدن المياه المعدنية ومدن المصحات، ومدن الاعتزال، كما يوجد هناك المدن ذات الوظائف الترفيهية مثل المحطات الجليدية ومدن المشاتي والمصايف البحرية.
  • تركيب المدينة: إن دراسة تركيب المدينة هي عبارة عن دراسة مجموعة الأبنية وتوزيعها وأنماطها وتفسير ما تدل عليه هذه المظاهر الحضارية، وأصل المدينة هو أقدم جزء في المدينة، ويطلق على هذا الجزء القديم نواة المدينة، وكانت الأسوار تحيطه في الغالب، وكلما نمت المدينة هدم السور القديم وبني سور جديد أكثر اتساعاً من سابقه، وتتميز المدن الحديثة بما يأتي:
    • اختفاء الأسوار القديمة التي أصبحت بلا قيمة أمام الصواريخ وغيرها من الأساليب الحربية الحديثة.
    • اتساع مساحة المدن اتساعاً كبيراً، ومثالاً على ذلك مساحة لندن التي وصلت في بداية السبعينيات إلى أكثر من 1800 كيلو متر مربع، بينما كانت مساحتها لا تزيد عن كيلو مترين مربعين في بداية بنائها كمدينة.
    • لا ترتبط المدن حالياً بشكل محدد دائرياً كان أو مستطيلاً، بل أصبحت المدن مجمعات من المباني لا شكل لها، حيث تمتد مبانيها حتى تتصل بقرية مجاورة، فتضمها إليها وتضم قرية بعد أخرى وبلدة بعد بلدة، وبذلك تتكون المجمعات المدنية.
    • ظهور التوائم الحضرية أو المدن التوأمية، حيث يقصد بذلك اندماج مدينتين في مكان واحد مثل كل من الرياض والدرعية، القاهرة والجيزة، أم درمان والخرطوم، كما تشترك المدن التوأمية في بعض الخدمات دون الأخرى لكنها تميل إلى تركيز نشاطها في مكان واحد.

المصدر: محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.


شارك المقالة: