المناخ الاستوائي في حوض الكونغو وساحل غانا

اقرأ في هذا المقال


ما هو المناخ الاستوائي في حوض الكونغو وساحل غانا؟

إن الجزء الأوسط من حوض الكونغو يتكون من سهل منبسط يمتد حول نهر الكونغو نفسه، وحول الأجزاء الوسطى والدنيا من روافده، حيث يكون ارتفاع هذا السهل تقريباً (300 متر) فوق مستوى سطح البحر، وتنمو به غابات كثيفة خضرتها دائمة تتخللها في أماكن متفرقة مناطق صغيرة يقوم فيها السكان ببعض الزراعة المتنقلة، كما تحيط بهذا الجزء من جميع الجهات أراض مرتفعة يزيد ارتفاعها بشكل خاص من جهة الشرق، حيث تمتد الحافة الغربية للفرع الغربي من الوادي الانكساري العظيم، حيث يكون ارتفاعها ما بين (2000 و3000 متر)، والنقطة العالية فيها هي جبال روونزوري التي يكون ارتفاعها تقريباً (5120 متراً).
وكما يتدرج الارتفاع كذلك كلما ذهبنا جنوباً حتى أنه يتراوح في أغلب النصف الجنوبي من الحوض ما بين (500 و1000 متر)، وقد يصل في بعض الأماكن إلى أكثر من (1200متر)، كما هو الحال حول مدينة إليزابيث فيل داخل الجنوب الشرق، والمظهر النباتي الذي يوجد في الجزء الجنوبي المرتفع نسبياً من الحوض هو السفانا الكثيفة التي تتغطى بها في بعض الأماكن مساحات كبيرة وغير منقطعة.
وخط الاستواء يقوم بقطع الجزء الشمالي من الحوض، حيث أنه يمر بشلالات إستانلي، وهذا الجزء هو الذي يمثل المناخ الاستوائي الحقيقي، وهو يمتد من شمال الحوض حتى خط عرض 5 درجات جنوباً، ولكن نظراً لأن الارتفاع عن سطح البحر لا يقل عن (300 متر) فإن المناخ الاستوائي الذي يحدث هنا يكون أقل حرارة نوعاً ما من المناخ الاستوائي الذي يظهر في المستويات التي تكون قريبة من سطح البحر، وحيثما يزيد الارتفاع عن ذلك يختفي المناخ الاستوائي الحقيقي وتحل محله أنواع معتدلة من المناخ المداري، ومن الممكن أن تظهر بعض أنواع المناخ البارد على القمم المرتفعة الموجودة على الحافة الشرقية للحوض.
حيث أنه من الطبيعي أن يكون الهواء الذي يحدث داخل حوض الكونغو هو الهواء المداري، خصوصاً الهواء المداري البحري الذي يأتي إليه من المحيط الأطلسي الجنوبي في الغرب ومن المحيط الهندي في الشرق، أمّا الهواء المداري القاري فعلى الرغم من أنه يصل أيضاً إلى حوض الكونغو من المناطق التي تقع إلى الشمال من، إلا أن ذلك محدود على بعض أشهر فصل الشتاء (يناير)، حيث يصل بعض هذا الهواء إلى الجزء الشمالي والأوسط من الحوض، وفي نفس هذا الفصل يتأثر مناخ القسم الجنوبي الغربي من حوض الكونغو بتيارات تكون متماثلة تصل إليه من المحيط الهندي، وهذا الهواء المداري الرطب، سواء منه ما يصل من المحيط الأطلسي أو ما يصل من المحيط الهندي، وهو المصدر الذي يعمل على تغذية الأمطار التي تهطل على حوض الكونغو خلال هذا الفصل (الشتاء الشمالي).
أمَّا خلال فصل الصيف فيختفي الهواء المداري القاري من حوض الكونغو بشكل تام، حيث يحل محله الهواء المداري البحري خصوصاً الهواء الذي يأتي من المحيط الأطلسي؛ وذلك لأن اشتداد عمق الضغط المنخفض الذي يكون تكوينه على الصحراء الكبرى خلال هذا الفصل يعمل على اجتذاب الرياح الجنوبية الغربية التي تأتي من جهة هذا المحيط وعلى زيادة سرعتها بشكل نسبي، والهواء الرطب الذي تقوم بحمله هذه الرياح هو المصدر الأساسي الذي تأتي منه الأمطار التي تهطل في الفترة من إبريل إلى أكتوبر (الصيف الشمالي).
وكما يلاحظ بشكل عام أن الرياح التي تحدث على حوض الكونغو حيث أن معظمها رياح خفيفة، كما أن أوقات سكون الهواء كثيرة جداً، ومع كل هذا فإن الإقليم يتعرض خلال فصلي الربيع والخريف وهما فصلاً تتعامد فيه الشمس على خط الاستواء لظهور عواصف قوية تعرف باسم الترنادو، وهي من نفس نوع عواصف الترنادو التي تحدث على ساحل غانة، ويشتد هبوب الرياح عند ظهورها، ومن الممكن أن تصل سرعتها إلى (75 كيلو متراً) خلال الساعة أو أكثر، وهي تظهرفي الغالب بعد منتصف النهار أي في أشد الساعات حرارة، وهي تتحرك بعد حدوثها من الشرق إلى الغرب.
وإذا نظرنا إلى إحصاءات المطر نرى أن حوض الكونغو على الرغم من وقوعه حول خط الاستواء فإن مطره قليل من حوض الأمازون المقابل له في أمريكا الجنوبية؛ وذلك لأن أغلب الرطوبة التي يحملها هواء المحيط الهندي تهطل أمطارها على الأطراف الشرقية للهضاب التي تقف في طريقها قبل أن تصل إلى حوض الكونغو، ويكون معدل الأمطار التي تهطل على أغلب أجزاء الحوض تقريباً (135 سنتيمتراً) خلال العام مقابل 175 إلى 200 سنتيمتر في حوض الأمزون، وهي مع ذلك تكفي لأن تجعل نهر الكونغو يكون في المرتبة الثانية من بين أنهار العالم بعد نهر الأمزون من حيث كمية المياه التي تحملها.
وكما كان من نتائج موقع حوض الكونغو حول خط الاستواء أن أصبح موسم زيادة هطول الأمطار في الجزء الشمالي منه مختلفاً عن موسم زيادتها في الجزء الجنوبي، وقد ترتب على هذه الظاهرة أن أصبح لهذا النهر موسمان للفيضان، أحدهما في شهر مايو داخل القسم الشمالي والثاني في شهر ديسمبر داخل القسم الجنوبي، ولهذا فإن مستوى المياه فيه لا يقل في أي شهر من الشهور إلى درجة تمنع الملاحة.
على الرغم من أن المناخ الذي يحدث على ساحل غانا ينتمي في مجمله إلى النوع الاستوائي، كما أن له طابعاً موسمياً خاصاً، حيث أن الساحل طول العام يتعرض لحدوث الرياح الجنوبية الغربية التي كانت في الأصل تجارية جنوبية شرقية ثم انحرفت بعد مرورها على خط الاستواء، حيث أنها ظاهرة مستمرة طول العام بسبب اتساع القارة الأفريقية اتساعاً واضحاً إلى الشمال مباشرة من ساحل غانة، فقد ترتب على هذا الاتساع أن أصبح الجزء الجنوبي من الصحراء الكبرى والأراضي التي تقع إلى الشمال من ساحل غانا مرتفعة الحرارة، حتى خلال فصل الشتاء بالنسبة للمحيط الأطلسي.
كما كانت نتيجة ذلك أن مركز الضغط المنخفض يقع طول العام إلى جهة الشمال من ساحل غانا، ولو أنه يتحرك شمالاً في يوليو حتى يقع بين خطي عرض 10 درجات و15 درجة شمالاً، ثم يعود فيتحرك جنوباً في شهر يناير حتى يقع على امتداد الساحل نفسه، ولا شك في أن هبوب الرياح الجنوبية الغربية على ساحل غانة طول العام قد زاد من شدة الأحوال المناخية على هذا الساحل الذي تجتمع فيه الحرارة الشديدة مع الرطوبة المرتفعة.
حتى أنه كان يعرف لهذا السبب باسم (مقبرة الرجل الأبيض) والأثر الملطف الذي تأتي به الرياح التجارية الشمالية الشرقية الجافة لا يكاد يصل إلى الساحل إلا في أوقات قليلة عندما تهب رياح الهارمتان المعروفة، وينطبق هذا بشكل عام على كل النطاق الذي يقع إلى الجنوب من خط عرض مدينة فري تاون في سيراليون، أمَّا إلى الشمال من هذا الخط فإن تأثير الرياح التجارية الشمالية الشرقية في تلطيف المناخ يكون واضحاً.
وكما أن الأمطار تهطل على ساحل غانة طول العام؛ وذلك بسبب التيارات الصاعدة من جهة وهبوب الرياح الجنوبية الغربية من جهة أخرى، إلا أن كمية هطول المطر تختلف من مكان إلى آخر على طول الساحل وذلك بحسب الظروف المحلية، حيث أن المعدل السنوي يصل داخل فري تاوي إلى (437 سنتيمتراً)، وداخل كوناكري إلى (175 سنتيمتراً)؛ بسبب وجود مرتفعات فوتا جالون بالقرب من الساحل.
كما يصل إلى (900 سنتيمتر) على المنحدارت الغربية لجبال الكاميرون التي يصل ارتفاعها إلى (4000 متر) تقريباً فوق سطح البحر فإنه ينخفض إلى الشرق من رأس النقط الثلاثة (Cape THREE POINTS) في جنوب غانة إلى أقل من (90 سنتيمتراً)، بل إلى أقل من (65 سنتيمتراً) في بعض الأماكن، كما هي الحال في أكرا التي يكون معدلها (60 سنتيمتراً)، وفي كريستيان بورج يكون معدلها (52 سنتيمتراً تقريباً) وفي كويتا ومعدلها (54 سنتيمتراً).
ولكن يلاحظ أن هذا النقص الذي يحدث في كمية المطر يحدث فقط على شريط ساحلي يكون ضيق فلا تلبث الأمطار أن تزيد عن ذلك بزيادة مبينه في الأماكن التي تلي ذلك من الداخل، ففي بلدة أبوري التي تقع إلى الشمال من أكرا بحوالي (45 كيلو متراً) كما أن المعدل يزيد إلى (145 سنتيمتراً)، وفي خوماسي التي تبعد في الداخل أكثر من ذلك بحوالي (150 كيلو متراً) حيث يصل المعدل إلى (145 سنتيمتراً).
وليس هناك في هذا الوقت تفسير واضح لقلة هطول الأمطار بهذا الشكل في الشريط الساحلي الضيق، ومع ذلك من الممكن أن يرجع إلى عاملين هما، أن اتجاه الساحل يجعل الرياح الجنوبية الغربية تحدث بشكل موازي له تقريباً، كما أن تيار غانة يعمل عند تحركه باتجاه الغرب على إزالة الطبقة السطحية الدافئة من المياه الساحلية فيكشف بذلك المياه الباردة نسبياً، وهذا يعمل على تقليل كمية بخار الماء التي تستطيع الرياح الجنوبية الغربية أن تحملها معاً.

المصدر: يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.


شارك المقالة: