تضاريس قاع المحيطات

اقرأ في هذا المقال


ما هي تضاريس قاع المحيطات؟

إن قاع المحيطات ليس مستوياً كما نعرف، بل أنه يشمل الكثير من الظواهر التضاريسية، والتي لا تختلف عن تلك التي نعرفها على اليابس، إلا في بعض أشكالها الخارجية وأنواع التكوينات الرسوبية التي تغطيها؛ وذلك بسبب العوامل المختلفة التي تؤثر فيها، بينما تخضع مظاهر التضاريس القارية بشكل مستمر لتأثير العوامل المتباينة للهدم والبناء، حيث أنها العوامل التي تعرف باسم عوامل التعرية، بل ولعوامل الهدم والبناء التي يقوم بها الإنسان، فإن تضاريس قاع المحيطات لا يكون تأثيرها إلا في حركات المياه وملوحتها، وأيضاً نوع الكائنات الحية والرواسب الموجدة فيها ومن أهم المظاهر التضاريسية التي من الممكن أن نميزها على قاع البحار والمحيطات كما يلي:

  • الرفوف القارية Continental Sheives: حيث أنها مناطق الانتقال بين الرصيف القاري (Continental Platform) والرصيف البحري (Marine Platform)، وهي تضم جميع المناطق الضحلة المجاورة لليابس مباشرة (المقصود بالرصيف القاري هو كل اليابس، والذي يقصد بالرصيف البحري هو كل البحار التي يزيد عمقها على 200 متر، ومع ذلك فإن بعض الكتاب يستخدمون تعبير (الرصيف القاري) بنفس المعنى الذي يستخدم له تعبير (الرف القاري) والتي لا يزيد عمقها على 200 متر أي (110) قامة (حيث أن القامة تعادل 6 أقدام 1.8متر، كما أنها الوحدة المعروفة لقياس الأعماق).
    وهي تعتبر في الحقيقة امتدداً لليابس؛ وذلك لأنها أكثر ارتباطاً به من حيث التركيب الجيولوجي منها بقاع المحيط، ولأنها لم تكن دائماً مغطاة بمياه البحر بل كانت تتحول في كثير من العصور إلى أرض يابسة؛ إمَّا بسبب انخفاض سطح البحار أو ارتفاع سطح اليابس، أو بسببهما معاً، وفضلاً عن ذلك فإن الانتقال بينها وبين اليابس يحدث بشكل تدريجي، حيث يحدث الانتقال بينها وبين قاع المحيط سريعاً حتى أنه يكاد يكون فجائياً في كثير من الأماكن، ويطلق على المنحدر الذي يفصل بينهما اسم المنحدر القاري (Continenal Slope).
    كما تقدر المساحة الكاملة للرفوف القارية في العالم بحوالي 29 مليون كيلو متر مربع، حيث يكون امتدادها حول جميع كتل اليابس تقريباً، ولكن اتساعها يكون مختلف اختلافاً كبيراً من مكان إلى آخر، ففي في بعض الأماكن تمتد إلى مئات الكيلو مترات، نحو داخل البحر، كما هو الحال حول سواحل أوروبا حتى أن البحار الهامشية لهذه القارة مثل كل من البحر البلطي وبحر الشمال، البحر الأدرياتي تقع جميعها على الرف القاري، كما تقع على هذا الرف كذلك جميع البحار الداخلية مثل البحر الأسود وبحر قزوين.
    كما تتسع الرفوف القارية أيضاً حول كل من سواحل شرق الولايات المتحدة وجزر إندونيسيا وغيرها من الجزر التي تكون واقعة بين شمال أستراليا وجنوب شرق آسيا، وثبت أن جميع الرفوف القارية كانت في بعض العصور الجيولوجية، وبالأخص خلال العصور الجليدية التي تميز بها الزمن الجيولوجي الرابع (البليستوسين)، ففي تلك العصور تحولت مقادير ضخمة من مياه البحار والمحيطات إلى طبقات سميكة من الجليد الذي غطى مساحات كبيرة داخل أوروبا وأمريكا الشمالية، وترتب على ذلك هبوط منسوب سطح البحر بحوالي 150 متراً أو أكثر في بعض العصور.
    ولكن في نفس الوقت يوجد أماكن كثيرة تضيق فيها الرفوف القارية بشكل واضح، حتى أنها تكاد تختفي في بعض هذه الأماكن وهي تضيق بشكل خاص بقرب السواحل التي نشأت نتيجة لحركات انكسارية مثل سواحل الكتل الصلبة القديمة مثل كل من كتلة أفريقيا والبرازيل والهند، أو بسبب حركات انثنائية قوية، كما تدل على ذلك سلاسل الجبال المرتفعة التي تكون ممتدة على طولها، من أهمها السواحل الغربية للأمريكتين والبعض من سواحل شرق آسيا، وشرق استراليا.
    ففي كل هذه الأماكن تبدأ الأعماق السحيقة على مسافات قصيرة من الساحل، حيث تمتاز الرفوف القارية بكثرة الرواسب المفككة التي تتجمع على سطحها، وهي تتكون في العادة من رواسب خشنة بقرب الشاطئ، ثم تتناقص أحجامها كلما توغلنا إلى داخل البحر، والرفوف القارية هي غالباً أغنى مناطق البحار في ثرواتها السمكية لأن الأسماك تلجأ إليها، وتتكاثر فيها بسبب كثرة ما ينمو بها من الكائنات العضوية التي يتكون منها البلانكتون؛ وذلك لأن أشعة الشمس تستطيع أن تتعمق فيها لغاية القاع تقريباً، وفضلًا عن ذلك فإن بعض الرفوف القارية تحتوي على ثروات بترولية ومعدنية كبيرة، كما أن بعض أجزائها المجاورة لليابس مباشرة من الممكن تجفيفها واستغلالها للزراعة أو لأي أغراض أخرى.
  • المنحدرات القارية: وهي المنحدرات القوية التي تنتهي الرفوف القارية عندها من جهة البحر، فهي تبدأ من خط عمق 200 متر وتستمر في انحدارها الشديد حتى تصل إلى العمق السائد في قاع البحر أو المحيط، وهو عمق يتراوح بين 3000 و 6000 متر، كما تختلف المنحدرات القارية عن الرفوف القارية في أن الرواسب المفككة التي تغطيها تكون قليلة، وأفقر منها في الكائنات الحية والثروة السمكية، كما أن هذه المنحدرات في بعض المناطق تقطع وديان مغمورة وعميقة ذات جوانب شديدة الانحدار (Submarine Canyons) وقد يواصل البعض منها امتداده فوق الرف القاري.
  • سلاسل الجبال المحيطية Oceanic Ridges: وهي سلاسل جبلية يكون امتدادها تحت سطح الماء لمسافات طولية، وتشمل كثيراً من المظاهر التضاريسية الموجودة على اليابس مثل كل من الوديان والصدوع والهضاب والقمم البركانية، كما يوجد من هذه سلاسل مجال كبير جداً يمتد في وسط المحيط الأطلسي من جزيرة أيسلنده في الشمال حتى القارة القطبية الجنوبية في الجنوب، أي لمسافة 15 ألف كيلو متر تقريباً.
    ويبلغ عرض هذا المجال ما بين 150 و 200 كيلو متر، حيث أنه يُجزء المحيط الأطلسي إلى حوضين كبيرين واحد شرقي والآخر غربي، ولا تقل السلاسل الجبلية المكونة له في كبرها عن كثير من سلاسل الجبال الكبرى على اليابس؛ ولكنها لا تظهر على السطح إلا داخل منطقتين اثنتين هما منطقة جزر أزورس في الشمال، منطقة جزر أسانسيون في الجنوب، حيث أن هذه الجزر هي قمم بارزة لبعض جبال هذا المجال.
    وليس المجال الجبلي المذكور إلا جزءاً من مجال أعظم منه ممتد في جميع المحيطات، فمن جنوب المحيط الأطلسي تواصل السلاسل الجبلية امتدادها في المحيط الهندي والمحيطات القطبية الجنوبية والمحيط الهادي، ويبدو أن هذا المجال بأكمله هو أحد مجالات التصدع الكبرى داخل قشرة الأرض، ولقد كان من نتائج حركات التصدع على طوله تكون سلسلة متصلة من الوديان أو الأخاديد الصدعية التي تشقه بشكل طولي على طول محوره الأوسط، وذلك بالإضافة إلى كثير من الصدوع الصغيرة التي تقطع السلاسل الجبلية في اتجاه مستعرض.
  • المخروطات البركانية الغاطسة: حيث أنها عبارة عن مخروطات بركانية توجد قممها على عمق كبير تحت ماء الخط المتعرج يمثل الحدود الخارجية لمجال السلاسل الجبلية المحيطية، الخطوط المتصلة السميكة ممثلة الوديان الانكسارية التي تقطعها بشكل طولي وعرضي.
  •  السهول العميقة Abyssal Plains: إن مساحات كبيرة من قاع المحيطات تكون سهول تتميز بسطحها المستوي، حيث يكون بعض هذه السيول بسبب الحدوث المستمر لإرساب المواد الناعمة على طول ملايين الأعوام وانتشارها على مساحات كبيرة من القاع وتغطيتها للمظاهر التضاريسية الأخرى، مثال ذلك السهل الواسع الذي تتكون منه مساحات شاسعة من قاع المحيط الأطلسي الشمالي، حيث أنه موجود على عمق 5500 متر تقريباً تحت سطح البحر، ومع هذا تظهر على سطحه بعض الجبال المنعزلة (Seamounts) التي ربما كانت مخروطات بركانية قديمة.
  • الأخاديد والأعماق المحيطية: الأخاديد المحيطية (Trenches) هي وديان طولية يكون عمقها شديد تقسم قاع المحيطات في مناطق مختلفة، أمَّا الأعماق (Deeps أو Troughs) فهي أماكن حوضية عمقها شديد داخل الأخاديد، أو في أي أماكن أخرى، كما يطلق تعبير عمق في العادة على الأعماق التي تزيد عن 5500 متر تحت سطح البحر، ولا تمثل الأخاديد والأعماق إلا بنسبة قليلة جداً من قاع المحيطات.
    وعلى الرغم من أن أسباب نشأتها ليست معروفة بالضبط، ففي الغالب هي أنها تكونت نتيجة للحركات التكتونية، ولذلك فإنها توجد غالباً داخل المناطق التي تأثرت بهذه الحركات، ومن أهمها الحركات الانثنائية الكبيرة التي حدثت في شرق آسيا وغرب المحيط الهادي، والتي تسببت في ظهور أقواس الجزر الجبلية التي يكون امتدادها من بوغاز بهرنج في الشمال حتى الجزر الأندونيسية في الجنوب، فبقرب هذه الأقواس توجد الأخاديد البحرية ذات عمق شديد داخل المحيطات، ومنها أخدود الفلبين الذي يكون امتداده إلى الشرق من هذه الجزر، والذي يصل العمق في أحد أجزائه وهو عمق سوايار إلى 10860 متراً.
    وهو أكبر عمق في كل المحيطات، ومن الممكن أن يصل العمق إلى نفس هذا الحد داخل أخدود آخر في الشمال هو أخدود كوريل كمتشتكا، ومن أهم الأخاديد الأخرى في نفس المحيط الأخدود الذي يقع إلى الشرق من جزر اليابان والأخدود الذي يمتد على شكل قوس كبير حول نطاق الجزر الممتدة إلى الجنوب من اليابان ومنها جزر بونين في الشمال وجزر جرام في الجنوب.
    أمَّا داخل المحيط الأطلسي فتوجد أغلب الأخاديد في وسط المحيط ، حيث أن أغلبها يكون في وسط النطاق الجبلي، ويسير معه في نفس الاتجاه، كما يقطعه عدد كبير منها في اتجاه عامودي على امتداده، أمَّا أعمق أجزاء هذا المحيط فتوجد داخل أخدود بورتوريكو الذي يقع إلى الشرق من جزر بورتوريكو، في غرب المحيط، وفيه يصل العمق إلى 9225 متراً.

المصدر: محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.


شارك المقالة: