تلوث مياه البحار والمحيطات

اقرأ في هذا المقال


كيف يحدث تلوث البحار والمحيطات؟

زاد اهتمام العالم بتلوث مياه البحر بعد حادثة التي حصلت للناقلة توري كانيون في أبريل سنة 1967م والتي تدمرت القرب من الشاطئ الجنوبي الغربي لبريطانيا، حيث أنها كانت تحمل مائة ألف طن من البترول، وبسبب ذلك تلوثت شواطئ كل من بريطانيا وفرنسا، ومع ازدياد حجم ناقلات البترول، التي تزداد حمولة بعضها على نصف مليون طن ازدادت مخاوف الإنسان من التلوث.
ولقد دلت البحوث على أن تلوث مياه البحار والمحيطات لا يتوقف على طبقات المياه السطحية، بل من الممكن أن يمتد إلى طبقات المياه العميقة، ولا يوجد شك في أن البحار الداخلية التي تطل عليها دول كثيرة تكون عرضة للتلوث أكثر من غيرها مثل البحر المتوسط الذي تطل عليه خمس عشرة دولة (7 أوروبية، 3 آسيوية، 5 أفريقية) لها تقريباً 120 مدينة ساحلية تنتهي مياه الصرف الصحي بها إلى البحر المتوسط من غير أن يتم معالجتها، بالإضافة إلى مليوني طن بترول تقريباً كل عام نتيجة غسل خزانات السفن أو التسرب أو عمليات التنقيب.
وقد تعرضت كثير من شواطئ البحر المتوسط التي يرتادها الصائفون للتلوث بالشحوم، كما أثرت الملوثات العديدة التي يتعرض لها البحر المتوسط في الثروة السمكية حيث قلت موارد الصيد بنسبة لا تقل عن 20%.
ولا يوجد شك في أن ظاهرة التلوث بالبترول هي ظاهرة حديثة نسبياً، حيث لا ترجع إلا إلى النصف الثاني من القرن العشرين، لكنها ظاهرة سريعة الانتشار؛ ويعود ذلك لأسباب متعددة مثل حوادث غرق ناقلات البترول، وما زال حادث غرق الناقلة الكبيرة جداً (أموكو كادز Amoco Cadi) (عام 1978م) حمولتها 200 ألف طن أمام الساحل الفرنسي ماثلاً أمام الذاكرة، وقد غطى ذلك البترول المتدفق منها مساحات واسعة من السواحل الفرنسية وساعد على ذلك سرعة الرياح.
ويحدث كذلك التلوث بسبب تسرب البترول من الآبار التي توجد تحت مياه البحار، أو بسبب المخلفات البترولية من ناقلات البترول، حيث أننا نعرف بأن ناقلات البترول الفارغة يتم تعبئتها ما بين 30-50% من حجم مستودعاتها بمياه البحر للحفاظ على توازنها خلال رحلة العودة، ثم تتخلص من تلك المياه التي قد تلوثت ببقية من البترول الخام تقدر بنحو 2% من حمولة الناقلة، ويعتقد بأن كرات القار التي تُرى طافية على مياه البحار والمحيطات هي بسبب اختلاط المياه الملوثة بالبترول وامتزاجها بمياه البحر الخام تقدر بحوالي 1 إلى 2% من حمولة الناقلة.
كما أن الخليج العربي يعد من أكثر المناطق البحرية في العالم تعرضاً للتلوث، حيث تزيد فيه نسبة التلوث أكثر من 40 مرة على أية منطقة متشابهة على سطح كوكب الأرض؛ والسبب في ذلك هو أنه خليج شبه مغلق، وكثرة آبار البترول المغمورة تحت مياهه إضافة إلى العدد الكبير من ناقلات البترول التي ترتاده باستمرار كل عام، ولقد كان هذا الخليج ساحة حرب بين العراق وإيران ثم بين العراق والكويت والمملكة العربية السعودية.
ولا يوجد شك أن أكبر كارثة تلوث بترولي حدثت في الخليج العربي كانت في شهر يناير عام 1991 حين بدأ العراق محاولة غمر الخليج بالبترول عن طريق تفريغ كميات كبيرة من خزانات البترول وناقلاته قدرت بحوالي 4 إلى 5 ملايين برميل، كما لجأ إلى إشعال النيران في آبار البترول بما قدر بحوالي 6 ملايين برميل كل صباح، ممَّا تسبب بتغطية السحب السوداء والداكنة مساحات من تركيا وشرق أوروبا امتدت لمسافة 2000 كم بتأثير تلك الحرائق.
ويرى المتابعون لأحداث حرب الكويت أن العراق حينما تعمد إلى تفريغ خزانات البترول بميناء الأحمدي الكويتي إلى مياه الخليج وأيضاً تفريغ بعض الناقلات، حيث أراد أن يستخدم تلويث المياه بالبترول سلاحاً يمنع إنزال قوات التحالف الدولي البحرية، كما أراد أيضاً أن يمنع عمليات إعذاب مياه الخليج التي تعتمد عليها بعض الدول الخليجية ومنها السعودية.
كما استهدف العراق شغل الرأي العام العالمي بهذه الكارثة البيئية في تلك المنطقة التي تضم حوالي 75% من إجمالي احتياطي البترول العالمي، وقد وصفت عملية تلويث مياه الخليج بالبترول بأنها أكبر جرائم العصر؛ لأنها تسببت في تكوين بقعة زيتية طولها حوالي 130 كم، وتراوح اتساعها ما بين 5-25 كيلو متراً.
وقد تسببت البقعة الزيتية بمشاكل كبيرة في الثروة السمكية ومزارع اللؤلؤ، كما تسببت في القضاء على آلاف الطيور البحرية، والدخان الصاعد من حرق أبار البترول تيبب في تساقط أمطار دهنية سواء على غربي إيران (إقليم إيلام)، ممَّا تسبب في تلوث مصادر المياه والمزارع.
وقد كانت تكاليف إزالة ثلاث بقع من البترول تحمل تقريباً 11 مليون برميل أكثر من خمسة مليارات من الدولارات، واختصارنا في الحديث عن التلوث البحري عن البحر المتوسط والخليج العربي لا يعني أن التلوث يقتصر على البحار أو المناطق الساحلية، بل يظهر أيضاً وسط المحيطات، وقد ذكر ثور هايردال (Thor Heyerdah) الذي أبحر بقارب من البردي من الساحل الأفريقي إلى الساحل الأمريكي، حيث أنه شاهد كتلا يميل لونها إلى السواد تطفو على الماء وتشبه القار وهي كتل متباينة في اللون والحجم.

المصدر: علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.


شارك المقالة: