ما هو علم المناخ التطبيقي؟

اقرأ في هذا المقال


علم المناخ التطبيقي:

يعرف علم المناخ التطبيقي بأنه علم واسع له علاقات كثيرة حيث عولج في كتابات عديدة، فليس من شك في أن المناخ من العوامل الطبيعية المهمة التي تتدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في تشكيل سطح الأرض وما عليه من مظاهر متباينة، سواء في ذلك تلك المظاهر الخاصة بتضاريس القشرة الأرضية وتكوينها، أو تلك التي تتصل بتكوين التربة وبحياة النبات والحيوان بجميع أنواعهما.
وكما أن الإنسان من الكائنات الحية الي تتأثر بهذا العامل سواء في الماضي أو الحاضر، فلم يستطع العقل البشري أن يغير بعض الشيء من مظاهر سطح الأرض، وأن يغزو بمخترعاته عروض البحار والفضاء وأن يبدأ ارتياد سطح القمر، فإن الإنسان كان ولم يزل وسيظل دائماً عبداً لظاهرات الجو وأحوال المناخ، كما أنه لن يستطيع مهما طال الزمن أن يتحرر كلياً من سيطرتها عليه وتحكمها في مشروعاته وأوراقه، بل وفي لونه ومزاجه وأيضاً صحته.
ولن ندخل هنا في تفاصيل العلاقة بين المناخ وحياة الإنسان، لهذا فإننا سنذكر أمثلة محدودة جداً تعمل على توضيح هذه العلاقة، تمهيداً لدراسة أكثر توسعاً في (علم المناخ التطبيقي)، فمنذ أقدم العصور كان المزارع والراعي يخضعان خضوعاً تاماً لرحمة الظروف المناخية، كما لا يزال هذا هو حالهما في الوقت الحاضر، إذ أن المناخ هو المتحكم الأول في توزيع الحياة النباتية والحيوانية في العالم.
فلا يمكن أن تنجح زراعة كمية مثل القمح مثلاً على نطاق واسع في الأقاليم الاستوائية ذات الأمطار الكثيفة طوال العام، أو أن تنتشر زراعة المطاط أو زراعة الكاكاو في الأقاليم الباردة، فلكل نبات ظروفه المناخية التي تلائمه والتي لا يوجد إلا فيها، حيث تم تحديد المناطق التي تنتج الزراعة سواء في إنتاج المواد الغذائية أو إنتاج المواد الأولية اللازمة للصناعة، كما تحددت بعد ذلك طرق التجارة ومناطق الإنتاج والاستهلاك.
كما يتحكم المناخ في نظام الزراعة داخل المنطقة الواحدة فهو الذي يفرض على المزارع أن يتبع وسائل خاصة في توزيع محاصيله على جميع فصول السنة، فمن الطبيعي أن يكون تحكم المناخ في الإنتاج الزراعي في الأقاليم التي تعتمد فيها الزراعة على المطر أقوى منه في الأقاليم التي تقوم الزراعة فيها على عملية الري، فإن كثيراً ما يؤدي نقص الأمطار في عام من الأعوام إلى فشل الزراعة أو إلى فقر المرعى ممَّا يترتب عليه حدوث مجاعات خطيرة.
كما يحدث مجاعات كثيرة في كل من استراليا والهند، شمال أفريقيا وغيرها أيضاً من المناطق التي تتغير فيها كمية تساقط الأمطار تغيراً كبيراً من عام إلى آخر، كما ـنه ومم ن الممكن أن يحدث العكس تماماً في بعض الأحيان فتزداد الأمطار بدرجة يتلف معها الزرع ويتعذر الحصاد فيهبط المحصول بشكل كبير، كما يحدث كثيراً في مناطق زراعة القمح في غرب أوروبا.
كما يُعتبر القمح من النباتات التي تحتاج لكي يتم نضجها إلى فترة جفاف قبل الحصاد وإلا فسد المحصول وقل الإنتاج، حيث كان الإنسان قد عجز عن أن يعدل الظروف المناخية على حسب رغباته، فإنه لم يعجز تماماً عن أن يتحايل عليها عن طريق وسائله الخاصة، فقد استطاع مثلاً أن ينقل زراعةٍ ما ولو على حد ضيق إلى مناطق لم تكن تصلح لها من قبل، ذلك عن طريق استنبات فصائل وأنواع جديدة تكون أقدر على تحمل بعض الظروف المناخية التي تتحملها الفصائل والأنواع الأصلية.
فمثلاً قد أمكن استنبات فصائل كثيرة من الذرة، حيث يصلح كل منها لنوع معين من أنواع المناخ، حيث أن من هذه الفصائل ما يصل ارتفاع نباته إلى 6 أمتار، كما يحتاج لنموه ونضجه إلى ما بين عشرة أشهر وأحد عشر شهراً، حيث أن هذه الفصائل التي من الممكن زراعتها في المناطق الحارة، التي لا ينخفض متوسط درجة الحرارة فيها في أي شهر من شهور السنة انخفاضاً يضر النبات أو يوقف نموه.
وإلى جانب ذلك تم استنبات أنواع من الذرة لا يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أرباع المتر، كما لا تحتاج لنموها إلى أكثر من ثلاثة أشهر، فمثل هذه الأنواع تزرع في الغالب داخل المناطق الباردة نسبياً، حيث يكون الفصل الدافئ الذي يستطيع النبات أن ينمو خلاله قصيراً، كما هو الحال في بعض مناطق وسط أوروبا وأمريكا الشمالية، ومن أنواع الذرة نوع يقوم بزرعة الهنود الحمر منذ زمن طويل إلى جنوب غرب أمريكا الشمالية، حيث أن هذا النوع لا يحتاج إلا إلى كميات خفيفة جداً من الماء.
ولهذا فإنه من الممكن أن يجود في المناطق التي لا تكفي فيها الموارد المائية لزراعة أنواع أخرى من الذرة، حيث يتم زراعة بذور هذا النوع عادة في التربة على عمق لا يقل عن قدم واحد من سطح الأرض، ذلك حتى يمكنها أن تستفيد من الرطوبة التي توجد في الأجزاء الداخلية للتربة، ويا حبذا لو جربت زراعته في بعض المناطق شبه الصحراوية في الوطن العربي، كما هو الحال في المناطق الساحلية من شمال الصحراء الغربية وشمال شبة جزيرة سيناء في جمهورة مصر العربية.
وما قيل عن الذرة يمكن أن يقال كذلك عن كثير من الغلات الأخرى التي يكثر الطلب عليها في جميع أنحاء العالم إمَّا بسبب قيمتها الغذائية كما هو الحال في كل من الأرز والقمح، أو لأهميتها كمادة أولية لازمة للصناعة كالقطن، فإن جميع هذه الغلات قد أمكن التوسع في زراعتها، حيث أصبحت تنتشر في مناطق كان من المعتقد أن أحوالها المناخية من قبل لا تصلح لها.
كما يظهر أثر المناخ ومقدار ما يبذله الإنسان من جهود للتحايل عليه بشكل أوضح في حالة إنتاج الخضروات الغذائية مثل البندورة، فعلى الرغم من أن هذه النباتات تعتبر حساسة جداً للتغيرات الجوية، حيث أصبح من الممكن زراعتها في الوقت الحاضر في جميع مناطق العالم ولو على نطاق ضيق، عن طريق بذل مجهود كبير واستخدام وسائل خاصة، فإلى جانب استنبات فصائل لها القدرة على تحمل أصناف مختلفة من المناخ أمكن انتاج بعض هذه الخضروات في ظروف جوية وصناعية.
وذلك عن طريق زراعتها داخل بيوت زجاجية، حيث يمكن التحكم في درجة الحرارة داخلها، لهذا فليس من المستغرب أن تزرع البندورة مثلاً في كثير من الأقاليم المدارية وأن تزرع في نفس الوقت دولة بريطانيا وغيرها من دول غرب أوروبا، الفارق الرئيسي هو أنه بينما يضطر المزارع في الأقاليم المدارية في بعض الأحيان لزراعة النبات في ظل بعض الأشجار، أو تغطية شجيراته بطرق خاصة من أجل حمايتها من أشعة الشمس القوية.

المصدر: يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.محمد صبري/مبادئ الجغرافيا الطبيعية/2007.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.


شارك المقالة: