الافتراضات الأساسية لعلم النفس المعرفي

اقرأ في هذا المقال


إنّ التركيز في علم النفس تحول بعيداً عن دراسة السلوك ومفاهيم التحليل النفسي عن دراسة العقل، يقوم علم النفس المعرفي على عدد من المسلمات مثل؛ الإقرار بوجود العمليات العقلية، ساهم الإقرار في تجنب السلوكيون بوجود العمليات العقلية والبحث فيها ولكن المعرفيون يرون أن العمليات العقلية موجودة وأنها أحداث منتظمة ومحكومة بقوانين يمكن دراستها والكشف عنها ولا يعتمدون على الاستبطان، حيث استبدل المعرفيون الاستبطان بمنهج يتصف بالموضوعية والثبات واستخدام مقاييس كمية للسلوك قابلة للفحص والتأكد من صحتها.

تاريخ علم النفس المعرفي:

نشر نوربرت وينر عام 1948 عن علم التحكم الآلي أو التحكم والتواصل في الحيوان والآلة، حيث قدّم مصطلحات مثل المدخلات والمخرجات، أيضاً عمل تولمان عام 194 على الخرائط المعرفية وتدريب الفئران في متاهات، حيث أظهر أن الحيوانات لديها تمثيل داخلي للسلوك، في الغالب ما يرجع تاريخ ميلاد علم النفس المعرفي إلى جورج ميلر عام 1956، كما طوّر نيويل وسيمون عام 1972 حلول عامة للمشاكل.
في عام 1960 أسس ميلر مركز الدراسات المعرفية في جامعة هارفارد مع عالم التطور المعرفي الشهير جيروم برونر، كما نشر Ulric Neisser كتاب علم النفس المعرفي والذي يمثل البداية الرسمية للنهج المعرفي، كذلك نماذج العمليات الخاصة بنموذج متعدد المتاجر، إنّ النهج المعرفي له تأثير كبير في جميع مجالات علم النفس؛ سبيل المثال علم النفس البيولوجي وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس السلوكي، كذلك علم النفس التنموي وما إلى ذلك.

الافتراضات الأساسية لعلم النفس المعرفي:

تحدث العمليات الوسيطة بين التحفيز والاستجابة؛ رفض علماء السلوك فكرة دراسة العقل؛ لأن العمليات العقلية الداخلية لا يمكن ملاحظتها وقياسها بشكل موضوعي، مع ذلك يعتبر علماء النفس المعرفي أنه من الضروري النظر إلى العمليات العقلية للكائن الحي وكيف تؤثر على السلوك، بدلاً من روابط التحفيز والاستجابة البسيطة التي اقترحتها السلوكية، من المهم فهم العمليات الوسيطة للكائن الحي، بدون هذا الفهم لا يمكن أن يكون لدى علماء النفس فهم كامل للسلوك.
يتبع علماء النفس المعرفيون مثال علماء السلوك في تفضيلهم الأساليب العلمية الموضوعية والمضبوطة للتحقيق في السلوك، كما يستخدمون نتائج تحقيقاتهم كأساس لعمل استنتاجات حول العمليات العقلية؛ فالبشر معالجون للمعلومات، تشبه معالجة المعلومات عند البشر تلك الموجودة في أجهزة الكمبيوتر وتستند إلى تحويل المعلومات وتخزين المعلومات واسترجاع المعلومات من الذاكرة، تفترض نماذج معالجة المعلومات للعمليات المعرفية مثل الذاكرة والانتباه أن العمليات العقلية تتبع تسلسل واضح.
من أهم الافتراضات الخاصة بعلم النفس المعرفي هي معايير الصندوق البيئي في البحث؛ يدعو هذا الافتراض إلى تكون الأبحاث في علم النفس المعرفي لا تتسم بالسذاجة والبساطة، كما إن الإجراءات التجريبية لا تكون مصطنعة مما يترتب عليه صعوبة في تعميم النتائج، لابُد أن تكون الإجراءات المستخدمة في الدراسة مماثلة لطبيعة المشكلة التي تتم معالجتها من حيث العمق والتعقيد.
إنّ الإنسان معالج نشط للمعلومات؛ هذا مخالف للنظرية السلوكية التي ترى أن الإنسان مخلوق سلبي وأن المعرفيون يرون أن الإنسان إيجابي يخطط ويتخذ القرارات ويحل المشكلات، فاستجابات البشر مبنية على معالجتهم للأحداث والمعلومات وليس بناء على اقتران بسيط أو تعزيز تقدمه البيئة.
يؤكّد علماء النفس المعرفي أن العمليات الإدراكية يمكن أن تتكون من خلال مظاهر السلوك وخصوصاً اثنين منهما؛ أولاً طول الوقت الذي يحتاجه الفرد لأداء مهمة معينة، كذلك دقة أداء تلك المهمة، فالمقياس الأول يسمى بزمن الرجع (Reaction Time)، ثانياً الوقت الممتد بين حدوث المثير أمام الفرد واستجابته لهذا المثير، يقاس عادة بأجزاء المليون من الثانية Milliseconds وزمن الرجع هو أحد مظاهر الفروق الفردية، يستخدم علم النفس المعرفي مقياس آخر هو مقياس دقة أداء المهمة، دقة السلوك وخلو الاستجابة من الأخطاء، مثلاً نقيس عدد الكلمات التي تم استدعائها بصورة صحيحة.

معالجة المعلومات:

بدأ النهج المعرفي في إحداث ثورة في علم النفس في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات؛ ليصبح النهج السائد في علم النفس بحلول أواخر السبعينيات، فكان الاهتمام في العمليات العقلية استعيد تدريجياً من خلال عمل جان بياجيه وتولمان، وصف كتابه “السلوك الهادف في الحيوانات والإنسان” في عام 1932 بحث وجد السلوكية صعوبة في تفسيره، كان رأي علماء السلوك أن التعلم حدث نتيجة للارتباطات بين المحفزات والاستجابات.
مع ذلك اقترح تولمان أن التعلم يعتمد على العلاقات التي تشكلت بين المحفزات، كما أشار إلى هذه العلاقات بالخرائط المعرفية، لكن وصول الكمبيوتر هو الذي أعطى علم النفس المعرفي المصطلحات والاستعارات التي يحتاجها لفحص العقل البشري، سمح بدء استخدام أجهزة الكمبيوتر لعلماء النفس بمحاولة فهم تعقيدات الإدراك البشري من خلال مقارنتها بشيء أبسط وأفضل فهم؛ أي نظام اصطناعي مثل الكمبيوتر.
يُعرف استخدام الكمبيوتر كأداة للتفكير في كيفية تعامل العقل البشري مع المعلومات باسم تشبيه الكمبيوتر، بشكل أساسي يقوم الكمبيوتر برموز (أي يغير) المعلومات ويخزن المعلومات ويستخدم المعلومات وينتج مخرجات (يسترجع المعلومات)، اعتمد علماء النفس المعرفيون فكرة معالجة المعلومات كنموذج لكيفية عمل الفكر البشري، يعتمد نهج معالجة المعلومات على عدد من الافتراضات بما في ذلك:

  • تتم معالجة المعلومات المتاحة من البيئة بواسطة سلسلة من أنظمة المعالجة؛ على سبيل المثال الانتباه والإدراك.
  • تعمل أنظمة المعالجة هذه على تحويل المعلومات أو تغييرها بطرق منهجية.
  • الهدف من البحث هو تحديد العمليات والهياكل التي يقوم عليها الأداء المعرفي ؛
  • تشبه معالجة المعلومات عند البشر تلك الموجودة في أجهزة الكمبيوتر.

أهمية المخططات:

في الغالب ما تتأثر المعالجة المعرفية بالمخططات وهو الإطار العقلي للمعتقدات والتوقعات التي تم تطويرها من التجربة، مع التقدم في السن يصبح أكثر تفصيل وتعقيد؛ فالمخطط هو حزمة معلومات أو إطار عمل معرفي يساعدنا في تنظيم المعلومات وتفسيرها، إنها تستند إلى خبرتنا السابقة، تساعدنا المخططات على تفسير المعلومات الواردة بسرعة وفعالية وهذا يمنعنا من أن تغمرنا الكمية الهائلة من المعلومات التي نتصورها في بيئتنا.
مع ذلك يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تشويه هذه المعلومات، حيث نختار المحفزات البيئية ونفسرها باستخدام مخططات قد لا تكون ذات صلة، قد يكون هذا سبب في عدم الدقة في مجالات مثل شهادة شهود العيان، يمكن أن يفسر كذلك بعض الأخطاء التي نرتكبها عند إدراك الأوهام البصرية.

عمليات التوسط:

إنّ نهج الدراسات الوحيد خارجي ويمكن ملاحظته (التحفيز والاستجابة) كما يمكن قياسه بموضوعية، يعتقد علماء النفس المعرفي أنه لا يمكن دراسة السلوك الداخلي؛ لأننا لا نستطيع رؤية ما يحدث في عقل الشخص وبالتالي لا يمكننا قياسه بشكل موضوعي، في المقابل يعتقد النهج المعرفي أنه يمكن دراسة السلوك العقلي الداخلي علمياً باستخدام التجارب، يفترض علم النفس المعرفي أن عملية توسطية تحدث بين التحفيز أو المدخلات والاستجابة أو المخرجات.
يمكن أن يكون الحدث الوسيط (أي الذهني) هو الذاكرة أو الإدراك أو الانتباه أو حل المشكلات وما إلى ذلك، تعرف هذه العمليات بالعمليات الوسيطة لأنها تتوسط (أي وسيط) بين التحفيز والاستجابة، كما يأتون بعد التحفيز وقبل الاستجابة، لذلك يقول علماء النفس المعرفي إذا كان الشخص يريد فهم السلوك فعليه أن يفهم عمليات التأمل هذه.

المصدر: علم النفس، محمد حسن غانمعلم النفس المعرفي، حسام الدين أبو الحسنعلم النفس المعرفي، عدنان يوسف العتومعلم النفس المعرفي، عماد عبد الرحيم الزغول


شارك المقالة: