العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي:

يبدو أن الناس قد يكونوا مخطئين أو غير مدركين لأشياء كثيرة، لكن على الأقل يمكنهم التأكد من مشاعرهم، ومع ذلك يتحدى علماء النفس حتى هذا اليقين ويشيرون إلى أن الحياة العاطفية للفرد يمكن أن تكون لغزاً حتى بالنسبة للشخص نفسه.

تقترح فكرة  العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي في أقوى أشكالها أن الناس يمكن أن يكونوا في حالة عاطفية كما يتضح من تأثيرها على السلوك الإنساني وعلم وظائف الأعضاء والإدراك العقلي، دون أن يكون لديهم أي وعي ثابت بوجودهم في تلك الحالة.

دليل على العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي:

أحد مصادر التكهنات حول العلاقة بين العاطفة والوعي هي أعمال سيغموند فرويد، حيث يعتقد فرويد بوضوح أن الناس يمكن أن يكونوا مخطئين بشأن سبب عواطفهم، كما هو الحال عندما يأتي غضب الشخص من رئيسه من تشابه رئيسه مع والد الشخص أو الطبيعة الدقيقة لمشاعرهم، كما هو الحال عندما يربك الشخص الحب مع الكراهية.

هناك القليل من الدعم التجريبي لتكهنات فرويد الأكثر دراماتيكية، ومع ذلك تشير بعض الأدلة إلى أن الناس يمكن أن يكونوا مخطئين بشأن بعض جوانب حالاتهم العاطفية، على سبيل المثال وجدت إحدى الدراسات أنه في الأفراد المصابين بالرهاب، يمكن إثارة الحالة المزاجية السلبية من خلال تقديمهم مع الثعابين والعناكب ذات الصلة بالخوف، ووجدت دراسة أخرى أن المزاج الإيجابي يمكن رفعه من خلال العرض المموه المتكرر لأشكال هندسية بسيطة.

ومع ذلك في هذه الدراسات كان الناس على دراية بمشاعرهم، والتساؤل المهم في هل يمكن أن تكون المشاعر نفسها غير واعية؟ حيث بين علماء النفس أن هذه المسألة مثيرة للجدل إلى حد ما، ويعتقد بعض الباحثين أن وجود الشعور الواعي أي المكون الظاهر للعاطفة ضروري لتسمية حالة ما بأنها عاطفة، ويعتقد باحثين آخرين أن الشعور الواعي ليس سوى جانب واحد من جوانب العاطفة، ويمكن اكتشاف وجود المشاعر في التغيرات السلوكية والفسيولوجية، والاحتمال الأخير مدعوم بعدة أسطر من الأدلة.

وجهة نظر التطور وعلم الأعصاب في  العاطفة اللاواعية:

من وجهة نظر التطور وعلم الأعصاب في العاطفة اللاواعية يجب أن توجد على الأقل بعض أشكال التفاعل العاطفي بشكل مستقل عن الارتباطات الذاتية، ومن الناحية التطورية تعد القدرة على امتلاك مشاعر واعية إنجازًا متأخرًا مقارنة بالقدرة على الحصول على ردود فعل سلوكية عاطفية تجاه المنبهات العاطفية.

يتم مشاركة ردود الفعل العاطفية الأساسية على نطاق واسع من قبل الحيوانات، على الأقل في بعض الأنواع قد لا تتضمن وعي مباشر يمكن مقارنته مع الإنسان، وبعد كل شيء كانت الوظيفة الأصلية للعاطفة هي السماح للكائن الحي بالتفاعل بشكل مناسب مع الأحداث الإيجابية أو السلبية، وقد لا تكون المشاعر الواعية مطلوبة دائمًا.

إن الدوائر العصبية اللازمة للاستجابات العاطفية اللاواعية الأساسية، مثل رد الفعل الإيجابي على الإحساس اللطيف أو رد الفعل الكريه لمحفز مهدد، موجودة إلى حد كبير في هياكل الدماغ العاطفية التي تقع أسفل القشرة مثل النواة المتكئة، واللوزة وما تحت المهاد وحتى أسفل جذع الدماغ.

تطورت هذه الهياكل تحت القشرية في وقت مبكر وقد تنفذ عمليات محدودة تكون في الأساس غير واعية، مقارنة بالقشرة البشرية المتقنة في الجزء العلوي من الدماغ، والتي تشارك بشكل أكبر في المشاعر العاطفية الواعية، ومع ذلك حتى الهياكل القشرية الفرعية المحدودة قادرة على إحداث بعض ردود الفعل العاطفية الأساسية.

يأتي البرهان الدرامي لهذه النقطة من دراسات علم الأعصاب العاطفية مع الأطفال الرضع الذين يعانون من عديم الدماغ، أي أن دماغ هؤلاء الأطفال مشوه خلقيًا، ولا يمتلك سوى جذع دماغ، وتفتقر تقريبًا إلى جميع الهياكل الموجودة في الجزء العلوي أو الأمامي من الدماغ، بما في ذلك القشرة الدماغية بأكملها.

حتى في الأدمغة الطبيعية فإن تعديلات الدماغ الأكثر فاعلية التي تم اكتشافها حتى الآن لتعزيز التفاعلات العاطفية اللاواعية الأساسية ذات الصلة تتضمن جميعها هياكل دماغية عميقة تحت القشرة، ومع ذلك فإن الأدلة العلمية العصبية من الحيوانات والمرضى الذين أصيبوا بأضرار في الدماغ في حد ذاتها توحي فقط بفكرة المشاعر اللاواعية.

آثار العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي:

يبدو أن هناك مواقف يمكن أن يكون فيها لدى الشخص رد فعل عاطفي دون أي وعي برد الفعل هذا، وهذه الظاهرة لها العديد من الآثار الهامة، على سبيل المثال من الصعب السيطرة على العواطف اللاواعية، بحكم تعريفها تقريبًا، مما يزيد من إمكانية التأثير السيء من خلال المنبهات القوية بما يكفي لتغيير السلوك الإنساني دون التأثير على المشاعر في الإدراك والوعي.

سريريًا ترتبط فكرة العاطفة اللاواعية بأنواع معينة من الاضطرابات النفسية، مثل ألكسيثيميا التي تتميز بعدم القدرة على الوصول إلى مشاعر المرء أو وصفها، حيث أن احتمال حدوث السلوك العاطفي دون وعي يثير أيضًا بعض الأسئلة المقلقة، على سبيل المثال إن وجود ردود أفعال عاطفية غير واعية لا يعني أن المشاعر الواعية ظاهرة ثانوية أو مثيرة للاهتمام ولكنها غير ضرورية والتي تلعب دورًا ضئيلًا في التحكم في السلوك الإنساني.

من الواضح أن العواطف اللاواعية تلعب دورًا مهمًا فيما يفعله الناس وتستحق مكانًا مركزيًا في أبحاث المشاعر والممارسات السريرية، ومع ذلك يشير البحث النفسي إلى أن العديد من جوانب ما يسمى بالعواطف يمكن فصلها عن الشعور والوعي، وأن الباحثين والممارسين لعلم النفس والعواطف لا ينبغي أن يقتصروا على التقارير الذاتية للتجارب الذاتية عند تقييم وجود المشاعر.

أهم النقاط المستقبلية في  العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي:

يجب معالجة العديد من الأسئلة الحرجة من خلال البحث في المستقبل في موضوع العاطفة اللاواعية في علم النفس الاجتماعي، فقد يتم تمييز الحالات اللاواعية بشكل أساسي فقط على التكافؤ السلبي الإيجابي، بدلاً من الجوانب النوعية المرتبطة بمشاعر معينة مثل الخوف أو الغضب أو الاشمئزاز أو القلق.

تشير بعض الأدلة إلى أن الدوائر تحت القشرية قادرة على التمايز النوعي، ويمكن أن تختبر الدراسات ما إذا كان يمكن استنباط سلوكيات عاطفية مختلفة دون أن تصاحبها مشاعر واعية.

اعتمدت الدراسات البشرية التي تمت مناقشتها في البحث النفسي الاجتماعي على محفزات بسيطة وعالية التعلم، مثل تعابير الوجه اللاشعورية، مما يجب أن تتناول الأبحاث المستقبلية ما إذا كانت المنبهات المعقدة والمشفرة ثقافيًا يمكنها أيضًا إحداث تغييرات سلوكية ذات قيمة دون مرافقة المشاعر.

أخيرا يجب أن يفحص العمل المستقبلي الآليات النفسية والعصبية الدقيقة التي تحدد ما إذا كان رد الفعل العاطفي يظل غير واعي أو مصحوبًا بمشاعر واعية، ومن المؤكد أن المستقبل القريب سيحقق العديد من النتائج المثيرة.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: