العقلانية القارية في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يشير تعبير العقلانية القاريّة في علم النفس إلى مجموعة من الآراء التي يشترك فيها بشكل أو بآخر عدد من الفلاسفة وعلماء النفس في العديد من القارات خلال الثلثين الأخيرين من القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، غالبًا ما توصف العقلانية القاريّة في علم النفس بأنها موقف معرفي.

العقلانية القارية في علم النفس

وفقًا للعديد من وجهات النظر المتنوعة من علماء النفس يتطلب أن يكون الفرد عقلانيًا واحدًا على الأقل تفضيل العقل والحدس على الإحساس والخبرة، واعتبار كل الأفكار أو معظمها فطرية وليست عرضية، والتركيز على الهدف من البحث هو معرفة مؤكدة وليست مجرد معرفة محتملة، في حين أن جميع العقلانيين القاريين يتممون بواحد أو أكثر من هذه المعايير، ويمكن القول إن هذا نتيجة لعلاقة أعمق تربطهم ببعضهم البعض أي التزام معرفي بواقع الجوهر.

شهد القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر ذروة بناء النظام المعرفي، لكن تعبير العقلانية القاريّة في علم النفس يشير في المقام الأول إلى مجموعة من الآراء المعرفية، فعلى النقيض من التجريبية النفسية التي تتبع كل المعرفة للتجربة الحسية، تؤكد هذه الآراء على الاعتماد على العقل، وتُعتبر مواردها كافية بمعنى ما لما نعرفه، وهكذا فإن توقيع عقيدة العقلانية هو عقيدة الأفكار الفطرية، والتي بموجبها لم يؤسس العقل فقط بنية المعرفة ولكن حتى محتواها.

لفهم العلاقة بين الالتزامات المعرفية للعقلانية من المفيد أن نتذكر خط العالم والفيلسوف أفلاطون المنقسم، الذي يؤسس التوازي بين الأشياء المعروفة والوسائل التي تُعرف بها، ففي الواقع يتدرج ترتيب الأشياء والأمر الأساسي في الأهمية، من الخير إلى الأشكال الأخرى إلى الأشياء الفردية إلى الصور وترتيب المعرفة، وذلك بدءًا من الحدس من أنواع مختلفة وصولًا إلى التجربة الحسية، يمكن العثور عليه في إصدارات مختلفة بين العقلانيين اللاحقين.

النقطة المهمة في العقلانية القاريّة في علم النفس هي أنه بالنسبة للعقلانيين القاريين كما بالنسبة لأفلاطون، فإن الفروق المعرفية ترتكز على الفروق الوجودية، أو بعبارات تعكس التفكير العقلاني في عدد من القضايا، لا يوجد سوى تمييز في العقل بين الأمرين، حيث إن أوامر الوجود والمعرفة ليست مميزة حقًا ومنها يختلفون فقط في طرق تفكيرنا بهم.

علاقة علم الوجود بالعقلانية القارية في علم النفس

هناك تفسير جيد للعلاقة الوثيقة التي يراها العقلانيين بين الأنظمة المعرفية في العقلانية القاريّة في علم النفس وعلم الوجود، وهو تفسير يفسر أيضًا اعتمادهم الملحوظ على العقل، إنه مستمد من إجابتهم على ما أسماه الفلاسفة من علماء النفس السؤال المعرفي الكبير لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء على الإطلاق؟ هناك شيء لأنه يجب أن يكون هناك شيء ولا يمكن أن يكون هناك شيء.

للواقع أو على الأقل جزء منه وجود ضروري، وهذه الضرورة هي شيء مثل الضرورة المنطقية، مع هذه الإجابة تقع نظرة فلسفية كاملة في مكانها الصحية، بادئ ذي بدء يسقط أي دور مهم للتجربة الحسية حيث يمكن معرفة ما هو موجود مسبقًا بالمنطق وحده في العقلانية القاريّة في علم النفس، ومنها تميل الروابط السببية إلى النظر إليها على أنها روابط منطقية، ويسقط مبدأ السبب الكافي الذي يميل إلى أن يُقرأ على أنه مسألة استنتاج منطقي.

إحدى النتائج هي أن هناك دافعًا نحو الأحادية في علاقة كل من علم الوجود والعقلانية القاريًة في علم النفس، وخاصة إذا كان يجب أن يكون السبب النهائي موجودًا، فيجب أن يكون السبب الكافي موجودًا أيضًا، وكيف يمكن التمييز بين الاثنين يصبح إشكاليًا، بالتالي لم يتم التعبير عن هذه النظرة على هذا النحو من قبل أي عقلاني، في الواقع كان معظم الواقعيين مهتمين بتجنب مثل هذه النتائج المترتبة على آرائهم.

لكن النظرة المستقبلية تلتقط الحدس الكامن وراء الأنظمة المعرفية التي طوروها، ومن المؤكد أنه يرسم التناقض بينهم وبين التجريبيين، الذين يميلون نحو العقلانية القاريّة في علم النفس، حيث أن وجهة النظر القائلة بأن العالم هو إلى حد كبير، أو حتى كليًا نتاجًا للصدفة.

وفقًا للتفسير التجريبي تتكون العقلانية القاريّة في علم النفس من العديد من الأفراد المستقلين، والذين إذا كانوا متصلين يكونون عرضيًا فقط، مما يقلل السببية إلى لا شيء أكثر من مسألة ارتباط ثابت، في ظل هذه الظروف فقط الخبرة عن العالم يمكن أن توفر المعرفة عنها.

التاريخ النفسي الفلسفي للعقلانية القارية في علم النفس

من المفترض عمومًا أن الفترة المبكرة للفلسفة الحديثة في علم النفس، بما في ذلك العقلانية القاريّة في علم النفس كانت مدفوعة بالعلم الجديد إلى ابتعاد جذري عن الأرسطية في أواخر العصور الوسطى أو عصر النهضة التي سبقتها مباشرة، ولكن عند النظر إلى إشكالية فكرة الحداثة المبكرة والرأي القائل بأن هذه الفترة قد بدأها العلم الجديد، أدت الرياضيات للعالم التي تتطلبها فيزياء القصور الذاتي للأرض المتحركة إلى فلسفة ثورية أفضل وصفًا، على الأقل في نسخة العقلانية بأنه أفلاطوني.

عادةً ما يُترجم مصطلح العقلانية القاريّة في علم النفس للعالم والفيلسوف النفسي أرسطو على أنه مادة، حيث أن ما قصده أرسطو بالضبط بالمصطلح هو مسألة شائكة نوقشت كثيرًا في الأدب النفسي، ووصفه للجوهر في المقولات يحمل الأشياء الفردية، التي يسميها المواد المناسبة؛ لتكون نموذجًا للمادة، في هذا الحساب يُفهم الجوهر للعقلانية القاريّة في علم النفس بشكل أفضل من خلال القياس مع موضوع نحوي فهو يأخذ مسندًا، ولا يمكن التنبؤ بأي شيء آخر.

بالتالي فإن العقلانية القاريّة في علم النفس يختلف عدديًا عن أي شيء آخر، حيث يبدو أن الكثير من روايات أرسطو في المعرفية التي تمت كتابتها بعد سنوات تتفق مع هذا، ومع ذلك فإن المعرفة أحياناً تعقد القصة، حيث يصف أرسطو أن هناك أربعة استخدامات لمصطلح العقلانية القاريّة في علم النفس، ويخلص إلى اختزالهما إلى حاستين عريضتين.

تتمثل حاستي أرسطو في العقلانية القاريّة في علم النفس أن المادة هي الطبقة السفلية النهائية والتي لا تنبئ بأي شيء آخر، والجوهر كشكل فيما يجعل كل شيء هو الشيء الذي هو عليه، حيث تشير الدلائل الموجودة في النص إلى أنه بحلول الوقت الذي كان يلقي فيه المحاضرات التي تم جمعها في المعرفية، لم يكن أرسطو ينظر إلى الأشياء الفردية ولكن المسألة التي تتكون منها هذه الأشياء الفردية هي الموضوع النهائي للتنبؤ.

في هذا المفهوم هناك بعض المعنى الذي يكون فيه العقلانية القاريّة في علم النفس نفسها قابلة للتنبؤ بالمادة، وهكذا في حين أن جوهر الفئات يعمل كمبدأ للتمييز، فإن جوهر المعرفة في العقلانية القاريّة في علم النفس أكثر تعقيدًا، حيث يعمل على التمييز على حد سواء والتقاط الاتصال أو التشابه الذي يربط بينهما.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: