حجج نجاح التجريبية البناءة في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يمكن للخبير التجريبي البنّاء أن يعترف بأن الواقعيين العلميين يدركون أيضًا أن هناك بُعدًا معرفياً لقبول النظرية البنّاءة، ولكن نظرًا لأن مقدار الاعتقاد الذي ينطوي عليه القبول يكون عادةً أقل توافقاً لمناهضي الواقعية، فإنهم سيميلون إلى جعل المزيد من الجوانب المعرفية ذات حجج تقف في صفّ نجاح التجريبية البنّاءة في علم النفس.

حجج نجاح التجريبية البناءة في علم النفس

تتمثل حجج نجاح التجريبية البنّاءة في علم النفس من خلال ما يلي:

الحجج الضعيفة للتجربة البناءة

قبل الانتقال إلى حجج أقوى من أجل نجاح التجريبية البنّاءة، سيكون من المفيد لفت الانتباه إلى بعض الحِجّج العلمية المناهضة للواقعية، التي تَنصح التجريبية البنّاءة بعدم استخدامها لدعم وجهة نظرها، مثل الحِجّة من عدم القدرة على التحديد، حيث تبدأ هذه الحِجّة بالإشارة إلى أنه بالنسبة لأي نظرية أنّ هناك نظريات متنافسة تُكافئها تجريبيًا، وهذه النظريات تُقدم نفس التنبؤات حول ما يمكن ملاحظته، ولكنها تختلف فقط فيما يتعلق بما لا يمكن ملاحظته.

تمضي هذه الحِجّة لتقول إنه يترتب على جميع النظريات المكافئة تجريبياً أن تكون قابلة للتصديق على حد سواء، وبالتالي فإن الإيمان بحقيقة أي من تلك النظريات المكافئة تجريبياً يجب أن يكون غير عقلاني، في حين أن وجهة النظر التجريبية البنّاءة هي وجهة نظر حول أهداف العلم وليس نظرية معيارية في نظرية المعرفة، فإن التجريبي البنّاء هو فرد يقدر نوع التواضع المعرفي الذي قد يحفز المرء على إيواء تعاطف معاكس للواقعية بشكل عام.

إلى الحد الذي يعتنق فيه التجريبي البنّاء التواضع المعرفي فقد يكون أيضًا طوعيًا معرفيًا، أي شخصًا يعتقد أن العقلانية ليست سوى اللامعقولية المقيدة، أي سلوك لا يجعل المرء غير متسق أو غير متماسك هو عقلاني من خلال أفعال الأشخاص المتطوعين لها، فقد يبدو هذا الموقف هو الموقف المعرفي الطبيعي الذي يجب على التجريبي البَنّاء أن يتمسك به، بقدر ما يتأثر التجريبي البنّاء بالحدود المعرفية التي تمنعنا من الحصول على دليل قاطع لصالح أي نظرية معينة.

أحد الأسباب التي تجعل التجريبي البنّاء ينصح جيدًا بعدم اعتناق الحِجّة الضعيفة لها، هي أنها تتعارض مع الموقف التطوعي في نظرية المعرفة، حسب تقدير الشخص المتطوع فإنها تتجاوز الأدلة إلى الحد الذي يختاره المرء أن يؤمن بحقيقة النظرية المعرفية، في كل من جوانبه المرصودة وغير الملحوظة يمكن أن تكون عقلانية.

تساعد النظرة المعرفية المُتساهلة نسبيًا للخبير التجريبي البنّاء، الذي هو أيضًا تطوعًا معرفيًا في تفسير السبب في أن مثل هذا التجريبي البنّاء سيكون حذرًا في عدم اعتبار التجريبية البنّاءة كنظرية معيارية تتعلق بإنجازات العلم، ومن المفهوم الخاطئ بهذه الطريقة المعيارية فإن التجريبية البنّاءة تعني أن الإيمان بالملاءمة التجريبية للنظرية هو المرشح العقلاني الوحيد للاعتقاد المتضمن في قبول النظرية، فمن الواضح أن مثل هذا القيد على عقلانية الرأي يتعارض مع أي إرادية معرفية قد يتبناها التجريبي البنّاء.

الحِجّة العلمية المناهضة للواقعية التي يُنصح الشخص بعدم استخدامها لدعم التجريبية البنّاءة هي حِجّة الاستقراء التشاؤمي، حيث تشير هذه الحِجّة إلى أن النظريات العلمية في الماضي ثبت أنها خاطئة، لذلك من خلال الاستقراء يجب أن نعتقد أن النظريات الحالية خاطئة أيضًا، فإذا تم أخذ هذه الحِجّة لاستنتاج أن الإيمان بنظرياتنا الحالية غير منطقي، فعندئذ فإن الحِجّة لا تتوافق مع أي طوعية قد يتبناها التجريبي البنّاء.

حجج الكفاية التجريبية البناءة مقابل الحقيقة

كيف يمكن للمرء أن يجادل في التجريبية البنّاءة؟ تعتمد إحدى الحِجَج الخاصة بالتجريبية البنّاءة على حقيقة أن الإيمان بالكفاية التجريبية لنظرية ما أقل جرأة من الناحية المعرفية من الإيمان بحقيقة النظرية، ففي كلتا الحالتين نلتزم بالكفاءة التجريبية التي تتجاوز بكثير ما يمكننا معرفته في أي وقت، فلماذا يعتبر الاعتقاد بأن النظرية مناسبة تجريبياً أفضل من الاعتقاد بأن النظرية صحيحة؟ يضع العالم فان فراسن النقطة الشهيرة لمثل هذه الحِجَج.

تتمثل تفسيرات العالم فان فراسن لحجج الكفاية التجريبية البنّاءة مقابل الحقيقة في أنه ليس مبدأ معرفيًا أنه يمكن للمرء أن يعلق من أجل شيء محدد لا معرفة سابقة له، ويرفض التجريبي البنّاء الحِجَج التي تشير إلى أن المرء ملزم بشكل عقلاني بالإيمان بحقيقة النظرية المعرفية، بالنظر إلى أن المرء يؤمن بالكفاية التجريبية للنظرية.

لكي تنجح هذه الحِجّة المعرفية يجب أن يكون التمييز بين الكفاية التجريبية والحقيقة قائمًا على أسس جيدة، ومنها تم تخصيص جزء كبير من الصورة العلمية لهذه المهمة، حيث يجادل الشخص التجريبي البنّاء بأنه يمكن للمرء أن يفهم التمييز الذي يمكن ملاحظته أو غير المرصود، حتى لو كانت الملاحظة محملة بالنظرية.

هناك سببًا إضافيًا لتبني التجريبي البنّاء للكفاية التجريبية بدلاً من الحقيقة باعتبارها السمة المميزة لعنصر الإيمان لقبول النظرية، فقد يفكر المرء بشكل معقول في الإيمان بالكفاية التجريبية للنظريات المقبولة باعتباره أضعف موقف يمكن أن ينسبه المرء إلى العلماء في نفس الوقت الذي لا يزال فيه المرء قادرًا على فهم نشاطهم العلمي، في الوقت نفسه فإن الإيمان بالكفاية التجريبية لنظرية ما يكون حذرًا بدرجة كافية للسماح للمؤمن بالبقاء مخلصًا لروح التجريبية، وبالتالي فإن التجريبية البنّاءة هي وجهة نظر تسمح للمرء أن يعتبر نشاط العلم نشاطًا يمكن أن يؤيده التجريبي بأمان.

حجج الإيمان بالكفاية التجريبية البناءة كمعيار قوي

أحد مصادر القلق لدى التجريبي البنّاء هو أن قبول النظرية يمكن الحصول عليه في ظل ظروف لا تتطلب الإيمان بالكفاية التجريبية للنظريات المقبولة، حيث يقدر علماء النفس أن العديد من أفضل نظرياتهم العلمية غير قادرة على تفسير جميع الظواهر التي يمكن ملاحظتها بشكل صحيح، فالنظريات في الواقع ليست كافية تجريبيا تماما في جميع الأوقات والمواقف، ومع ذلك يقبل العلماء هذه النظريات فهم يعاملونها كفرضيات عمل لاستخدامها في تنفيذ عملهم.

إحدى الردود الأولية التي قد يقدمها التجريبي البنّاء لهذا التحدي هي أنه إذا كان العلماء يعتقدون حقًا أن النظريات غير ملائمة تجريبياً، فهم لا يقبلون النظريات فعليًا بعد كل شيء، والرد الأكثر تعقيدًا الذي قد يقدمه التجريبي البناء يستدعي الاعتراف بأن القبول يأتي بدرجات وله عنصر عملي، ويمكن أن يسمح التجريبي البناء للعالم في الغالب بقبول النظرية بقدر ما يعتقد العالم أن العديد من معظم الظواهر التي يمكن ملاحظتها التي يصفها يمكن تضمينها في البنى التحتية للنظرية.

يلتزم العالم بشدة إلى حد ما باستخدام النظرية كأساس لبرنامج بحث العالم، ويكفي أن يقبل العالم النظرية بدرجة عالية حتى لو لم يقبل العالم النظرية بشكل قاطع وغير مؤهل،  فإن القبول غير المشروط لنظرية تتضمن الاعتقاد بأن النظرية مناسبة تجريبياً قد يكون أي ميل قد نضطر إلى الاعتقاد بأن العلماء يقبلون النظريات تمامًا ناتجًا ببساطة عن الدور الاجتماعي الذي يلعبه العلماء كمفسرين لتلك النظريات.

العلاقة بين النظرية والتجربة البناءة في علم النفس

يجادل التجريبي البنّاء بأن التجريبية البنّاءة تجعل معنى العلم والنشاط العلمي أفضل من الواقعية، حيث يمكن فهم التجريبي البنّاء على أنه يقدم حجتين لهذا الادعاء، فقد يؤكد التجريبيين البنائين بالنسبة للعلماء العاملين أن الأهمية الحقيقية للنظريات العلمية هي أنها عامل في التصميم التجريبي، وإنهم يقارنون هذا بالصورة التقليدية التي قدمتها فلسفة العلم.

وفقًا للصورة التقليدية فإن الهدف الرئيسي للممارسة العلمية هو تمييز البنية الأساسية للعالم، ويتم استخدام التجريب ببساطة لتحديد ما إذا كان ينبغي اعتبار النظريات صحيحة، وبالتالي كمساهمة في معرفتنا بالبنية الأساسية، في المقابل يشير التجريبي البنّاء إلى أن سبب تحول العالم إلى نظرية هو أن التصميم التجريبي صعب، وأن النظريات ضرورية لتوجيه البحث النفسي التجريبي.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف، 2015.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم، 1995.علم النفس العام، هاني يحيى نصري، 2005. علم النفس، محمد حسن غانم، 2004.


شارك المقالة: