علاقة علوم التربية والتاريخ

اقرأ في هذا المقال


علاقة علوم التربية والتاريخ:

إن التربية عملية اجتماعية تحاول من خلالها المجتمعات على اختلاف أماكنها، تجهيز أفرادها بما يقدم لهذا الاختلاف، وبالتالي يحفظ لكل مجتمع خصوصياته، من هنا نجد أنها تتخذ لها تعريفات ومفاهيم عديدة تختلف باختلاف كل مجتمع عن الآخر في نظرته والطريقة التي تتبعها في الحياة، وأيضاً خصائص التربية التي يمتلكها وأهدافها ووظائفها وأشكالها وأنواعها وأساليبها في سبيل تحقيق مفهوم التربية.

لقد أيقنت المجتمعات البشرية منذ بدأ الخلق أهمية التربية للفرد، حيث كانت تمشي داخل المجتمعات القديمة بطريقة عفوية تلقائية، وذلك بطريقة التلقين والمشاركة في أنشطة الكبار سواء مع الأسرة أو الأقران وأثناء العشائر الدينية وفي مجالات متعددة مثل المهن والألعاب الجماعية، جميع ذلك كان يحدث بطريقة تدريب عفوي وأيضاً بشكل تدريجي على المعتقدات التي تمتلكها الجماعة أو حتى العقيدة أو العشيرة أو القبيلة وعاداتها وأعمالها.

وأن التربية هي أسلوب ذلك التدريب العفوي، وكان يتم النقل الحي للعادات والمعتقدات السائدة في المجتمع ويكتسب غير البالغ عادات الراشدين ويمارسون بمواقفهم الانفعالية والعقلية عن طريق الإسهام المباشر في نشاطاتهم، ذلك الإسهام الذي يقوم مقام التعلم والتعليم، عن طريق هذا الإسهام المباشر في الممارسات الحياتية داخل المجتمع يستوعب الأبناء فيه خبرات الآباء والأجداد، ونجد الطبيعة أو المحيط الذي كان يعيش فيه غير البالغين، كان يمثل معلماً ملهماً لأجيال من خلال تقلبات الجو أو حتى تعاقب الفصول والتعايش مع الحيوانات، هذا الذي يجعلنا نقول أن التربية ركزت على الحاجات المباشرة للإنسان والتي تتعلق بإشباع جوعه وحماية نفسه وتفادي الضرر، هذا الذي جعلها ترتبط بالحاضر وحاجاته العاجلة ارتباطاً أساسياً، وإلى إحداث توافق وعلاقة انسجام بين الفرد وبيئته سواء كانت مادية أو روحية.

العلاقة بين التربية وباقي العلوم تعتبر علاقة تبادلية، وذلك لأنها تقوم بالاستفادة من باقي العلوم وتفيدها في الوقت نفسه بوسائل مباشرة أو غير مباشرة.

إن العلاقة بين علم التربية وبعض العلوم، ومن ضمن هذه العلوم (علم التاريخ)، لم تعد تعتبر مجموعة أحداث وأخبار حدثت في الماضي، بل تعدت تلك العلاقة إلى التفسير وتحليل الأحداث، والحصول على النتائج، واستخراج الحقائق والأدلة بالاعتماد على الأسلوب العلمي والمنهج الموضوعي.

إن الإنسان يعد محور دراسة التاريخ لكونه صانع الأحداث ولأنه الكائن الوحيد الذي يمكن أن ينقل الثقافة على مر العصور، فإن التربية تتخذ الإنسان محورًا لها، وبذلك تشترك التربية مع التاريخ في أن محورها هو الإنسان.

التربية والتاريخ:

إن العلاقة والصلة والترابط بين علم التربية وعلم التاريخ تنبع من حاجة كل واحد منهما للآخر، فإذا كانت التربية تستفيد من مساعدة التاريخ بما يمثله من جهود فكرية للإنسان عبر العصور التي سبقت في فهم هذا الجهد الموروث عن السلف، وفهم المشكلات التربوية وحلها في ضوء التجارب السابقة، ومعرفة المفاهيم التربوية التي اتبعها الإنسان في الماضي واتجاهاتها وتطورها، ولذلك وجدنا ما يعرف بعلم تاريخ التربية الذي يدرس حركة المجتمعات البشرية وتفاعلاتها وأنشطتها ومدى تأثيراتها على التربية، فإن التربية هي التي تعمل على الحفاظ على هذا الموروث ونقله وبالتالي تناقله عبر الأجيال.

ويمكننا القول أن التاريخ هو بمثابة ذاكرة الشعوب، فهو يدون الجهود الفكرية الذي يبذلها الإنسان وذلك يحاول توضيح حياة البشر، وأيضاً فهم علاقتها بالوجود، حيث أنه علم مهم جداً في العلوم الإنسانية، حيث يعد أساس الدراسات الإنسانية وتواجد البعد التاريخي مساهمة فعالة في العملية التربوية والتي تساعد بدورها على فهم ما أخذته من الماضي وما جهزته للحاضر،  وكيف يمكنها أن تخطط للاستعداد للمستقبل، وبالتالي يساعد ذلك على معرفة المشكلات التربوية المتعددة، بنفس الوقت معالجة المشكلات التي سبق مرت على البشرية في مستويات تطورها، والبعد عن ما هو غير لائق لتجنبه والبحث عن ما هو مفيد، وكذلك التطلع على المفاهيم التربوية التي مشى عليها الإنسان قديماً وأيضاً كيف تطورت.

إن التربية في صلتها مع التاريخ تشكل ما يعرف بتاريخ التربية الذي بدوره يدرس خطوات المجتمعات البشرية وطريقة تفاعلها ومدى تأثيرها على التربية.

وملخص ذلك فإن التاريخ يدعم التربية بالأفكار بشكل عام ويعطي أمثلة ودروس متنوعة كان لها تجربتها واستفادت من نتائجها قبل سنوات، حيث تضمنت مدى صلة التربية والتاريخ، ودراسة ما يطلق عليها (تطور الفكر التربوي)، وهي دراسة مخصصة للتاريخ من ناحية التربية نتعرف من خلالها إلى علماء الفكر التربوي القديمين الذين قدموا خدمة لمجتمعاتهم في تخصص التربية.

أمَّا عن العلاقة والصلة بين علم التربية وعلم التاريخ فتستند على ما يجهزه علم التاريخ من ملاحظات وأمثلة وأيضاً دروسٍ متعددة، توضِّح فيها طبيعة الصلة بين مصدر القوة والعوامل الاجتماعيَّة الشائعة في زمن تاريخي معين، ومدى تأثير ذلك على الفكر التربوي كما يبين التاريخ نشاط المجتمع، ومدى تفاعله، وانعكاسها على التربية بشكل عام.


شارك المقالة: