علم نفس النمو وتطور ما قبل الولادة

اقرأ في هذا المقال


لا شك أنّ الولادة لا تمثل بداية التطور البشري، يبدأ التطور عند الحمل بالرغم من أنّ الكثير من التطور قبل الولادة يحدث في المجال المادي، لكنّ التطورات في المجالات المعرفية والنفسية الاجتماعية تظهر كذلك في هذا الوقت، علاوة على ذلك بالرغم من أنّ هذه التطورات مدفوعة بالقوى الوراثية والنضج، إلّا أنّ العوامل التجريبية تلعب دور مؤثر خلال هذه الفترة، في هذه المقالة سنتناول بعض المجالات الرئيسية للتطور قبل الولادة مثل؛ التجربة الحسية والأداء السلوكي العصبي والمخاطر المسخية.

علم نفس النمو وتطور ما قبل الولادة:

التطور الحسي:

بالرّغم من أنّ التطور الحسي يبدأ قبل الولادة بفترة طويلة فمن الصعب بطبيعته مراقبة الاستجابات التي يعبر عنها الجنين، تم فحص التجربة الحسية الكيميائية المبكرة للجنين بشكل كبير في الحيوانات، في حين أن معظم الدراسات التي أجريت على الأجنة البشرية حين ذلك قد حققت في الاستجابة السمعية في النصف الثاني من الحمل؛ مصادرنا الأساسية للمعرفة حول التطور الحسي في الأجنة البشرية مستمدة من دراسات الأطفال المولودين قبل الأوان والبحث باستخدام تقنيات غير باضعة متطورة في ذلك المجال .
على سبيل المثال يمكن اكتشاف المجالات المغناطيسية التي تولدها الخلايا العصبية النشطة في أنسجة دماغ الجنين واستخدامها لفحص استجابة الجنين للتحفيز السمعي، تصبح الحواس وظيفية بالتتابع ما بين ثمانية وستة وعشرين أسبوعاً.

لمس واتصال وصلة:

تبدأ الحساسية للمس أو الضغط في وقت مبكر من الحمل وتتطور في اتجاه رأسي بحلول حوالي ثمانية أسابيع من الحمل، يستجيب الجنين للمس المنطقة المحيطة بالشفاه بالحركة؛ بحلول الأسبوع الثاني عشر يستجيب الجنين بحركة إمساك عند لمس الأصابع، أثناء الحمل المبكر يستجيب الجنين عادةً بالابتعاد عن مصدر التحفيز، في وقت لاحق من الحمل يميل الجنين إلى التحرك نحو التحفيز، على سبيل المثال يمكن أن يثير التحفيز باللمس على خد الجنين استجابات شبيهة بالتجذير، التي تساعد الرضيع على تحديد مصدر الرضاعة في وقت لاحق.

الطعم والرائحة:

رأى العلماء إلى أنّ الأجنة لديها خاصية الكشف عن الذوق والشم باستثناء مذاق الحلويات؛ فلم يكن هناك دليل مباشر على تفضيلات الجنين الكيميائي الحسي، تنتقل النكهات والروائح من النظام الغذائي للأم إلى السائل الأمنيوسي ومجرى الدم للجنين، بالتالي يمكن أن يحدث الإحساس بالذوق والشم من خلال أنف الجنين وفمه ومجرى دمه، عندما ينخرط الجنين في حركات التنفس (بدءاً من حوالي 10 أسابيع من الحمل).
فلا يتم ابتلاع السائل الأمنيوسي فحسب، بل يمر كذلك عبر الأنف بعد ذوبان السدادات التي تسد فتحات الأنف، فمن خلال الدورة الدموية في الأنف والفم يتمتع الجنين بفرصة اختبار الروائح والأذواق المختلفة.

السمع:

يتطور الجهاز السمعي للجنين بشكل تدريجي بدءاً من حوالي ستة أسابيع من الحمل، بحلول ثمانية وعشرين أسبوعاً يكون متطور بشكل كافي لتمكين الجنين من الاستجابة بشكل موثوق للأصوات، عادةً مع الاستجابات المفاجئة وزيادة معدل ضربات القلب؛ داخل الرحم يتعرض الجنين بانتظام لصوت أمه وأصوات الجهاز الهضمي ونبض القلب، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل يبدو أن الجنين يسمع أصوات خارجية تمر عبر جدران الرحم.

الرؤية:

في حوالي 8 أسابيع من الحمل تبدأ العدسة والجفون والعضلات التي تتحكم في حركة العين في التطور، بحلول الأسبوع 15 يكتمل تكامل العصب البصري في كل عين، أمّا في الأسبوع الثامن والعشرين يكون نمو القشرة البصرية في الدماغ مشابه لتطور القشرة البصرية في الدماغ عند البالغين، بالرّغم من أنّ الجنين يمكن أن يفتح عينيه ويغمضها لبعض الوقت، إلّا أنّه يتلقى القليل من المدخلات البصرية نسبياً قبل الولادة بسبب الظلام في الرحم.
مع ذلك إذا ولد الجنين قبل الأوان في هذا الوقت، فيمكنه بالفعل اكتشاف التغيرات في السطوع؛ لأنّ البنية العصبية للعينين والمسارات المؤدية إلى الدماغ لا تزال غير ناضجة، كما يبدو أنّ الرؤية هي الأقل تطور من الحواس وتستمر في التطور بشكل كبير بعد الولادة.

تطوير السلوك العصبي وعمله:

يعد تحديد أنماط نشاط الجنين وآلياتها العصبية الأساسية أمر بالغ الأهمية ليس فقط لفهم بدايات السلوك البشري، بل لمراقبة التطور الصحي للجنين في عمل الجهاز العصبي المحيطي والمركزي، تم إنشاء معظم المعرفة حول التطور السلوكي العصبي في الجنين عن طريق الموجات فوق الصوتية في الوقت الحقيقي وأجهزة مراقبة الجنين الإلكترونية القائمة على دوبلرب، عادةً ما يتم تضمين أربعة جوانب لأداء الجنين في تقييم السلوك العصبي متعدد الأبعاد؛ كالنشاط الحركي ومعدل ضربات القلب والحالة السلوكية من النشط إلى غير النشط والاستجابة للتحفيز.

النشاط الحركي:

تظهر الحركات لأول مرّة بين 7 و 16 أسبوع من الحمل، كما يظهر تطور حركات الجنين زيادة في الذخيرة وتشمل الحركات كلاً من الحركات المعممة الكبيرة؛ على سبيل المثال الجفلة والتمدد والدوران والتنفس وحركات أجزاء معينة من الجسم؛ كالرأس والعينين والأصابع وفتح الفك والتثاؤب والاتصال بين اليد والوجه، في البداية تميل الحركات إلى الظهور بشكل عشوائي، لكن حدوث الحركات بشكل تدلايجي يكون أكثر تنسيق وتجمع معاً في رشقات نارية.
أخيراً في فترات أطول من النشاط المتقلب، بالرغم من وجود فروق فردية في كمية الحركات بين الأجنة، إلّا أنّها تحدث بشكل أقل تكرارًا ولكن بقوة أكبر خلال النصف الثاني من الحمل، تشيع فترات الخمول الأطول بشكل متزايد مع نضوج الأجنة؛ بالتالي يُعتقد أن التثبيط الحركي هو كذلك يعتبر من أحد العلامات المهمة للتطور العصبي.

معدل ضربات قلب الجنين:

معدل ضربات القلب لدى الأجنة السليمة يقارب ضعف معدل ضربات القلب لدى البالغين؛ حيث يتراوح بين 120 و160 نبضة في الدقيقة، يمكن ملاحظة دورات التباين المتزايد والمتناقص في معدل ضربات القلب الأساسي على مدار اليوم، في حين أنّ التسارع العفوي يشير إلى استجابة في الجهاز العصبي الودي، فإنّ الاتجاهات العامة في معدل وتغير نشاط قلب الجنين تعكس نضج الجهاز العصبي، بشكل عام يُظهر معدل ضربات القلب نمط من الانخفاض في المعدل وزيادة التباين خلال فترة ما قبل الولادة.
مع ذلك فإنّ التباطؤ بعد ثمانية وعشرين أسبوعاً يميل إلى أن يكون علامات على علم الأمراض، على عكس بعض المعتقدات الشائعة؛ فإن معدل ضربات قلب الأجنة غير متزامن مع معدل ضربات قلب أمهاتهم، في حالة الهدوء والراحة لا يؤثر معدل ضربات قلب الأم على معدل ضربات قلب الجنين أو العكس، علاوة على ذلك يُنظر إلى وجود تسارع في معدل ضربات القلب إلى جانب حركات الجنين على أنّه علامة على رفاهية الجنين، تشير الزيادات في الاقتران المنسق بين النظامين المختلفين إلى تكامل الجهاز العصبي المركزي.

الحالات السلوكية:

الحالات السلوكية هي فترات مستقرة تتميز بأنماط منسقة في عين الجنين وحركاته، إضافةً إلى نشاط معدل ضربات القلب ابتداءً من حوالي ثمانية وعشرين أسبوعاً ، يبدأ الجنين في إظهار دورات نشاط الراحة ويمكن اكتشاف أربع حالات سلوكية متطورة بالكامل في حوالي 36 أسبوع؛ كالنوم الهادئ والنوم النشط واليقظة الهادئة والاستيقاظ النشط، تتميز حالة النوم الهادئ بغياب حركات العين واستقرار معدل ضربات القلب ضمن نطاق ضيق، كما تتميز حالة النوم النشط بحركات العين ونطاق أوسع من تذبذب معدل ضربات القلب وإطالات دورية وحركات الجسم الإجمالية.
تتميز حالة اليقظة الهادئة بغياب حركات الجسم الإجمالية واستقرار معدل ضربات القلب مع نطاق واسع من التذبذب كذلك غياب تسارع معدل ضربات القل، أمّا حالة اليقظة النشطة فتتميز بوجود حركات للعين وأنشطة مستمرة وقوية مع تسارعات غير مستقرة وكبيرة في معدل ضربات القلب، بالمقارنة مع حديثي الولادة تستغرق الأجنة وقت أطول لإكمال تغيير الحالة وإجراء انتقالات أقل بين حالات النوم الهادئ والنشط؛ لأنّه يُعتقد أنّ الحالات السلوكية تعكس الأداء العصبي وبالتالي صحة الجنين، يمكن استخدام ملاحظات الحالات الجنينية للتمييز بين التشوهات في الحمل وتأخر النمو.

الاستجابة:

تستجيب الأجنة للتحفيز الناشئ من خارج الرحم مقارنة بالمنبهات الصوتية المحمولة جواً، كما تستجيب الأجنة للمنبهات الصوتية التي يمكن مقارنتها بفرشاة الأسنان الكهربائية مع تسارع أكبر لمعدل ضربات القلب والمزيد من حركات الجسم؛ ذلك استجابةً للعرض المتكرر للمنبهات، يعكس نمط الاستجابة المنخفضة قدرة الأجنة السليمة على التنظيم الذاتي ومعالجة المعلومات.

المسخ:

يدرس علم المسخ الأضرار الجسدية في الجنين أو الجنين الناجم عن التعرض قبل الولادة للمواد الغريبة، يركز علم المسخ الأحدث على التأثير على تطور الجهاز العصبي المركزي وعواقبه السلوكية الواضحة، أمّا عوامل الخطر المسخية الأكثر شيوعاً التي ترتبط بالنتائج السلبية للأطفال هي التعرض قبل الولادة لتعاطي الأمهات للتبغ أو الكحول أو الكوكايين؛ وفقًا لإدارة خدمات إساءة استخدام العقاقير والصحة العقلية، أبلغت 18% تقريباً من النساء الحوامل في الولايات المتحدة عن تدخين السجائر، كذلك 9.8 % أبلغن عن شرب الكحول، أيضاً 4% أبلغن عن استخدام عقار واحد غير قانوني على الأقل في الشهر السابق.

المصدر: علم نفس النمو، عباس محمود عوضعلم نفس النمو، حسين الزبيديعلم النفس، محمد حسن غانم


شارك المقالة: