كيف يتم بناء العلاقة الإرشادية في الإرشاد النفسي؟

اقرأ في هذا المقال


كيف يتم بناء العلاقة الإرشادية في الإرشاد النفسي؟

لا يمكن للعملية الإرشادية أن تقوم دون ان يكون هناك علاق عنوانها الثقة والثقة ما بين المرشد والمسترشد، فالإرشاد النفسي بصورة عامة علم قائم على التبادل والمحبّة والألفة وقبول الآخر، وإن لم يتحقّق هذا الشرط أو تمّ التغاضي عنه فستكون النتيجة الحتمية هي فشل سير العملية الإرشادية، وبالتالي البحث عن مرشد جيّد يكون أكثر قدرة على كشب ثقة المسترشد وبناء العلاقة الإرشادية بصورة أكثر تفاعلاً.

ما هي أبرز المخاوف في مرحلة بناء العلاقة الإرشادية؟

عادةً ما يبدأ المسترشدون العملية الإرشادية بصورة حذرة يكتنفها الترقّب والخوف، وعدم القدرة على البوح ما في الذات بصورة مباشرة، فالمسترشدون عادةً ما يبحثون عن ذاتهم ويرغبون في فهمها، ويخافون من الانفعالات السلبية التي قد تضرّ بسير العملية الإرشادية، وهم بحاجة إلى الكثير من التشجيع ليكونوا قادرين على طرح أفكارهم بصورة أكثر جرأة ودقّة، فإن هم تخلّصوا من هذه المخاوف سينطلقون في البوح ما في داخلهم دون خوف أو تردد، وسيصبح همّهم وقتها هو أين يكمن الحل؟

ما طبيعة العلاقة التي يتم بناءها بين المرشد المسترشد في العملية الإرشادية؟

إنّ العلاقة التي يؤكّد عليها علم الإرشاد النفسي ليست بعلاقة مطلقة غير مقيّدة بشروط، فهي علاقة مهنية تقوم على الاحترام المتبادل والثقة وتقدير الآخر، وإن تجاوزت هذه العلاقة الحدود المسموح بها ستكون وقتها النتائج كارثية ولا تمسّ الواقع بأي صلة، فالعلاقة الإرشادية علاقة هادفة مبنيّة على ثقة المرشد بالمسترشد والعكس، وتقوم أيضاً ضمن أسس يتمّ الاتفاق عليها مسبقاً تعمل على تحديد الأدوار فيما بينهما، ولا يمكن التراجع أو تقديم أي تنازلات مقابل تقديم معلومات معيّنة، فالعلاقة تبقى ضمن نطاق المنطق والمعقول ولا تتجاوز العرف السائد الذي لا يمكن الحياد عنه.

إنّ الأساس من بناء العلاقة الإرشادية هو تحقيق مجموعة من الأهداف التي تصبّ في نهاية المطاف في صالح العملية الإرشادية، وهذه العلاقة عادة ما تمتاز بالحيادية والخلوّ تقريباً من الأخطاء، كون الهدف العام من العملية الإرشادية هو صقل الشخصية ونبذ سلوك نفسي خاطئ بما يتوافق وطبيعة وثقافة المجتمع، وأن يتمّ التأكيد على أنّ العلاقات العاطفية التي ربما قد تحصل من خلال سير العملية الإرشادية هي علاقات مرفوضة تماماً ولا تصبّ في صالح العملية الإرشادية.

إنّ التواصل فيما بين المرشد والمسترشد يكون ضمن نطاق المعقول، بعيداً عن الشرود العاطفي أو التحيّز غير المنطقي، وهذا الأمر يجعل من العلاقة علاقة مهنية بحتة تتخللها العواطف الواعية التي لا يمكن أن تتطوّر لتشكّل عواقب إرشادية جديدة ربّما تظهر على صورة تضرّ بالشكل العام للعملية الإرشادية، مع التأكيد على الزمن الذي يتمّ تحديده من خلال العلاقة الإرشادية والذي لا بدّ وان يتوقف مع نهاية هذه العملية، وإلا فإنّ مشاكل أخرى ستكون وخيمة ستظهر في الأفق، ومن الصعب وقتها أن يتمّ إيجاد الحلول المنطقية.

الأبعاد الرئيسية للعلاقة الإرشادية:

1. تميز العلاقة الإرشادية وعموميتها:

تعتبر العلاقة الإرشادية علاقة عامة لا يمكن أن تكون خاصة، فهي علاقة تبحث عن حلول لمشكلة ما غير قابلة للمزاودة او تقديم أي تنازلات مهما كان السبب، وهي بالتالي علاقة إنسانية تقوم على أساس المساعدة والرقي بالتفكير بعيداً عن العواطف الجانبية.

2. المحتوى الانفعالي والفكري للعلاقة الإرشادية:

لا بدّ وأن يتمّ التوازن ما بين الطرح والقبول، وهذا الأمر من شانه أن يكون المرشد على مقدرة بإكساب المسترشد صورة عامة تشعره بالثقة المطلقة، بالتالي القدرة على مشاركته الأفكار الخاصة والمشاعر التي مرّت به أو حصلت معه سابقاً وكان لها دور كبير في تغيير أفكاره، وهذا الأمر يحتّم على المرشد النفسي أن يقوم بردّة فعل نموذجية تعكس الصورة الحقيقية التي يجب أن يتعامل من خلالها المسترشد مع الواقعة بهذا الشكل، بحيث يكون المستوى الانفعالي والعقلي متوازن ويمكن أن يتمّ تغييره وفقاً لمتطلبات وأهداف العملية الإرشادية.

3. الوضوح والغموض في العملية الإرشادية:

ليس سهلاً أن يكسب أحدنا ثقة الآخر من خلال مقابلة أو اثنتين أو حتّى عشرة بسهولة، لا بدّ من لوازم وأدوات مستخدمة بدقّة متناهية لإثبات هذه الألفة والثقة، وهذا الأمر من شأنه أن يتمّ بناء الثقة والعلاقة بناء على الوضوح والابتعاد عن الغموض أو الطرح غير المنطقي، وهذا الأمر يتطلّب من المرشد أن يكون ضمن نطاق الحدود الرسمية في تعامله مع المسترشد، وأن لا يترك عنان الأمر له في طرح ما يرغب به أو يتحدّث عن مشاعره متى يحلو له، فعندما يتمّ تحديد العلاقة، تكون النتائج أكثر إيجابية وواقعية.

4. الثقة وعدم الثقة:

إن لم تتوفّر الثقة فيما بين طرفي العملية الإرشادية لن يتمّ الوصول إلى أي نتائج واقعية صحيحة، والثقة عادة ما تكون حقيقية عندما يكون المرشد قادراً على إثبات وجوده، وماهراً في الطرح ولديه إمكانيات كبيرة في التوقّع والتنبؤ بالمسلكيات، ولديه العديد من الحلول التي لا يمكن رفضها من قبل المسترشدين، وأن يكون المسترشد على يقين أن المرشد ذو كفاءة عالية حقيقية في التعامل مع حالته وسيمنحه الثقة في إيجاد ذاته ضمن نطاق المعرفة والحقيقة.

إنّ الثقة التي يبحث عنها المسترشد يتمّ الاستشراف بها من خلال المقابلات الإرشادية الأولى، فعندما يشعر المسترشد أن العملية الإرشادية تقوم على مجموعة من القواعد والأهداف الصحيحة غير قابلة للقسمة أو التبديل، عندها يشعر أنه في أيدي أمينة ويبدأ في الإفصاح عن عما يجول في خطاره، وهنا تكون العملية الإرشادية تسير ضمن مسارات حقيقية تتوافق ومبادئ الإرشاد النفسي، فسهولة بناء العلاقات فيما بين المرشد والمسترشد تعتمد بصورة كبيرة على شخصية المرشد، وهل هو ذو شخصية يمكن الوثوق بها، أم شخصية عادية لا تجذب اهتمام الآخرين.

إنّ الأسلوب الذي يقوم المرشد باتباعه هو أسلوب يعطيه صفة القيادة السيطرة على سير العملية الإرشادية، وبالتالي انصياع المسترشد المطلق لكلّ ما يبوح به المرشد حتّة ولو كان غير صحيح، كما وأنّ طبيعة الحديث الذي يتمّ طرحه من قبل المسترشد ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً أو يمرّ على المرشد الخبير دون أن يتم تحريره، وهنا أيضاً تتولّد لدى المسترشد ثقة كبيرة في قدرة المرشد على كشف الحقائق، كما وأنّ المظهر الخارجي وكاريزما الشخصية التي يظهر عليها المرشد لها دور كبير في ثقة المسترشد بشخصية المرشد، وبالتالي سير العملية الإرشادية بالشكل الصحيح وتحقيق الأهداف بصورة إيجابية.

المصدر: أساسيات الإرشاد النفسي والتربوي، عبدالله أبو زعيزع، 2009. الإرشاد النفسي لأسر الأطفال غي العاديين، دكتور مصطفى حسن أحمد، 1996. الإرشاد النفسي عبر مراحل العمر، الأستاذ محمد ملحم، 2015. الإرشاد النفسي للصغار والكبار، عبد الرقيب أحمد البحيري.


شارك المقالة: