معضلة السجين في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


معضلة السجين في علم النفس:

معضلة السجين هي الحالة الأكثر شهرة في علم النفس التي تتعارض فيها المصلحة الذاتية والمصلحة الجماعية، حيث أنها تعبر عن المعاملات الفردية والجماعية من حيث مبدأ التعاون، أو مبدأ واحدة بواحدة، حيث يستمد هذا الموقف من الحكاية الكلاسيكية عن سجينين اتهما بسرقة بنك، في هذه الحكاية تسبب المدعي العام الذي كان غير قادر على إثبات أن السجناء مذنبين في خلق معضلة في محاولة لتحفيز السجناء على الاعتراف بالجريمة ثم تم وضع السجناء في غرف منفصلة، حيث كان على كل سجين أن يختار أن يعترف أو لا يعترف.

سعى المحامي إلى جعل الاعتراف مغريًا للسجناء من خلال خلق موقف يتم فيه تحديد العقوبة ليس فقط من خلال اعترافهم أو عدم اعترافهم ولكن أيضًا من خلال اعتراف زميل السجين أم لا، ومع ذلك وبغض النظر عن اختيار الزميل السجين، فإن خيار الاعتراف أسفر عن نتيجة أفضل من خيار عدم الاعتراف.

على وجه التحديد عندما يعترف الآخر، فإن الاعتراف ينتج عنه عقوبة بالسجن لمدة 8 سنوات فقط، بينما يؤدي عدم الاعتراف إلى عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات، وعندما لم يعترف الآخر فإن الاعتراف ينتج عنه عقوبة بالسجن لمدة 3 أشهر فقط، بينما يؤدي عدم الاعتراف إلى عقوبة بالسجن لمدة عام واحد.

لذا من هذا المنظور يبدو من المنطقي أن يعترف كل سجين بالجريمة، ومع ذلك جوهر المعضلة هو أن النتيجة المترتبة على كل من الاعتراف أي عقوبة بالسجن لمدة 8 سنوات، أسوأ من النتيجة المترتبة على عدم الاعتراف أي عقوبة بالسجن لمدة عام واحد، وبالتالي إذا كان كلا السجينين يثقان تمامًا في بعضهما البعض وملتزمين بقوة بدعم أو مساعدة بعضهما البعض، فلن يعترف أي منهما.

أنماط معضلة السجين في علم النفس:

تتمثل أنماط معضلة السجين في علم النفس من خلال ما يلي:

1- معضلة السجين ذي المحاكمة الواحدة:

تصف معضلة السجين ذي المحاكمة الواحدة الكلاسيكية هذه الحالة التي كان على السجناء أن يتخذوا فيها خياراتهم في وقت واحد، بشكل لا رجعة فيه أي أنهم لا يستطيعون التراجع عن خياراتهم أو التراجع عنها، وبالتالي بشكل مستقل عن بعضهم البعض كما تم ضمان استقلالية خياراتهم من خلال وضع السجناء في زنازين منفصلة، وبالتالي استبعاد أي إمكانية للاتصال ذات الصلة بالخيارات التي كانوا بصدد القيام بها.

تعتبر بعض المواقف التي يواجهها الناس في الحياة الواقعية تشبه جوانب معضلة السجين الكلاسيكية، على سبيل المثال قد يكون من المغري في بعض الأحيان الاستعداد بشكل أقل من الكامل لاجتماع عمل مع شريك لتوفير الوقت والطاقة لنشاط آخر أكثر إلحاحًا أو إثارة للاهتمام، ومع ذلك سيكون الاجتماع أكثر فائدة إذا استثمر كلا الشريكين الوقت والجهد والاستعداد جيدًا للاجتماع.

بشكل عام تمثل معضلة السجين حالات التبادل، والتي تحدث غالبًا في العالم الحقيقي في ظل ظروف أكثر مرونة، حيث يتخذ كلا الشريكين الخيارات بالتناوب، ويمكن بين الحين والآخر التراجع عن خياراتهما، وبهذا المعنى فإن معضلة السجين تمثل موقفًا يقوم فيه الأشخاص بأعمال أو تبادل الأموال أو المنتجات أو الخدمات، وهو أمر مرغوب فيه أكثر للآخرين غير الذات.

غالبًا ما يستخدم الباحثين وعلماء النفس معضلة السجين ذات التجربة الواحدة عندما يريدون دراسة كيفية تعامل الناس مع بعضهم البعض في غياب تاريخ من التفاعل وفي غياب مستقبل من التفاعل، ومن ثم فإن هذه الخيارات لا تتأثر بالاعتبارات المتعلقة بالماضي مثل الانتقام، أو المستقبل مثل اعتماد استراتيجية من أجل الحصول على تعاون متبادل.

في هذه المواقف تلعب الانطباعات عن الآخر دورًا مهمًا للغاية، على وجه الخصوص أي معلومات ذات صلة بتوقعات المرء فيما يتعلق بالخيار المحتمل للطرف الآخر مفيدة، على الأقل عندما يعتمد اختيار المرء على ما سيختاره الآخر، على سبيل المثال يتوقع الناس تعاونًا أكبر بكثير من شخص آخر يُنظر إليه على أنه صادق أكثر من تعاون آخر يُنظر إليه على أنه غير أمين، أيضًا قد يستمد الناس أيضًا توقعاتهم من المعلومات النمطية.

2- معضلة السجين المتكررة:

غالبًا ما تُستخدم معضلة السجين لدراسة الاختيارات المتكررة التي يستجيب من خلالها الناس لخيارات بعضهم البعض، وهو موقف يجسد التفاعل، حيث أنه في الواقع توضح معظم الأمثلة التي تمت مناقشتها حتى الآن معضلة السجين ولكنها لا تتطابق تمامًا مع ميزات معضلة السجين في محاكمة واحدة نظرًا لوجود تاريخ أو مستقبل من التفاعل المصاحب لاجتماعات العمل أو تبادل المنتجات.

على هذا النحو تكون التفاعلات أحادية التجربة أكثر شيوعًا في التعامل مع الغرباء النسبيين وليس مع الشركاء أو الأصدقاء أو المعارف، في المقابل فإن معضلات السجين المتكررة، التي تتميز بالتفاعل المتكرر، هي أكثر صلة بالعمليات التي تشكل تفاعلات الناس مع الشركاء أو الأصدقاء أو المعارف.

ركز البحث النفسي التجريبي على مجموعة متنوعة من العمليات، تتمثل إحدى هذه العمليات في دور التواصل اللفظي، حيث أنه في كثير من الأحيان يمكن تعزيز التعاون إذا كان الناس قادرين على التواصل قبل اختياراتهم في معضلة السجين، ومنها يمكننا السؤال كيف يمكن للمرء أن يقنع الآخر بالتعاون، حيث أن الرسالة التي تنقل التعاون المشروط الذي يتضمن التهديدات والوعود تميل إلى أن تكون أكثر فعالية إلى حد ما من تلك التي لا تتضمن مثل هذه الرسائل.

كما تم استخدام معضلة السجين المتكررة لفحص فعالية الاستراتيجيات السلوكية، أي كيف يجب أن يتصرف المرء إذا سعى إلى الحصول على أنماط مستقرة من التعاون المتبادل؟ أو كيف يمكن للشخص أن يحفز من خلال سلوكه الشخص الآخر على اتخاذ خيارات تعاونية؟

من السمات المهمة التي تُحسب لفعالية مبدأ التعاون في معضلة السجين هي لطفها، حيث أن الذات ليست أولًا من يتخذ خيارًا غير تعاوني، وبالتالي لا يمكن اعتباره استغلاليًا أو عدوانيًا، كما أن هذا مبدأ فعال أيضًا لأنه عمل انتقامي يتم الرد على السلوك غير التعاوني بعمل متبادل غير تعاوني، علاوة على ذلك فإن مبدأ واحد بواحدة هو متسامح، حيث يمكن معالجة الخيارات غير المتعاونة من قبل الآخر في حالة واحدة بسهولة في المواقف اللاحقة.

3- معضلة السجين الاجتماعي:

غالبًا ما تعمل معضلة السجين أيضًا في المواقف التي تشمل أكثر من شخصين أي ما يسمى بمعضلة السجين الاجتماعية، على سبيل المثال يستمتع الجميع بأماكن عامة نظيفة، مثل الحدائق النظيفة أو الملاعب الرياضية، ومع ذلك غالبًا ما يجد الناس القمامة في مثل هذه الأماكن، مما يشير إلى أنه من المغري إلى حد ما التخلص من القمامة.

وكمثال آخر فإن القيام بضبط النفس في استخدام الطاقة من عدمه يمثل مثل هذه المعضلة لأن الإفراط في الاستخدام يؤدي في النهاية إلى إنهاء الموارد الطبيعية، حيث تكون التهديدات أو الوعود أو واحدة بواحدة أقل فاعلية بشكل عام لأن هناك الكثير من الأشخاص المعنيين بحيث يكون تنفيذها أصعب أو حتى مستحيلًا، وعادة يكون مستوى التعاون أقل بكثير في معضلات السجين الجماعي من الأشخاص منه في معضلات السجين المكونة من شخصين فقط.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: