مفهوم الإيثار والمساعدة في علم النفس التنموي

اقرأ في هذا المقال


تعتبر الأفعال التي تكون إيثارية من منظور الدافع العقلي المباشر للأفراد تتوافق مع التكيف التطوري، وقد تعمل آليات الإيثار القريبة ضمن نظام المساعدة، ومن الممكن أن مسارات الإيثار النفسي والأنانية لمساعدة السلوكيات قد تعمل في وقت واحد، أي أن الفرد يقوم بمساعدة نفسة والمقربين له في الدرجة الأول.

مفهوم الإيثار والمساعدة في علم النفس

ناقش علماء النفس على مر العصور ما إذا كان البشر يعتزمون فعلًا القيام بأعمال المساعدة والأعمال الإيثارية، وهي أفعال مفيدة للآخرين دون أي قرار واضح، في العقود الأخيرة تناول علماء النفس الجدل الفلسفي طويل الأمد حول وجود الإيثار والمساعدة، والذي يُعرَّف عادةً على أنه اهتمام غير أناني برفاهية الآخرين، من خلال دراسات تجريبية، غالبًا ما يعني تصنيف فعل ما على أنه عمل إيثاري أن قرار تنفيذ الإجراء لم يتأثر بالاعتبار للذات أو بالفوائد المحتملة على الذات التي قد تنجم عن تنفيذ الإجراء.

البحث النفسي عن الإيثار والمساعدة

درس علماء النفس السلوك الإيجابي المساعد من مجموعة متنوعة من وجهات النظر، على سبيل المثال تم تطوير نموذجًا معرفيًا من خمس خطوات لتدخل المتفرج تتكون هذه الخطوات من ملاحظة الحدث، وتفسير الحدث على أنه يتطلب المساعدة، وتحمل المسؤولية الشخصية، واختيار طريقة للمساعدة، وتنفيذ القرار، لقد ثبت أن هذا النموذج قابل للتطبيق في كل من حالات الطوارئ والحالات غير الطارئة.

بالتالي أثبت علماء السلوك الإنساني أنه يمكن نمو وتكاثر السلوكيات المساعدة عن طريق التعزيز المباشر والنمذجة، وقد أظهر علماء النفس أن الإيثار والمساعدة تحدث على الأرجح عندما تفوق مكافآت المساعدة التكاليف، واكتشف علماء النفس أيضًا خصائص الهدف التي تزيد من فرص المساعدة.

يقترح مبدأ الإيثار والتعاطف التي وضعها باتسون وزملاؤه أنه يمكن إثارة دافع الإيثار الحقيقي من خلال الاهتمام التعاطفي تجاه شخص آخر يتم توجيه المنفعة إليه، حيث يتم اقتراح الإجراءات التي تستند فقط إلى الدافع لإفادة شخص آخر لتكون ناتجة عن سلسلة من الأحداث المعرفية، ففي مرحلة التمكين يأخذ المراقب منظور الهدف المحتاج.

والذي قد يتم تحفيزه من خلال التشابه المتصور بين المرء والآخر، أو من خلال تعليمات لأخذ منظور الآخر، أو عن طريق ارتباط مثل القرابة أو الصداقة أو الاتصال المسبق، يؤدي هذا إلى استجابة عاطفية للقلق التعاطفي بما في ذلك مشاعر التعاطف والدفء والحنان والرحمة مما يؤدي إلى الرغبة في تحسين رفاهية الآخر بدلاً من رفاهية الفرد.

على الرغم من أن المدافعين عن الإيثار والمساعدة يعترفون بأن الدافع الإنساني غالبًا ما يكون للمنفعة الذاتية، إلا أنهم يرون الحاجة إلى تفسير تعددي لسلوكيات المساعدة التي تتضمن كلاً من الإيثار والأنانية، حيث تباينت الدراسات التي تدعم مبادئ الإيثار بشكل منهجي حول ما إذا كان يمكن للأفراد الحصول على أهداف أنانية فقط من خلال المساعدة، أو ما إذا كان بإمكانهم الهروب من الموقف والحصول على الأهداف الأنانية دون مساعدة، تُظهِر هذه الدراسات أن بعض الأشخاص على الأقل لديهم نوايا مساعدة لا تفسرها دوافع أنانية، مثل تخفيف الضيق الشخصي والهروب من الخزي العام لعدم المساعدة وتخفيف الحزن والرغبة في إسعاد النفس.

يفترض باحثين آخرين في علم النفس الأنانية النفسية، وهي الأطروحة القائلة بأن الناس يحاولون دائمًا التصرف بطرق تفيد أنفسهم، وهو الشعور بالتداخل بين الذات والآخر، أو الوحدة بين المساعد والفرد المحتاج هو الذي يحفز المساعدة، وليس التعاطف، حيث إن مساعدة الآخرين الذين يشعر المرء معهم بالقواسم المشتركة لن تكون نكران الذات لأنها تؤدي إلى حالة عقلية أكثر ملاءمة، ويقترح دعاة الأنانية أن القلق التعاطفي هو إشارة عاطفية للوحدة وأن التعاطف في حد ذاته يؤدي في أحسن الأحوال إلى مساعدة سطحية.

الدراسات التي تفحص ما إذا كان يمكن القضاء على تأثير القلق التعاطفي عندما يتم حساب الشعور بالوحدة مع الهدف، أو التداخل مع الذات الأخرى، قد أسفرت عن نتائج متناقضة، أحد الاعتراضات الفلسفية على الحجة الأنانية هو أن رؤية الآخر كجزء من الذات هو في حد ذاته إيثار، ويشير التداخل المتصور إلى أن الذات والآخر يشتركان في مصير مشترك، بحيث يمكن تقاسم الموارد والمساعدات الأخرى لتحقيق أقصى قدر من النتائج لأكثر من الفرد فقط.

فهم الإيثار والمساعدة في إطار تنموي وتطوري

يعزز دمج المفاهيم من النظرية التطورية الإطار النفسي لفهم نوايا المساعدة الإيثارية، حيث يعزز النهج التطوري فهم التأثير والإدراك والتحفيز والسلوك كتعبيرات عن العمليات الوظيفية والتكيفية التي تطورت من خلال الانتقاء الطبيعي لحل المشكلات في بيئات أجدادنا، ومنها يمكن توضيح الجدل حول الإيثار والمساعدة من خلال فصل الدوافع المباشرة وضغوط الاختيار النهائية، يعترف الإطار التطوري بإمكانية وجود دوافع إيثارية وأنانية من منظور الفرد.

من منظور تطوري يمكن أن تختلف التجارب الذاتية الكامنة وراء التكيف، طالما أنها تؤدي بشكل موثوق إلى السلوكيات التكيفية، والدافع الأساسي أو التجربة الذاتية للفرد أقل أهمية من عواقب أفعالهم، حيث يتيح ذلك إمكانية حدوث سلوكيات إيثارية من حيث التكاليف والفوائد التي يتحملها المتبرع، على الرغم من الأنانية من حيث الفوائد التي تعود على الجينات التي يتقاسمها الأفراد.

تمشيا مع النظرية التطورية يمكن أن تنشأ تجربة الوحدانية أو التعاطف كنتيجة للإشارات المرتبطة بالارتباط من خلال القرابة والصداقة والألفة، التي تشير إلى إمكانية وجود قواسم جينية عالية نسبيًا في بيئتنا الموروثة، حيث يمكن أن تؤدي الحالات النفسية التي تثيرها هذه الإشارات إلى زيادة فرص الأفراد المحتاجين في تلقي المساعدة، وتعزيز البقاء على قيد الحياة وتكرار الجينات التي تؤثر على القدرات النفسية للوحدة والتعاطف، حيث وجد عدد من الدراسات دعمًا للتنبؤات المستمدة من اختيار الأقارب في الآليات النفسية التي تؤثر على المساعدة، والنوايا السلوكية للمساعدة، وسلوكيات المساعدة الفعلية.

اختيار الأقارب ليس هو المسار التطوري الوحيد المعترف به لأفعال الإيثار والمساعدة، حيث تتنبأ نظرية تريفرس عن الإيثار المتبادل بأن سلوكيات الإيثار ستكون أيضًا دالة للمعتقدات حول احتمالية المتلقي للمعاملة بالمثل، يتسم تبادل الموارد والدعم في أوقات الحاجة بالتكيف بسبب الفوائد الممنوحة لاستمرارية المجموعة ككل، ومنها ستحدث إجراءات الإيثار الانفرادي لأن المتبرعين قد يجدون أنفسهم يومًا ما في حاجة ويمكن أن يتوقعوا الاستفادة من المساعدة، وطالما يحدث هذا ستحدث أعمال الإيثار والمساعدة التي يستفيد منها غير الأقارب.

شجعت البيئة الاجتماعية في بيئة الأجداد على تطوير الإيثار المتبادل؛ لأن العزلة الاجتماعية النسبية زادت من فرص استفادة المؤثرين الآخرين من السلوك الإيثاري للآخرين.

عادة ما يتم تصوير الأحداث العقلية التي تسهل المعاملة بالمثل على أنها آليات معرفية تقيم احتمالية أن الهدف سيوفر المساعدة إذا تم عكس الظروف في الموقف، في السنوات الأخيرة تم استكمال هذا المنظور المعرفي من خلال التعرف على المسارات العاطفية التي تتوافق مع الإطار التكيفي لعلم النفس التطوري، حيث يعزز الترابط العاطفي مع الآخرين الالتزام بالأفعال المفيدة التي يتم تنفيذها لصالح الفرد الآخر بدلاً من الحصول على خدمة متوقعة في المقابل.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: